برزت رسالة من الكاتب د.مأمون فندي (من كُتّاب صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة من لندن) عبر حسابه على منصة إكس المطولة إلى عبد الفتاح السيسي، طالبه بموقف غير متواطئ تجاه ما يحدث في غزة وتجاه إيران بصياغة مبادرة تشمل "أمن اسرائيل" وتعترف بالدور الإيراني الأصيل في المنطقة.
وتوقف الإعلامي عمرو أديب على رسالة "مأمون فندي" إلى السيسي وأعطى لها مساحة تغطية عبر برنامجه (الحكاية) وأشاد بتلك الرسالة ودعا النظام المصري للوقوف على ما جاء فيها بتمعّن، كما وجه رسالة للدكتور مأمون ببعض الاستفسارات للتوضيح، الذي بدوره قام بالرد عليها.
وقال باحثون بالمركز المصري للدراسات: "من غير الواضح كيف سيكون تفاعل النظام المصري مع هذه الدعوة، خاصة في ضوء المساحة التي أعطاها لع عمرو أديب، مع عد إغفال الروابط القوية للدكتور مأمون فندي مع المملكة العربية السعودية، التي تمول القناة التلفزيونية التي طرح الموضوع عليها".
وخلص الباحثون إلى أن "التصعيد بين إيران و"إسرائيل" ليس بعيدًا عن مصر، بل يمر بمحاذاة مصالحها الاستراتيجية، وإذا تطور إلى مواجهة شاملة، قد تجد القاهرة نفسها أمام مزيج من التحديات الأمنية والاقتصادية، والفرص السياسية المحدودة. التعامل مع هذه التداعيات يتطلب يقظة استخباراتية، وتحديثًا للمواقف الدبلوماسية، وحسابًا دقيقًا لتأثيرات موجات التصعيد على الداخل المصري."
رسالة فندي بتصرف
وكتب مأمون فندي، "..هذه الرسالة التي تنطلق من إيمان عميق بدور مصر التاريخي والمحوري كقلب العالم العربي، وكحجر الزاوية في استقرار المنطقة، وصاحبة الصوت العاقل والرصين في مواجهة الأزمات، وأيضاً كمواطن مصري يعرف تاريخ بلده ويعتز بدوره عبر العصور" .
في ظل التصعيد العسكري المتواصل في قطاع غزة، والتوتر الخطير القائم بين إيران وإسرائيل اليوم وماله من تبعات على الأمن الإقليمي تتجه أنظار العالم والمنطقة إلى مصر، لما لها من ثقل سياسي، وموقع إستراتيجي، وقدرة عسكرية مشهود لها.
ولا يخفى على أحد أن القوات المسلحة المصرية تُعد من بين أقوى الجيوش في المنطقة، كما أن لمصر مكانة متميزة بفضل تحكمها في قناة السويس ومجالها الجوي الذي تمنحه لبعض القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
إن ما يجري اليوم في محيطنا العربي من صراعات مرشحة للتصاعد يضع مصر أمام اختبار تاريخي لاستعادة زمام المبادرة، وقيادة جهد إقليمي يوازن بين حفظ الأمن القومي العربي، ودرء مخاطر الانزلاق نحو حروب شاملة قد تمس الجميع، وإن مصر قادرة على صياغة مبادرة أمن إقليمي شامل يضمن أمن إسرائيل، وكذلك الاعتراف بالدور الإيراني الأصيل في المنطقة، وإنهاء حرب الإبادة في غزة من خلال صياغة new regional framework for security
ومصر لديها من الكفاءات الدبلوماسية والعسكرية والفكرية ذات الخبرة القادرة على صياغة هذا التصور للأمن الإقليمي من منظور أصيل وليس تصورا يسقط علينا بالبراشوت من قوى خارجية .
في غزة، والتي كانت تحت الحكم المصري في السابق وأهلها أهلنا لما بيننا من علاقات قرابة ونسب وشراكة ثقافية ، لنا دوما التزام أخلاقي وتاريخي برفاهية الشعب الفلسطيني ومساعدته في الوصول إلى دولته المستقلة، ولطالما كانت مصر وسيطًا موثوقًا، وصمام أمان للحفاظ على التوازن في هذا الملف الحساس. ومع تصاعد المأساة الإنسانية التي وصلت إلى حد المجاعة يبقى صوت مصر هو الأقدر على فرض وقف إطلاق نار عادل وشامل.
