الانهيار الاقتصادى وتراجع مستوى المعيشة وعدم توافر فرص عمل واليأس من حدوث تغيير أو اصلاح فى زمن الانقلاب يدفع الشباب المصرى إلى الهجرة غير الشرعية والمغامرة بحياته من أجل العثور على فرصة عمل وحياة أفضل من هذا الجحيم الذى فرضه قائد الانقلاب الدموى عبدالفتاح السيسي على مصر والمصريين
ورغم مزاعم حكومة الانقلاب بأنها قضت على الهجرة غير الشرعية إلا أن الأرقام الصادرة عن منظمات دولية وأوروبية، تشير إلى تصاعد مستمر في أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من مصر، ما يتناقض مع التصريحات الرسمية التي تصدر عن حكومة الانقلاب.
وتكشف الأرقام أنه في عام 2022، وصل عدد المصريين الذين عبروا البحر المتوسط إلى أوروبا بطريقة غير قانونية إلى أكثر من 21,700 مهاجر، ما وضع مصر ضمن قائمة الدول العشر الأعلى في تصدير المهاجرين غير النظاميين، وفقًا لوكالة فرونتكس الأوروبية والبيانات الصادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية.
لماذا يهاجر الشباب المصرى ويغامر بحياته ؟ ولماذا يهرب من مصر إلى الخارج ؟
التحفيق التالى يجيب عن هذا السؤال
مغادرة البلاد
من جانبه قال مؤمن إبراهيم 32 عامًا من محافظة أسيوط انه بعد ثلاث سنوات من محاولات فاشلة لإيجاد عمل يوفر دخلا لى ولأسرتى، لم اجد خيارًا سوى مغادرة البلاد. مشيرا إلى أنه لم يكن قادرًا على تحمّل تكاليف السفر إلى إحدى دول الخليج لذلك قرر التسلل إلى ليبيا مع مجموعة من الشباب، عبر طرق الهجرة غير الشرعية، على أمل الوصول إلى أوروبا.
وأضاف مؤمن فى تصريحات صحفية : للأسف الحلم انتهى بمأساة؛ فقد غرقت المركب التي كانت تقله من ليبيا إلى إيطاليا، قبل أن تعترضه قوات خفر السواحل قرب الحدود التونسية. وبعد ثلاثة أشهر من التحقيقات، أفرجت عنه السلطات التونسية، لكنه بقي في البلاد دون أوراق، متخفيًا خشية ترحيله إلى مصر.
وأكد إن الهجرة لم تكن خيارًا بل اضطرارًا، بعدما تعرّض للاحتيال من أحد أبناء قريته الذي أوهمه بالحصول على تأشيرة عمل لإحدى دول الخليج مقابل 60 ألف جنيه اقترضها من إحدى الجمعيات. وعندما اكتشف الخدعة وتفاقمت ديونه، اضطر في عام 2018 للسفر إلى ليبيا، بعد أن دفع 20 ألف جنيه لأحد المهربين، وعمل هناك نحو عام في مجال البناء وكان أمله أن يغادر طرابلس إلى أوروبا، لكن المركب التي استقلّها غرقت قبالة السواحل التونسية.
وأشار مؤمن إلى أن القارب الصغير لم يكن يتسع سوى لخمسين شخصًا، بينما كان على متنه نحو 200، أغلبهم من جنسيات أفريقية. ورغم مطالبتهم للمهرب بتقليل الحمولة، الا انه رفض الانصياع. وفي عرض البحر، تعطّل القارب وغرق، فغرق معه عشرات الأشخاص ونجا القليل .
قارب اليأس
وقال أحمد سعد (23 عامًا) من محافظة كفر الشيخ، إنه حاول الحصول على عمل لإعالة والدته بعد وفاة والده، وعمل في ورشة لتصليح الهواتف مقابل دخل لا يكفي حتى احتياجاته الشخصية مشيرا إلى أن أحد الأصدقاء أقنعه بالسفر إلى ليبيا ومنها إلى إيطاليا عبر البحر، واعتبرها فرصة ودفع كل ما يملك، واقترض الباقي.
