كتب- رانيا قناوي:
ما بين وزير يتهم معلميه بأنهم "حرامية" ونظام يتهم التجار بـ"الجشع" يقف المواطن البسيك حائرا في ظل منظومة التعليم التي لا يكترث بها قائد الانقلاب، ويعتبرها غير مجدية في حل أزمات الوطن، حتى إنه وُضع شعارًا للتعليم في دولته؛ حيث قال عبد الفتاح السيسي عبارته المشهورة: "يعمل إيه التعليم في ون ضايع"، ليكشف السيسي بتصريحاته عن نظرته الحقيقية للدولة، ومستقبلها، ويؤكد أنه مجرد تاجر جباية.
تبدأ الأسرة المصرية بمواجهة أول يوم دراسة اعتبارًا من غد الأحد، للجامعات، وتبدأ معها مشكلة ارتفاع أسعار الكتب الدراسية والمصروفات، وارتفاع أسعار الملبس والمأكل والمواصلات، ومع هذا الألم في مواجهة هذه المشكلة، يواجه المصريون مشكلة أكثر صعوبة، حينما يواجهون أنفسهم بالفائدة التي ستعم عليهم من خلال تحمل الألم في تعليم أبنائهم، مع وجود نظام يرى أن التعليم ليس له أي ضرورة في بناء الوطن، وبالتالي، فمستقبل أبناء هذا الوطن هو الجلوس في البيوت مع التخرج من الجامعات، لأن النظام الذي يحكمهم لا يعترف بتعليمهم، ولا يجد منه فائدة.
ارتفاع الأسعار
يجلس المواطن الغلبان اليوم السبت، لحسب تكاليف ذهاب وإياب ابنه أو ابنته للجامعة، فيجد أن من كان يأخذ مصروفًا يوميًا في حدود عشرين جنيهًا من أجل المواصلات وشراء وجبة إفطار، سيكون أمام كارثة حال استمرت هذه العشرين جنيها مرة أخرى هذا العام، في ظل ارتفاع المواصلات لأكثر من الضعف، بعد أن تزايدت أسعار تذكرة المترو هذا العام من جنيه إلى جنيهين، وتذكرة الأتوبيس من جنيه إلى جنه ونصف ومن جنيهين إلى جنيهين ونصف، وأسعار الميكروباص من جنيهين إلى أربعة جنيهات؛ ليجد الموظف الغلبان أو العامل بالأجرة الذي ربما لا يزيد مرتبه عن ألفين جنيه، في دحود المتوسط، مطالب بأن يعطي ابنه في الجامعة مصروفًا لا يقل عن أربعين جنيهًا يوميًا، بمعدل 1000 جنيه شهريًا للمواصلات ووجبة إفطار فقط دون الحديث عن ثمن الكتب الدراسية أو الملابس، أو الدروس الخصوصية، أو الملازم، وما خفي كان أعظم.
وبحسبة بسيطة، فإن الموظف الذي لديه طالبان أو ثلاثة في الجامعة أو المدرسة، سيحتاج لأكثر من 3 آلاف جنيه، لأبنائه في الدراسة فقط، وتزداد المصيبة كلما كان هناك أبناء في الشهادات، سواء كان في الإعدادية أو الثانوية العغامة أو السنة الأخيرة من الشهادة الجامعية، وذلك لأنه سيضطر لإعطاء الطالب الجامعي الذي يذهب على سبيل المثال لجامعة القاهرة، ويركب مواصلات في حدود 15 جنيهًَا، ومع ارتفاع ساندوتش الفول لجنيهين سيضطر لشراء ثلاثة ساندوتشات لبثمن 6 جنيهات، وإذا قام بشراء أية مشروبات بسعر خمس جنيهات سيحتاج إذا لثلاثين جنيهًا من اجل المواصلات والإفطار، بما يعني أن ثلاثة أبناء سيحتاجون لتسعين جنيها يوميا، بما يقدر بثلاثة ىلأاف جنيه شهريا.
والكارثة تحل بشكل أكبر كلما كان عدد التلاميذ أكثر، أو كان رب الأسرة رجل مسن وعلى المعاش، وهو ما يشكل نسبة كبيرة من الأسر المصرية، حيث يعد أغلب طلاب الجامعات من أبناء أصحاب المعاشات، الذين لا يجدون قوت يومهم.
المصريون في رحلة البحث عن الأرخص
وكشف تقرير صحفي على صحيفة "هافينجتون بوست" الأمريكية في نسختها العربية، اليومين الماضيين، أن المصريين الذين يبحثون عن السعر الأرخص بالنسبة إليهم من تجار ومكتبات الجملة، يواجهون حاليا كارثة غير مسبوقة مع ارتفاع أسعار الأدوات المكتبية ومستلزمات الدراسة والملابس.
