رغم آلاف الضحايا.. لماذا يرفض نظام السيسي التصديق على اتفاقية وقف الاختفاء القسري؟

- ‎فيتقارير

 

جددت المفوضية المصرية للحقوق والحريات مطالبتها للنظام الانقلابى فى مصر  بالتصديق الفوري على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2006 ودخلت حيز التنفيذ في 2010، بينما لا تزال القاهرة خارج إطارها رغم تصاعد الظاهرة بشكل مروع خلال العقد الأخير.

 

وقالت المفوضية في بيان نشرته الخميس الماضي إن سلطة المنقلب السيسى  ، التي اتسع فيها نطاق الإخفاء القسري بشكل “منهجي وواسع”، تواصل تجاهل الدعوات المحلية والدولية للتوقيع والانضمام للاتفاقية، مشيرة إلى أن السلطات وافقت مؤخرًا بشكل شكلي على توصيات دولية بالتصديق، دون اتخاذ أي خطوة عملية أو إظهار إرادة سياسية حقيقية لإنهاء هذه الجريمة.

 

أرقام صادمة.. آلاف المختفين في عهد السيسي

وفقًا لحملة "أوقفوا الاختفاء القسري"، التي أطلقتها المفوضية عام 2015، تم توثيق 4677 حالة اختفاء قسري منذ ذلك التاريخ وحتى أغسطس 2024، بينها 438 حالة جديدة خلال عام واحد فقط (أغسطس 2023 – أغسطس 2024)، بينهم 19 امرأة. هذه الأرقام تمثل فقط ما تم توثيقه، وسط مؤشرات على أن الأعداد الفعلية قد تكون أعلى بكثير بسبب التعتيم الأمني وعدم تعاون السلطات مع الجهات المستقلة.

 

لماذا يرفض النظام التصديق على الاتفاقية؟

يرى مراقبون أن رفض نظام السيسي التصديق على الاتفاقية ليس مجرد إهمال إداري، بل موقف سياسي متعمد، لأسباب عدة:

 

تحصين الأجهزة الأمنية: تنص الاتفاقية على تعريف الإخفاء القسري كجريمة دولية تستوجب الملاحقة والمحاسبة. التصديق عليها يعني إخضاع ضباط الأمن والجيش والقضاء للمساءلة عن جرائم ارتكبت خلال السنوات الماضية، وهو ما يتعارض مع سياسة النظام القائمة على الإفلات التام من العقاب.

 

استخدام الإخفاء كأداة قمع: تقارير منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية وثّقت أن الاختفاء القسري أصبح وسيلة ممنهجة لإرهاب المعارضة السياسية، وإسكات الصحفيين والنشطاء، وحتى الخصوم داخل الأجهزة الأمنية نفسها.

 

غياب الإرادة السياسية: رغم قبول الحكومة المصرية لتوصيات دول مثل كوت ديفوار وفرنسا والمكسيك وجنوب السودان خلال المراجعة الدورية الشاملة في الأمم المتحدة، إلا أن ذلك يظل، وفق المفوضية، قبولًا شكليًا للاستهلاك الدولي، بينما على الأرض لا تزال الشكاوى المقدمة من أسر الضحايا تواجه بالتجاهل أو التهديد.

 

التزامات معطلة وحقوق مهدرة

شددت المفوضية على أن التصديق على الاتفاقية ليس خطوة رمزية، بل التزام قانوني يفرض على الدولة تعديل القوانين المحلية وتجريم الإخفاء القسري بشكل صريح، وإغلاق أماكن الاحتجاز السرية، وإنشاء آلية وطنية لرصد الانتهاكات وجبر الضرر للضحايا وأسرهم.

 

لكن حتى الآن، يرفض النظام فتح هذا الملف، ويواصل تقنين الإخفاء القسري عبر قوانين فضفاضة تسمح بالاحتجاز المطول دون محاكمة، وإعادة تدوير المعتقلين في قضايا جديدة.

 

توصيات دولية مكررة.. ولا تنفيذ

في يناير الماضي، أصدر الفريق المعني بالاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة تقريرًا عن حالة حقوق الإنسان في مصر، متضمنًا 343 توصية من 137 دولة، أبرزها وقف الإخفاء القسري، وإنهاء تدوير المعتقلين، والإفراج عن السجناء السياسيين، وضمان حرية الصحافة.

كما طالبت لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة القاهرة بـ"إغلاق أماكن الاحتجاز غير الرسمية" و"تجريم الإخفاء القسري صراحة"، لكن دون جدوى.

 

هل يتغير شيء قريبًا؟

بينما تواصل المفوضية وحملات المجتمع المدني الضغط، يرى محللون أن النظام لن يُقدم على أي خطوات حقيقية ما لم يتعرض لضغوط دولية حاسمة تربط بين استمرار التعاون السياسي والاقتصادي وبين احترام حقوق الإنسان الأساسية.