الحصول على علبة لبن أطفال أصبح بمثابة حلم مستحيل فى زمن الانقلاب حيث تعتمد عصابة العسكر على استيراد ألبان الأطفال من الخارج ومع أزمات العملة الصعبة تضطر إلى التوقف عن الاستيراد دون اعتبار لانعكاس مثل هذا القرار الكارثى على حياة الأطفال خاصة الرضع فى الشهور الأولى الذين لا يتلقون أى رضاعة طبيعية
الأزمة لا تقتصر على توفير علبة اللبن بل تمثل الأسعار أكبر تحد للأسر المصرية خاصة الفقيرة التى لا تستطيع الحصول حتى على رغيف العيش فى زمن الانقلاب .
وبسبب هذه التحديات يدعو البعض إلى انشاء مصانع محلية لإنتاج لبن الأطفال وتحقيق الاكتفاء الذاتى وبالتالى توفير العملة الصعبة وهذه الفكرة كثيرا ما ترددها حكومة الانقلاب دون تنفيذ فعلى على أرض الواقع لأن احتياجات المصريين لا تمثل أولوية بالنسبة لها .
علبة لبن
حول هذه المأساة كشف «خالد. م» شاب ثلاثينى، عن معاناته فى الحصول على لبن الأطفال لنجلته «البكرية، بسمة»، التى لم يتجاوز عمرها 4 شهور .
وقال: زوجتى ولدت بسمة نجلتى، وعانت من نقص اللبن «الطبيعى»، فتوجهنا للطبيب، ليصف لنا لبن أطفال بودرة «مساعد»، استمررت لمدة شهرين فى صرف اللبن، ومع الشهر الثالث من استهلاك لبن البودر لنجلتى بدأت أعانى من الحصول على علبة لبن، وكان سعرها فى الأسواق يفوق 255 جنيهًا، منذ فترة قليلة، ثم منذ ما يقرب من شهرين أصبح سعرها 300 جنيه فأكثر .
وأضاف : لم أستطع الحصول على أى علبة لبن، وقمت بالبحث عليها فى مناطق الهرم وفيصل، بجانب مناطق وسط البلد، ولم أحصل على أية علبة.
وتابع : عندما أنهكنى البحث عن علبة اللبن اضطررت اللجوء إلى الطبيب المعالج للحصول على بديل لهذا اللبن فنصحنى باستعمال نوع لبن آخر ولم أحصل عليه ولكن بعض الصيادلة أبلغونى بسعره فقط دون الحصول عليه، ثم رجعت للدكتور مرة ثالثة فنصحنى بـنوع اخر وحصلت على علبة لبن واحدة بسعر 220 جنيها لافتا إلى أنه على وشك الانتهاء من المرحلة الأولى للرضاعة «6 أشهر»، ويستعد للبحث عن نوع اللبن المناسب للمرحلة الثانية، للأطفال البالغين 6 أشهر فأكثر.
توطين الصناعة
فى ذات السياق، شدد حازم المنوفى رئيس شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية على ضرورة توطين صناعة لبن الأطفال مشيرا إلى أن مصر تستورد كميات كبيرة، حيث يأتى خام الإنتاج من الخارج وتتم التعبئةا فى مصر.
وقال «المنوفى» فى تصريحات صحفية : صناعة ألبان الأطفال تواجه تحديات تكمن فى توفير الثروة الحيوانية، بجانب عدم وجود أى مصانع إنتاج لبن أطفال «البودر»، مؤكدا أن دولة العسكر لا تمتلك أى مصنع لتحويل اللبن السائل لبودر، وبالتالى نحتاج لثروة حيوانية ضعف الموجودة حاليا، ولا بد أن تكون من أجود أنواع الألبان، حيث هناك سلالات مخصصة لإنتاج لبن الأطفال لابد من توفيرها.
وكشف أن حجم الاحتياج المحلى يُقدّر بحوالى 100 مليون عبوة سنويًا، مطالبا بضرورة تحقيق الاكتفاء الذاتى خاصة أن أسعار الانتاج المحلى مقارنة بالمستورد أوفر بنسبة تصل لـ30%، لكنها لا تزال بحاجة لدعم إضافى حتى تصبح مناسبة لذوى الدخل المحدود، خصوصًا فى فئة الألبان العلاجية.
وأوضح «المنوفى» أنه رغم أن مصر تمتلك مصانع لإنتاج الحليب المجفف بودرة الحليب، لكن لا تزال هناك حاجة لتوسيع هذه الصناعة لتلبية الطلب المحلى وتقليل فاتورة الاستيراد، مشيرا إلى أن مصر لا تزال تستورد كميات كبيرة من الحليب المجفف. قدرت فى عام 2019، بقيمة تتراوح بين 500 مليون إلى مليار دولار سنويًا.