وأكد سعد فى تصريحات صحفية أن رحلة العبور إلى ليبيا كانت مرهقة ومليئة بالإهانات، بقينا محتجزين في مزرعة قرب بنغازي لأكثر من شهر ننتظر الدور وفي ليلة الرحلة، كان البحر هائجًا، وقبل الإبحار بدقائق تم القبض علينا من قبل خفر السواحل الليبي، وأعيد ترحيلي إلى مصر، وتم التحقيق معي أمنيًا، ولم أجد بعدها عملاً ولا مالاً ولا أي دعم نفسي.
وأضاف : لم أندم على المحاولة، لكنني أدركت أن بلدي دفعتني لأن أضع حياتي رهانًا على قارب لا يحمل سوى اليأس.
إيطاليا
وقالت نجلاء الصايغ (26 عامًا) من محافظة المنيا ان شقيقها الأصغر محمد، غادر مصر في صيف 2023 مشيرة إلى أنه كان يحلم بالسفر إلى أوروبا منذ سنوات، لكن طموحه اصطدم بجدار البطالة والفقر.
وأضافت نجلاء الصايغ فى تصريحات صحفية : محمد تخرج في كلية التجارة وبحث عن وظيفة دون جدوى، حتى اضطر إلى العمل في مصنع بلاستيك بمرتب زهيد لا يكفيه حتى لدفع إجرة المواصلات لافتة إلى أن أحد أبناء القرية ممن سبقوه في الهجرة، أغراه بفكرة السفر، وباع محمد هاتفه وذهب إلى ليبيا عبر صحراء مطروح، وتواصل معنا لآخر مرة من معسكر احتجاز قرب طرابلس وقال إنه سيدفع 3 آلاف دولار للعبور إلى إيطاليا
وتابعت: مرت الشهور، وانقطعت أخباره، وبعد بحث طويل عبر وسطاء ومنظمات، وصلنا خبر غرق القارب الذي كان يستقله قبالة السواحل الإيطالية. ولم يُعثر على جثته حتى اليوم.
غياب الأمل
حول هذه الكارثة قال الاستشاري بمنصة اللاجئين حليم حنيش : الهجرة غير الرسمية لم تتوقف يومًا، مؤكدًا أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأوضاع السياسية والاقتصادية التي تدفع الكثير من المصريين للبحث عن فرصة خارج البلاد.
وأضاف حنيش فى تصريحات صحفية : البيئة في مصر طاردة للشباب، سواء من الحاصلين على التعليم المتوسط أو حتى الجامعي، ليس فقط من يهاجرون عبر البحر بطرق غير رسمية، بل حتى خريجي كليات مثل الطب والهندسة الذين يتجهون مباشرة بعد التخرج للبحث عن فرص عمل في الخارج.
وشدد على أن الهجرة تعبير عن فقدان الأمل في الداخل، خاصة مع الانهيار المتواصل في الوضع الاقتصادي، مشيرا إلى أن مسار الهجرة، تغيّر منذ عام 2017 فلم تعد المراكب تخرج من السواحل المصرية كما كان يحدث سابقًا، نتيجة عسكرة الحدود ومناطق الصيد وأصبح معظم المصريين الذين يغامرون للوصول إلى أوروبا بحرًا، ينطلقون من ليبيا ، ما يزيد من حجم المخاطر التي يواجهونها، في ظل الأوضاع غير المستقرة هناك.
وأوضح حنيش أنه اذا كانت حكومة الانقلاب تتباهى بأنها نجحت في وقف المراكب من السواحل، لكنها أخفقت تمامًا في منع الأسباب التي تدفع الشباب إلى ركوب البحر. مؤكدا أن، مصر وتونس تتصدران الجنسيات التي تصل إلى أوروبا عن طريق البحر، ما يعني أن المشكلة مستمرة رغم إجراءات العسكر .