وقال أحمد أبو جبل، رئيس شعبة الأدوات المكتبية باتحاد الغرف التجارية، إن ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية إلى ارتفاع سعر الدولار وتعويم الجنيه وضريبة القيمة المضافة، موضحا خلال لقاء تلفزيوني معه، نسبة ارتفاع الأسعار هذا بنحو 60% مقارنة بأسعار العام الماضي، خاصة وأن أغلب الأدوات المدرسية مستوردة من الخارج، وهي السبب وراء ارتفاع أسعار.
وتقول شيرين محمد: "الكراسة التي كانت بنحو 2.5 جنيه العام الماضي تباع اليوم بـ4 جنيهات! وشراء بعض الكراسات والأوراق لابنتي 7 سنوات و5 سنوات كلفني 600 جنيه!".
ومنذ قرار تعويم الجنيه في نوفمبر الماضي، تعاني مصر موجة تضخمية عالية، حيث وصل معدل التضخم لمستويات قياسية لم يشهدها منذ منتصف الثمانينيات. وبلغ معدل التضخم السنوي لشهر يوليو الماضي 34.2% مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي، وهو رقم لم تشهده مصر منذ عام 1986، وفقاً لإحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وزير تعليم الحرامية
وفي وسط انهيار الحالة المعيشية للغلابة، لم يكتف نظام الانقلاب بتدمير الدراسة، والتعليم في مصر، بل اتهم وزير التعليم المعلمين والمدرسين بأنهم مجموعة من "الحرامية".
وسادت حالة من الغضب فى أوساط المعلمين بسبب التصريحات المنسوبة لطارق شوقى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، التى وصف فيها "نصف الوزارة" بأنها "حرامية" والنصف الآخر "حرامية وغير كفء"، ما أدى إلى حدوث غضب عارم بين المعلمين، مستنكرين أن تخرج مثل هذه التصريحات عن الوزير.
وقال عبدالناصر إسماعيل، رئيس اتحاد المعلمين المصريين: إن تصريحات وزير التعليم مهينة وتسببت بضرر بالغ مادى ونفسى للمعلمين وأسرهم، وإذا كان رأى وزير التربية والتعليم فى العاملين فى وزارته أنهم حرامية، فلماذا يقبل أن يكون وزيراً للحرامية؟ ولماذا لا يستقيل؟.
وأضاف عبدالناصر في تصريحات صحفية: "هل نسى الوزير القادم من الجامعة الأمريكية أن مرتبات المعلمين هى من أقل مرتبات المعلمين على مستوى العالم، وأنهم يعملون فى ظروف عمل لا يتحملها بشر، سواء من أبنية مدرسية متهالكة وميزانيات المدارس تعانى الإفلاس وكثافات يستحيل معها أى عملية تعليمية؟".
واعتبر رئيس "اتحاد المعلمين" أن "الوزير يتعامل مع التعليم بعقلية رجل البيزنس، فالتعليم لديه مشروع تجارى وصناعة لا بد أن تدرّ ربحًا"، مشيرًا إلى أن "الوزير لم يفعل أى شىء سوى زيادة أسعار الالتحاق بالمدارس، وبدلاً من أن يقوم بتعظيم الإمكانيات الذاتية للوزارة أو المطالبة بالإنفاق وفقًا للدستور ها هو يسبّ المعلمين".

من جانبها، أصدرت نقابة المعلمين المستقلة بياناً للرد على الوزير، جاء فيه نصاً: "إن الإقالة وليس الاعتذار هى أقل شىء لمن يسبّ كل معلمى مصر والعاملين فى التعليم، والقضاء سيأتى لنا بحقنا فى جريمة السب والقذف، ونحن نثق فى القضاء المصرى، وتهليل المطبلاتية وكدّابين الزفة للوزير جعله يعتقد أنه على الطريق الصحيح، بينما هو على حافة الهاوية".
وتابعت النقابة المستقلة فى بيانها: "يسعى كل البشر فى أرجاء الأرض لزيادة رواتبهم، وهذا الأمر ليس سبّة أو جريمة أن ينحو المعلم المصرى هذا النحو، وبخاصة أنه لا يتقاضى سوى واحد على عشرة من راتبه المستحق، علماً أن هذا الواحد من عشرة لا يكفيه وأسرته لخمسة أيام فى الشهر"، مشيرة إلى أن الرد على التصريحات سيكون من خلال القضاء.ش