في تطور خطير يعكس اتساع دائرة القمع في مصر، أدانت منظمات حقوقية محلية ودولية إحالة نساء وأطفال إلى المحاكمة في قضايا ذات طابع سياسي، معتبرة ذلك انتهاكًا جسيمًا للدستور المصري والمواثيق الدولية، ومؤشرًا على انتقال سياسة العقاب من الأفراد إلى العائلات بكاملها.
وقائع الإحالة: قضايا أمن دولة بمتهمين من القُصّر والنساء
بحسب رصد حقوقي، قررت نيابة أمن الدولة العليا إحالة عدد من القضايا خلال الأشهر الماضية إلى المحاكمة، شملت عشرات المتهمين، من بينهم نساء وأطفال، في قضايا حملت أرقامًا متتابعة ضمن حصر أمن الدولة.
وتضمنت هذه القضايا إدراج أطفال دون 18 عامًا ضمن قوائم المتهمين، مع توجيه اتهامات نمطية من قبيل الانضمام إلى جماعة محظورة، والتمويل، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. واستمرار حبس المتهمين احتياطيًا، بمن فيهم القُصّر، لفترات مطوّلة دون تحديد جلسات محاكمة قريبة.
حقوقيون أكدوا أن الاتهامات الموجهة للنساء والأطفال لا تستند إلى أفعال مادية مباشرة، بل ترتبط في كثير من الحالات بصلات قرابة لمعتقلين سياسيين، أو بتعبير سلمي عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
النساء في مرمى الاستهداف: من التعبير إلى الاتهام
تشير تقارير حقوقية إلى تصاعد ملحوظ في استهداف زوجات وأمهات المعتقلين، على خلفية منشورات تطالب بالإفراج عن ذويهن وانتقادات للأوضاع المعيشية أو حتى عبارات دينية مثل: «حسبنا الله ونعم الوكيل».
وقد وثّقت منظمات حقوقية حالات اقتحام منازل واعتقال سيدات دون أوامر قضائية واضحة، ثم احتجازهن لفترات قبل العرض على النيابة، وإيداع بعضهن سجونًا حديثة الإنشاء تُعرف باسم “مراكز التأهيل”، في ظروف وصفت بأنها قاسية ومهينة.
الأطفال أمام المحاكم: انتهاك فجّ للمصلحة الفضلى للطفل
يعدّ إدراج الأطفال في هذه القضايا من أخطر ما رُصد مؤخرًا، إذ تؤكد المنظمات الحقوقية أن الحبس الاحتياطي للأطفال يُفترض أن يكون إجراءً استثنائيًا للغاية.
والقانون المصري واتفاقية حقوق الطفل، التي صادقت عليها القاهرة، يحظران محاكمة القُصّر أمام دوائر استثنائية أو معاملتهم معاملة البالغين. ومع ذلك، جرى التعامل مع الأطفال كـ“متهمين سياسيين”، في تجاهل تام لمبدأ المصلحة الفضلى للطفل، وما يترتب على ذلك من أضرار نفسية واجتماعية طويلة الأمد.
قراءة سياسية: نظام أمني يعاقب العائلات
يرى مراقبون أن هذه الإحالات لا يمكن فصلها عن طبيعة النظام القائم منذ انقلاب 2013، حيث تحوّلت الدولة إلى كيان أمني تُدار فيه السياسة بالقبضة الحديدية، وتُستخدم فيه القضايا الجنائية كأداة لإسكات أي صوت معارض.
ويذهب حقوقيون إلى أن استهداف النساء والأطفال بات وسيلة ضغط غير مباشرة على المعتقلين السياسيين، بعد فشل سنوات من القمع في انتزاع اعترافات أو كسر إرادة الخصوم.
وفي مقارنة أخلاقية لافتة، يستحضر مراقبون موقفًا تاريخيًا شهيرًا يعود إلى ليلة هجرة النبي محمد ﷺ، حين امتنع أبو جهل ــ رغم عداوته ــ عن اقتحام بيته قائلًا: «نكره أن نروّع بنات محمد».
مقارنة تُبرز الفجوة الأخلاقية الهائلة بين هذا الموقف، وما تشهده مصر اليوم من كسر للأبواب، وترويع للنساء، وجرّ الأطفال إلى المحاكم.
تحذيرات قانونية وحقوقية
حذّرت المنظمات الحقوقية من أن استمرار هذا النهج يقوّض ما تبقى من استقلال القضاء ويرسّخ مبدأ العقاب الجماعي ويهدد السلم المجتمعي، في ظل أزمات اقتصادية خانقة وغضب اجتماعي متصاعد.
كما دعت إلى الإفراج الفوري عن الأطفال ووقف محاكمة المدنيين أمام دوائر استثنائية واحترام الحق في التعبير السلمي والالتزام الجاد بالدستور المصري والمعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
خاتمة
في دولة تخشى منشورًا، وتعتبر دعاء امرأة تهديدًا للأمن القومي، لا تبدو الأزمة قانونية فحسب، بل أخلاقية بالدرجة الأولى. فالسؤال الذي تطرحه هذه الوقائع لم يعد: أين القانون؟ بل: أين النخوة؟ وأي مستقبل لبلد تُدار فيه العدالة بمنطق الانتقام؟