وأكد أن حكومة الانقلاب لم تفشل فقط، بل تُصر على التفكير بنفس الطريقة الخاطئة، وتتعامل مع الظاهرة من منطلق أمني بحت: حملات توقيف بحق الصيادين، وفتح قضايا جنائية ضد من يُشتبه في مساعدتهم للمهاجرين، لكن كل هذه التحركات لم تُعالج السبب الجذري، وهو غياب الأمل في الداخل.
وشدد حنيش على إن الحل ليس في منع المراكب، بل في خلق بيئة سياسية واقتصادية تُقنع الشباب بالبقاء، من خلال توفير فرص عمل، وتوعية الناس بمخاطر الهجرة. وأن تُوجَّه الموارد لبناء منظومة تتيح حياة كريمة داخل مصر، معتبرا أن ادعاء حكومة الانقلاب بأنها أوقفت الهجرة، هو خطاب فارغ المضمون، لأن وقف خروج المراكب لا يعني وقف الهجرة فالمصريون ما زالوا يهاجرون، وما زالوا يُستغلون من قبل المهربين، ويواجهون انتهاكات تبدأ من العنف والضرب والتعذيب، ولا تنتهي بالاتجار بالبشر.
انسداد الأفق
وقال -المحامي المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، ياسر سعد إن قضية الهجرة غير النظامية مرتبطة بعدة أسباب متشابكة، معتبرا أن السبب الجوهري هو اتساع رقعة الفقر، وهو نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية تتبناها دولة العسكر أدت إلى تراجع ثقة المواطنين في سوق العمل المحلي.
وأكد سعد فى تصريحات صحفية أن المواطن لم يعد يشعر بوجود حماية في ظل قوانين عمل لا تضمن حقوقه، وتضعه في وضع هش أمام أصحاب الأعمال، دون وجود تنظيمات نقابية قوية تدافع عن مصالحه وتضمن له الحد الأدنى من الأمان الوظيفي.
وأشار إلى أن غياب هذه الحماية يدفع الشباب، إلى البحث عن أي فرصة خارج البلاد، رغم إدراكهم للمخاطر المرتبطة بذلك. هم لا يهربون فقط من ضيق الحال، بل من انسداد الأفق داخل وطنهم،
وتابع سعد : في المقابل، العالم الخارجي لم يعد كما كان فصعود التيارات اليمينية في أوروبا خلقت سياسات هجرة متشددة، وأصبح الطريق إلى الخارج محفوفًا بالشروط التعجيزية، سواء من حيث التكلفة المالية، أو من حيث المؤهلات والشروط التي لا يملكها كثير من المصريين. حتى من يمتلك شهادة جامعية أحيانًا يُواجَه برفض تأشيرته بسبب خلفيته الجغرافية، أو حتى بسبب السياسات التمييزية تجاه مواطني دول بعينها، وعلى رأسها دول منطقتنا.
وكشف أن هناك أزمة أعمق تتعلق بتراجع دولة العسكر عن الاستثمار في الإنسان. موضحا أن الدولة في الماضي، كانت تدعم التعليم الفني والمهن الحرفية عبر إنشاء مدارس ومعاهد تؤهل الشباب وتمنحهم مهارات يحتاجها السوق. أما اليوم، فتم تهميش التعليم الفني إلى حد بعيد، وأصبح يُنظر إليه كأنه أقل شأنًا من التعليم الأكاديمي، لافتًا إلى أن هذه السياسات أدت إلى تآكل المهارات المهنية وأصبح الشاب الذي يسعى للهجرة لا يحمل بين يديه ما يجعله مطلوبًا في الخارج.
وخلص سعد إلى ان الواقع يقول إننا أهدرنا ثروات بشرية كان يمكن أن تكون رافعة اقتصادية حقيقية، واليوم نحصد نتائج هذا الإهمال