أما التصعيد الإيراني–الإسرائيلي الذي ينفرط أمامنا هذه الأيام فهو أمر جلل وخطير ، لذا فإن الحاجة ملحّة لوجود قوة عربية عقلانية قادرة على تهدئة الوضع ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهات كارثية قد تجر دولا أخرى إلى المشهد، ومصر، بما لها من علاقات متعددة، مع الأطراف المتحاربة ، تستطيع أن تلعب دور الضامن والوسيط، وتوجيه المسارات نحو الحلول السياسية بدلًا من الحروب المفتوحة التي يمكن أن تنزلق إلى مستويات انتحارية .
وأضاف "فندي" المحسوب على العلمانيين أن "..التاريخ لا يصنعه الحياد، بل تصنعه المواقف الواعية والشجاعة، ومصر، تحت قيادتكم، تملك أدوات التأثير، وصوت الحكمة، والقدرة على الفعل إن أرادت، وإن أبناء الأمة العربية جميعًا، يتطلعون إلى أن تكون مصر كما عهدوها، راعيةً للتوازن، حاميةً للشرعية، ودرعًا للأمن القومي العربي. وقدر مصر منذ الأزل أن تكون عامل استقرار في الإقليم، إن التحرك المصري اليوم ليس فقط ضرورة إقليمية بل هي أيضا مطلب عالمي ".
التداعيات المحتملة على مصر
ونشر تحليل للمعهد المصري للدراسات قال: إن "تداعيات التصعيد "الإسرائيلي"–الإيراني على مصر يشغل الرأي العام المصري كونه يحمل أبعادًا متعددة، نظرًا لموقع مصر الجيوسياسي ومصالحها الإقليمية، وارتباطها بشبكة توازنات دقيقة".
1. التداعيات الأمنية: والعسكرية:
ضغوط على جبهة سيناء وغزة:
أي تصعيد شامل بين إيران وإسرائيل سيكون له تداعيات على سير العمليات في غزة واستخدام جيش الاحتلال لنهج أشد لتنفيذ أهدافه، والسعي الحثيث لتهجير الفلسطينيين إلى مصر وعبر مصر ، ما قد يضع معبر رفح وسيناء في بؤرة التوتر الأمني، ويستدعي يقظة مصرية عالية لتأمين الحدود.
زيادة النشاط الاستخباراتي على الأراضي المصرية:
في حال تحوّل المنطقة إلى ساحة صراع مفتوح، قد تستخدم أجهزة استخبارات إقليمية ودولية (بما فيها الموساد) الأراضي المصرية كمجال عملياتي خفي، خصوصًا في المناطق الحدودية الحساسة.
تهديد الأمن القومي:
إذا انتهى الصراع الراهن بانتصار إسرائيلي حاسم على إيران، قد يشجعها هذا على مواصلة مخططاتها التوسعية، وقد تسعى جدياً في المرحلة التالية لإعادة احتلال سيناء والقضاء على مقدرات الجيش المصري.
2. التداعيات الاقتصادية:
التداعيات الاقتصادية لاستمرار الصراع الإيراني – "الإسرائيلي"، خاصة إذا توسع وتدخلت أمريكا بشكل مباشر في العمليات العسكرية، أو امتد الصراع لأطراف إقليمية أو حتى دولية أخرى، يمكن أن تكون مدمرة للاقتصاد المصري، خاصة في ظل الأزمات التي يمر بها منذ سنوات.
أهم هذه التداعيات تتمثل في النقص الحاد لإمدادات الغاز اللازمة لتوليد الطاقة، ارتفاع أسعار النفط والغاز وما يتبع ذلك من ارتفاع لأسعار الكثير من السلع الأساسية وبالتالي التضخم، خروج الأموال الساخنة وعدم القدرة على الاستمرار في الاقتراض لتمويل سداد الديون والعجز في الموازنة، التأثير على عائدات السياحة وقناة السويس، فضلا عن تحويلات العاملين بالخارج إذا امتد الصراع إلى دول الخليج، ارتفاع سعر صرف العملات الصعبة مقابل الجنيه، وغير ذلك من التداعيات التي يمكن أن تدخل مصر بسببها في أزمة اقتصادية حادة جديدة.
