بينما تتساقط أوراق التوت عن نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي، وتنكشف إخفاقاته في كل الملفات الحيوية من الاقتصاد إلى الأمن الغذائي، ها هو ملف المياه – شريان حياة مصر – يتحول إلى فضيحة كبرى تفضح عجزه وصمته المخزي أمام إثيوبيا، التي أحكمت قبضتها على نهر النيل وأدخلت القاهرة والخرطوم في مأزق وجودي غير مسبوق.
فمع بدء موسم فيضان النيل يوم الثلاثاء الماضي، دخلت أزمة سد النهضة مرحلة "الطريق المسدود"، بحسب مراقبين، وسط إصرار أديس أبابا على المضي قدمًا في ملء وتشغيل السد بشكل أحادي، رغم التحذيرات الدولية والمخاوف المصرية والسودانية. وفي وقت لا يكاد يسمع فيه المصريون سوى تصريحات جوفاء عن "الخطوط الحمراء" و"حقوق مصر التاريخية"، يبقى الواقع على الأرض كابوسًا يهدد 100 مليون مواطن بالعطش، في ظل نظام أهدر فرص الحلول وتفرغ لقمع المعارضة وبيع أصول الدولة للأجانب.
تعنت إثيوبي واستخفاف بالقاهرة
بحسب مصدر دبلوماسي مصري، تحدث لـ"العربي الجديد"، رفضت إثيوبيا مؤخرًا كافة محاولات الوسطاء الإقليميين والدوليين لتحريك المياه الراكدة في ملف المفاوضات، وأكد المصدر أن أديس أبابا ماضية في سياسة فرض الأمر الواقع، حتى وهي تسعى للحصول على منفذ بحري عبر إقليم صوماليلاند الانفصالي، ما أثار توترات مع مقديشو ودفع القاهرة لمحاولة توظيف الأزمة للضغط على إثيوبيا دون جدوى.
وفي خطوة كشفت عن عمق الفشل الدبلوماسي المصري، كشف المصدر أن القاهرة كانت مستعدة لمناقشة منح أديس أبابا منفذًا دائمًا على البحر الأحمر مقابل التزامها باتفاق مُرضٍ بشأن سد النهضة. لكن الأخيرة تجاهلت ذلك وواصلت التصعيد، فيما اكتفى وزير الخارجية بدر عبد العاطي بتكرار "المواقف الثابتة" دون أي خطوات عملية توقف الكارثة.
كلفة الفشل: مصر تحت خط الفقر المائي
الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أكد أن الكارثة وقعت بالفعل، إذ اضطرت مصر لتعويض العجز باستخدام 25 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي المعالجة، بكلفة مالية ضخمة بلغت نحو 0.3 دولار للمتر المكعب الواحد، محذرًا من أن "السد الإثيوبي اكتمل العام الماضي، ومصر تواجه الأمر الواقع".
شراقي شدد على أن غياب اتفاق لتشغيل السد يترك مصر عرضة لمخاطر جسيمة، مشيرًا إلى أن أديس أبابا تخطط لبناء سدين إضافيين على النيل والمطالبة بحصة ثابتة تبلغ 20 مليار متر مكعب، بينما النظام المصري منشغل بتشييد قصور رئاسية واستعراضات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.
أزمة شاملة لنظام فقد البوصلة
أزمة سد النهضة ليست سوى انعكاس لفشل بنيوي في سياسات السيسي، الذي ضيّع أوراق الضغط الإقليمية والدولية، وكرّس تبعية اقتصادية خانقة للخارج جعلت المساعدات الخليجية والديون الدولية هي الأكسجين الوحيد لنظامه. وبينما يواجه المصريون شحًا مائيًا بلغ 55% من احتياجات البلاد، يعيشون أيضًا انهيارًا اقتصاديًا وأزمات متفاقمة في الغذاء والطاقة، فيما لا يلوح في الأفق أي أمل لحل يضمن حقوق مصر التاريخية التي تسربت بين أصابع النظام.