أعاد استئناف النيابة العامة المصرية، يوم الاثنين، على حكم براءة رجل الأعمال حسن راتب والبرلماني السابق علاء حسانين من اتهامات غسل أموال بقيمة 129 مليون جنيه، فتح ملف من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً في السنوات الأخيرة، بما تحمله من تشابكات سياسية واقتصادية تتجاوز حدود “التنقيب غير المشروع” إلى شبكة أوسع من المصالح والنفوذ، تمتد من القاهرة إلى العواصم الإقليمية.
لماذا تستأنف النيابة؟ ومن المستفيد؟
رغم أن محكمة الجنايات قضت ببراءة المتهمين في سبتمبر الماضي، فإن النيابة تؤكد أن المحكمة أغفلت تقارير رسمية وتحريات مالية تثبت – وفق رؤية جهة التحقيق – استخدام المتهمين ملايين الجنيهات في شراء عقارات وسيارات واستثمارات بهدف إضفاء مشروعية على أموال ناتجة عن جرائم آثار.
تحرك النيابة يطرح عدة دلالات:
إعادة ضبط مسار القضية بعد حكم أثار جدلاً واسعاً، خاصة أنها فرع مباشر من “قضية الآثار الكبرى” التي طالت شخصيات نافذة.
وجود صراع أجهزة داخل الدولة حول من يتحمّل المسؤولية عن شبكات تهريب الآثار على مدى سنوات، ومن تُغلق أمامه أبواب المساءلة.
رغبة النيابة في حماية صورتها القانونية أمام قضية حملت أرقاماً ضخمة واتهامات عابرة للحكومة والأجهزة والوزارات.
احتمال أن يكون الاستئناف خطوة لإعادة فتح ملفات مرتبطة بشبكات التهريب ذاتها، خاصة تلك التي أدت إلى وصول آلاف القطع الأثرية إلى الخارج.
القضية الكبرى… والقطع التي وصلت إلى اللوفر – أبوظبي
قضية راتب–حسانين ليست سوى “الفرع” من “الشجرة الأصلية”: قضية الاتجار والتنقيب والتهريب التي سبق أن كشفت التحقيقات الدولية أنها أدت إلى خروج آلاف القطع الأثرية المصرية إلى متاحف ودور عرض عالمية، من أبرزها حوالي 35 ألف قطعة وصلت إلى اللوفر – أبوظبي عبر مسارات تهريب معقدة.
رغم أن الاتهامات الرسمية لم تطل مسؤولين مصريين كبار في هذه الملفات، فإن أسئلة مشروعة يطرحها خبراء الآثار والباحثون:
كيف خرجت هذه الكميات الهائلة من مصر خلال سنوات قليلة؟
من سمح بمرور شحنات بهذا الحجم عبر منافذ الدولة؟
هل كانت شبكات التهريب تعمل منفردة، أم ضمن غطاء رسمي غير مباشر؟
ولماذا لم تصل التحقيقات – حتى الآن – إلى “الرؤوس الكبرى” التي تحدث عنها كثير من المطلعين؟
هل هناك ارتباط بين تهريب الآثار وصفقات الدولة المثيرة للجدل؟
يتردد في النقاش العام، خصوصاً داخل الأوساط المعارضة، سؤال صعب:
هل تشبه قضية تهريب الآثار ما حدث في ملف “رأس الحكمة” وغيره من صفقات نقل أصول الدولة؟
لا توجد وثائق أو أدلة قانونية تربط بين الأمرين، ولكن التشابه – في نظر محللين – يكمن في:
غياب الشفافية في ملفات تتعلق بتراث أو أصول وطنية.
توسع السلطة التنفيذية في صفقات كبرى لا تخضع لرقابة حقيقية.
تزايد اعتماد النظام على بيع أو نقل أصول الدولة لتعويض أزماته المالية.
وهذه المقارنات لا تُعدّ اتهاماً مباشراً، لكنها تعكس مزاجاً عاماً من الشك في ظل واقع اقتصادي وسياسي غير مستقر، وتاريخ ممتد من التعتيم على المعلومات.
تحرك النيابة قد يكون:
إجراءً قانونياً عادياً في قضية تحمل أوراقاً ضخمة وأدلة متشعبة،
أو خطوة سياسية لتوجيه رسائل تتعلق بأن الدولة لم تغلق بعد ملف “الآثار الكبرى”،
أو محاولة لإعادة رسم حدود المسؤولية داخل مؤسسات الحكم قبل أن يمتد الملف إلى أسماء أعلى.
في كل الأحوال، تبدو القضية أكبر من مجرد “تنقيب غير قانوني”، بل شبكة مصالح تمتد لسنوات، وتكشف جانباً من هشاشة ضبط الدولة لواحد من أهم عناصر قوتها الناعمة: الآثار المصرية.
