في تمام الساعة الثانية عشرة والربع بتوقيت «قطر» من صباح الأربعاء 24 مايو، ظهر على موقع وكالة الأنباء القطرية تصريحات منسوبة لأمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني» في حفل تخريج الدفعة الثامنة من مجندي الخدمة الوطنية، يتحدث فيها بإيجابية عن حماس والإخوان المسلمين وإيران وينتقد اتهام بلاده بدعم الإرهاب، لكن التصريحات اختفت وتوقف الموقع عن العمل في خلال دقائق، لكن أمرًا كبيرًا بدأ بالظهور.
ظهرت حسابات سعودية وإماراتية على تويتر تتداول خبرًا مفاده حجب قناة «الجزيرة» وموقعها في الإمارات. بموازاة ذلك بدأت حسابات النوافذ الإعلامية للبلدين نشر التصريحات بكثافة، وتصدّر الحملة حسابا موقعي «العربية» و«سكاي نيوز». دقائق وبدأت موجة كثيفة من الانتقادات للتصريحات من حسابات النشطاء الإماراتيين، سرعان ما انتقلت إلى الفضائيات وفي وجود ضيوف جاهزين للرد عليها ومهاجمتها.
نفت قطر بكل وسيلة مكتوبة ومرئية صحة التصريحات، وقالت إن موقعها تعرض للاختراق، لكن الحملة ازدادت شدة في الانتقاد ولم تأت على ذكر النفي ولو في سياق الخبر.
أيهما أقوى.. دعوى الاختراق أم صحة التصريحات؟
صدرت تقارير من عدة مواقع تثبت صحة دعوى الاختراق وأن حملة الانتقاد اللاذعة منظمة ومعدة مسبقًا، أبرزها ما نشره موقع «هافينغتون بوست عربي»، وكذلك «نون بوست»، لكنا نتوقف عند جملة من الأحداث المثيرة للاستغراب:
أولاً: نُشر التصريح في الموقع في تمام 12:15 صباحًا، وبعد دقيقتين فقط نشرت أول تغريدة في الحملة، فهل هذه المدة بعد منتصف الليل كافية للتحقق والتحليل وإصدار قرار الحجب وتنفيذه؟
ثانيًا: إذا افترضنا صحة التصريح، فلماذا تقوم الجهة المضادة بفبركة شريط أخبار يحتوي على التصريح ونسبته للتلفزيون القطري الرسمي؟
ثالثًا: قبل يوم من الواقعة، أعلنت «سكاي نيوز عربية» عن بث فيلم وثائقي بعنوان «الذئاب المنفردة» يعرض للمرة الأولى بعد ساعات من الواقعة. الفيلم موجه ضد قطر ويربط بصورة غير منطقية بين الدكتور «يوسف القرضاوي» وعمليات داعش الإرهابية وتجتزئ من كلامه ما يخدم السياق، رغم أن كل التنظيمات الجهادية يكفرونه ويستحلون دمه، ويخلط الفيلم أيضًا بين أفكار الجماعات الإسلامية مثل «الإخوان المسلمين» و«داعش»، في إشارة لمسؤولية من تستضيفهم «قطر» عن العمليات الإرهابية في الغرب، فإذا افترضنا أن «سكاي نيوز» استطاعت توفير ضيوف مصريين في خلال دقائق بعد منتصف الليل، فما تفسير الإعداد المسبق للفيلم الوثائقي؟
رابعًا: لليوم الثاني على التوالي، يذيع الإعلام الإماراتي والسعودي الخبر ويكرره بصيغة «قال أمير قطر ..» متجاهلين تمامًا النفي ولو كإضافة خبرية، لدرجة أن المكتفي بمشاهدة سكاي نيوز، قد لا يعلم أن نفيًا قد حصل ولو كان ادعاءً كاذبًا.
خامسا: بتتبع التغريدات والتقصي، تبين أن أول تغريدة تنشر خبر حظر موقع وقناة الجزيرة في الإمارات سبق خبر وكالة الأنباء القطرية بأكثر من ساعة، وبمراجعة أرشيف الحسابات والقنوات والمواقع المشاركة في الحملة، تستطيع أن تستنتج بسهولة أن هذا المستوى من التناغم والسرعة لا يأتي إلا من غرفة عمليات مشتركة.
إذا صحت التصريحات.. هل تستدعي ردة فعل بهذا الحجم؟
أولاً: عمان دولة خليجية، لم تقل «أؤيد الحوار مع إيران» وحسب، وإنما عزلت نفسها عن «مجلس التعاون الخليجي» تمامًا ومثّلت الحوثيين في حوارتهم مع التحالف العربي، بل ونقلت رويترز أنها تنقل للحوثيين السلاح الإيراني، ولم تُقابل بردة فعل كهذه.
ثانيًا: «عادل الجبير»، وزير الخارجية السعودي سبق أن صرّح بنفسه بمثل هذه التصريحات وأكثر، ولم يحذف التغريدات ولم يُعزل من منصبه إلى الآن.
ثالثًا: التصريحات التي أدلى بها «تميم» إن صحت، ليس بها ما يخالف قناعة قطر وسلوكها، وبالرجوع لأي خطاب له في أي محفل دولي كالأمم المتحدة، يلاحظ أنه يتكلم بهذا الاتزان بين إيران والأميركيين، فلماذا تذكرت الإمارات والسعودية ذلك فجأة؟
كيف مالت الكفة لمحمد بن زايد؟
تسير السياسة الخارجية للإمارات على الدوام في الاتجاه المقابل لقطر، أما السعودية فشهدت سياساتها تجاه قطر تقلبات حادة بتقلب صناع القرار في رأس السلطة، وعلى الهامش تأتي دولة البحرين التي تتشبث عادة بذيل القرار السعودي.
ظهرت الخلافات للعلن لأول مرة بعد دعم قطر لثورات الربيع العربي وظلت في معظمها في النطاق الإعلامي، وازدادت حدته بانتكاسة الربيع والدعم السياسي والعسكري المباشر للسعودية والإمارات للثورات المضادة، وبالأخص في مصر وليبيا واليمن، وبلغ ذروته في مارس 2014 حين سحبت الإمارات والسعودية (والبحرين) سفرائهم من قطر، ليستمر التصعيد الإعلامي والحصار الاقتصادي ضد قطر التي اضطرت لتقديم تنازلات حادة في الخطاب الإعلامي، لكنها لم تكن كافية للأطراف الأخرى، إلى أن حدثت نقطة التحول في 23 يناير 2015 بوفاة الملك «عبد الله بن عبد العزيز»، ومجيء الملك «سلمان بن عبدالعزيز».
غير الملك سلمان الطاقم الإداري بالكامل، ومعه تغيرت السياسة الخارجية بين حاد في اليمن تمثل في محاربة الحوثيين بعد أن حالفهم الملك الراحل، وكذلك تركيا حيث تحول الموقف من عداء إلى تحالف استراتيجي، وتغير طفيف في ليبيا بحياد شبه سلبي، وفي مصر أيضًا بتقليص الدعم الاقتصادي -المطلق وغير المشروط- للنظام القائم.
هآرتس الإسرائيلية: تغييرات الملك سلمان تطيح باللوبي الإماراتي في السعودية |