العملة الأجنبية
وقال الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الدواء بجامعة عين شمس، إن مصر تستورد نحو 45 مليون عبوة لبن أطفال سنويًا، ما يُشكّل عبئًا ماليًا ضخمًا على ميزان المدفوعات، خاصة فى ظل الضغط على العملة الأجنبية.
وأضاف «عنان» فى تصريحات صحفية أن الجدوى الاقتصادية لإنشاء مصنع محلى تتراوح تكلفة إنشاء مصنع محلى بين 800 مليون إلى 1.2 مليار جنيه ، حسب الحجم والتقنيات المستخدمة، بالمقارنة مع فاتورة الاستيراد السنوية، يُمكن استرداد تكلفة الاستثمار خلال 5 إلى 6 سنوات، ما يجعل المشروع مجديًا اقتصاديًا على المدى المتوسط.
وتابع: المصنع يوفر ما لا يقل عن 300-500 فرصة عمل مباشرة تشمل مهندسين، كيميائيين، فنيين، وإداريين، يسهم فى نقل المعرفة الفنية وتدريب الكوادر المصرية، خصوصاً إذا تم بالتعاون مع شركاء دوليين متخصصين فى المجال موضحا أن متطلبات إنشاء المصنع تشمل الاستثمارات المبدئية المعدات، خطوط الإنتاج، التراخيص، والتأهيل الصحى والغذائى.
وأشار «عنان» إلى أن المشروع يتطلب شراكات محتملة مع شركات عالمية لنقل التكنولوجيا. كما ان دور الجهات الرقابية مثل هيئة الدواء، وزارة صحة الانقلاب وهيئة سلامة الغذاء أساسى فى ضمان جودة وسلامة المنتج.
وشدد على أن إنشاء مصنع محلى لإنتاج ألبان الأطفال يمثل خطوة استراتيجية نحو تحقيق الأمن الصحى والاقتصادى لمصر، بالإضافة إلى ذلك، فإن تشجيع الرضاعة الطبيعية يمكن أن يسهم فى تقليل الاعتماد على الألبان الصناعية، ما يؤدى إلى تقليل الفاتورة الاستيرادية وتعزيز صحة الأطفال.
استثمارات ضخمة
وقال خبير أسواق المال، والجدوى الاقتصادية حسام الغايش، إن عوامل توطين هذه الصناعة متوافرة مشيرا إلى أن هناك قاعدة صناعية جيدة فى مجال الصناعات الغذائية والدوائية، خاصة توافر الألبان الخام ووجود مزارع ألبان كبيرة.
وأكد «الغايش» فى تصريحات صحفية أن معدل الولادات مرتفع نسبياً ٢٫٥٪ من عدد السكان سنويا، وبالتالى تواجه المشروعات المحلية وتقليل الفاتورة الاستيرادية، بعض التحديات، مثل: الحاجة لاستثمارات ضخمة لبناء مصانع بمعايير جودة عالية، وتوافر تكنولوجيا تصنيع متقدمة لضمان سلامة المنتج، حيث إن لبن الأطفال حساس جداً ويحتاج معايير جودة صارمة، مع ضرورة مواكبة المواصفات الدولية، لأن سوق لبن الأطفال يخضع لتشريعات صارمة عالمياً.
وأوضح أن حجم الاستثمارات المطلوبة لتوطين صناعة ألبان الأطفال فى مصر، يعتمد على حجم المشروع، والتكنولوجيا المستخدمة، والشراكات المحتملة «محلية أو أجنبية»، لافتا إلى أنه وفقا لبعض الدراسات والتجارب الدولية، تتراوح الاستثمارات المطلوبة بين 50 إلى 100 مليون دولار على الأقل لمصنع متوسط الحجم، مع تجهيزات كاملة لضمان الجودة، وهذا يشمل: خطوط الإنتاج عالية الجودة، معامل اختبار وفحص الجودة، أنظمة التعبئة والتغليف المتقدمة، تدريب الكوادر البشرية المتخصصة.
ولفت «الغايش» إلى أن مصر تستورد ما بين 40 – 45 مليون عبوة سنويا، وتكلفة الاستيراد تتراوح ما بين 1.2 إلى 1.5 مليار جنيه ، ما يقدر بحوالى 40 – 50 مليون دولار سنويا، وبالتالى لو تم إنتاج هذه الكمية محلياً ممكن أن نوفر جزءا كبيرا من العملة الصعبة.