3. التداعيات الجيوسياسية:
تضييق مساحة المناورة الدبلوماسية لمصر:
مصر تسير على خط رفيع في علاقتها مع كل من إيران، إسرائيل، والخليج. أي تصعيد واسع النطاق سيضغط على القاهرة لاتخاذ موقف واضح قد يُفقدها جزءًا من الحياد الذي تحافظ عليه في ملفات إقليمية دقيقة، خاصة مع غياب أي خط إستراتيجي ناظم للدور المصري في الإقليم وعلاقاته مع الأطراف المختلفة.
فرصة لتعزيز دور الوساطة المصري:
في حال أرادت الأطراف الكبرى احتواء التصعيد، قد تلعب مصر دورًا في جهود التهدئة، خاصة أنها طرف مقبول لدى إيران بعد التحسن الكبير في العلاقات بين الطرفين مؤخرا، وتربطها كذلك علاقات أمنية مع إسرائيل، ما يمنحها فرصة لتعزيز دورها الإقليمي.
اجتماع المخابرات (سونستا)
وقبل نحو أسبوعين من الآن، كانت مواقع صحفية محلية كشفت ما اعتبره مراقبون تطور هام وجيد من وجهة نظر البعض يتجاوز الخطاب الإعلامي والرسمي للدولة عن اجتماع عالي المستوى تم بموافقة هيئة الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة، انعقد في بفندق سونستا بشرق القاهرة، التابع للأجهزة السيادية.
جمع الاجتماع عدداً من الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة في مصر لمناقشة تداعيات المخططات “الإسرائيلية” لتهجير الفلسطينيين وضم الأراضي الفلسطينية، قال الحضور من الشخصيات السياسية المدنية، خلال نقاشاتهم، إنَّ الوضع الراهن يشكل تهديداً خطيراً ليس فقط على القضية الفلسطينية ولكن أيضاً على الأمن القومي المصري.
أكدوا على نقاط تتشابه مع الدعوة التي تبناها مأمون فندي في رسالته للسيسي:
الموقف الدولي الرسمي تجاه الأزمة أصبح متراخياً، على مصر قيادة المبادرة العربية التي من شأنها أن تضع حداً لما وصفوه بـ “مخططات تصفية القضية الفلسطينية”.
الخطاب الإعلامي الرسمي لم يعد كافياً لمواكبة المتغيرات الحالية في المنطقة، وعلى الدولة المصرية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
التصدي للمخططات “الإسرائيلية” يتطلب تحركات سريعة ومبنية على استراتيجية سياسية وإعلامية موحدة لدعم القضية الفلسطينية.
تحفيز الشباب على فهم أبعاد الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي” بشكل أفضل.
دور مصر يجب أن يكون محورياً في دعم التوجهات الفلسطينية نحو المقاومة السلمية.
تقديم دعم سياسي ملموس للسلطة الفلسطينية لتجاوز أي انقسامات قد تضعف موقفها أمام الضغط "الإسرائيلي".
تحذيرات العسكريين
من جهة أخرى، تناول الحضور العسكريون في الاجتماع مخاو فهم بشأن تداعيات هذه المخططات على الأمن الإقليمي:
الموقف العسكري المصري يجب أن يرتكز على التنسيق الكامل مع الدول العربية لدعم قضية فلسطين.
التحديات التي تفرضها “إسرائيل” تتطلب استراتيجية عسكرية واضحة، في ظل الظروف الإقليمية المتغيرة.
الرد العسكري يجب أن يتوافق مع مستوى التهديد الذي تشكله المخططات “الإسرائيلية” على الأراضي الفلسطينية.
أي خطة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين ستكون بمثابة تهديد مباشر للأمن القومي المصري والمنطقة العربية بأسرها.
مصر يجب أن تكون في موقع القيادة لتقديم حلول واقعية للتهديدات العسكرية "الإسرائيلية".
ضرورة التأهب للتعامل مع أي تهديدات قد تؤثر على الاستقرار الإقليمي.
ضرورة لبناء موقف عربي موحد.
أي تواطؤ او غياب لمواقف حاسمة في هذا السياق سيضعف من قدرة مصر على التأثير في الأحداث القادمة.
تكرار الصمت او التراخي قد يؤدي إلى تهديد أكبر لأمن المنطقة ومستقبلها السياسي.