كتب: حازم الأشموني
مع تواصل فعاليات مؤتمر الشباب العالمي بمدينة شرم الشيخ، الذي بدأ يوم السبت الماضي، وافتتحه رسميًا زعيم الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي يوم الأحد 5 نوفمبر 2017م، والتي تستمر 6 أيام كاملة على نفقة المواطن المصري الفقير، فإن عددًا من الخبراء والمراقبين انتقدوا إقامة المنتدى؛ مؤكدين أنه لا يعدو كونه "مكلمة" تستهدف تضليل الرأي العام الخارجي، برسم صورة وردية عن الأوضاع في مصر على غير الحقيقة.
ويتهم بعض الخبراء الأجهزة الأمنية بأنها تواجه العالم بوجهين، وجه للخارج يتسم بالحوار والاحترام والترف والغنى واحترام الإنسان والتعددية السياسية وحرية الصحافة والإعلام، ووجه للداخل يقوم على العين الحمراء، وسوط الجلاد والقمع والسجون ومحاصرة الأحزاب وخنق منظمات المجتمع المدني، وحجب المواقع الإخبارية وكراهية الحوار ولغة المسكنة والفقر "أجيب منين"، والتنكر لفكرة حقوق الإنسان من جذورها».
وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن هناك 4 مشاهد تنسف حملات التضليل التي تشنها كتائب السيسي الإعلامية لخداع الرأي العام العالمي.
انتقاد 5 دول أوروبية انتهاك حقوق الإنسان
أول المشاهد التي تزامنت مع انعقاد المنتدى، هو البيان المشترك الذي أصدرته 5 دول أوروبية، هي بريطانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا وكندا؛ يوم السبت الماضي 4 نوفمبر، وهو يوم بدء فعاليات منتدى شرم الشيخ، والذي يدين انتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة بحق الشعب المصري.
وطالب البيان بالإفراج عن محامي حقوق الإنسان إبراهيم متولي حجازي. وعبَّرت تلك الحكومات عن قلقها الشديد جراء الاستمرار في اعتقال محامي حقوق الإنسان إبراهيم متولي حجازي، الذي جرى اعتقاله بمطار القاهرة، في 10 سبتمبر الماضي، بينما كان في طريقه للمشاركة في لقاء فريق الأمم المتحدة المكلف بالاختفاء القسري وغير الطوعي.
البيان مثّل صفعة لحكومة العسكر ونظام 30 يونيو الدموي، كما فضح تواصل الانتهاكات رغم مساحيق التجميل، وأصاب جنرالات العسكر وأركان الحكومة بصدمة، تمثلت في رد متوتر من جانب وزارة الخارجية بحكومة الانقلاب، رفضت فيه بيان الدول الخمس، واعتبرته وصاية وتدخلا في الشئون الداخلية!.
استشهاد الناشط النوبي جمال سرور
وثاني المشاهد التي تنسف حملات التدليس والتضليل، هو استشهاد الناشط النوبي جمال سرور، أحد المعتقلين من نشطاء النوبة المتهمين بالمشاركة في مسيرة الدفوف النوبية الشهيرة، ثالث أيام عيد الأضحى الماضي، والذي توفي داخل محبسه بمنطقة الشلال جنوب أسوان؛ بسبب الإهمال الطبي المتعمد ومنع الأدوية الضرورية عنه.
استشهاد سرور تزامن أيضًا مع بدء فعاليات منتدى شرم الشيخ يوم السبت 4 نوفمبر، وعقب استشهاده أعلنت مديرية أمن أسوان حالة الطوارئ القصوى، وسط تهديدات من جانب نشطاء النوبة بالتصعيد ردًا على مقتل سرور.
وجمال سرور هو رئيس اتحاد النوبيين في فرنسا، ويحمل الجنسيتين المصرية والفرنسية، وشارك في مسيرة الدفوف النوبية الشهيرة.
قمع شباب مصر
أما ثالث المشاهد التي تنسف حملات الكذب والبهتان، فيتعلق بهرولة زعيم الانقلاب نحو التواصل مع شباب العالم الخارجي، في ظل قمع دموي غير مسبوق لشباب مصر، حيث قتل الجنرال في انقلابه آلاف الشباب، واعتقل وانتهك حقوق مئات الآلاف منهم، كما شرد عشرات الآلاف الآخرين.
يقول الكاتب الصحفي جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة المصريون المحجوبة: «الحقيقة أنه حتى الآن لم يعط أحد جوابا شافيا لسبب انعقاد هذا المؤتمر الضخم والمكلف ماليا وأمنيا على بلد يعاني مثل مصر».
ويضيف سلطان أن السيسي تحدث للإعلام الأمريكي عن هذا المؤتمر، وبرر الدعوة إليه بقوله: (إن المنتدى يُعد فرصة متميزة لمد جسور الحوار والتواصل بين الشباب من كافة أنحاء العالم)، ويرى سلطان أن هذا التبرير يمكن أن يمثل إحراجا للسيسي؛ لأنك إذا كنت تعمل في أولوياتك على صناعة جسور التواصل بين شباب العالم، فإن البديهي أن الأكثر أولوية أن تصنع جسور التواصل مع شباب وطنك وبلدك، والذي يرى العالم كله أنها جسور مقطعة وملتهبة وشديدة التوتر.
ويتابع: «ما معنى أن يهتم السيسي بالحوار مع شباب العالم كله إلا بلده، ولا يغني عن ذلك اصطناع الأجهزة لعدة لقاءات مع شباب مختارين بعناية لصناعة صورة مزيفة عن حوار شباب مصر والتقاط الصور، فالعالم كله يعرف الآن أن آلاف الشباب في مصر داخل السجون على خلفية أسباب سياسية، وأن كثيرا من نشطاء ثورة يناير هم في السجون الآن، وأن هناك نشطاء ومعارضين يموتون داخل السجون أو أقسام الشرطة وهم رهن الاحتجاز».
بعزقة هنا وتقتير هناك
أما رابع المشاهد، فإن هذه الاحتفالية الكبيرة في شرم الشيخ جارحة لمشاعر ملايين المصريين، الذين يعانون الفقر والمذلة من أجل توفير قوت أولادهم أو الحصول على خدمة أساسية لهم كبشر، قبل أن يكونوا مواطنين، مثل رعاية صحية لائقة أو تعليم جيد لأولادهم، فبينما يعترف السيسي نفسه أمام العالم بأننا لا نملك تعليما جيدا ولا صحة جيدة ولا فرص عمل ويبرر ذلك بضيق ذات اليد، نجده ينفق مئات الملايين على احتفالية مثل هذه، يرتع فيها شباب وشخصيات من أنحاء العالم في الخير المنتزع من قوت الفقراء، ويعيشون أياما وليالي من ليالي ألف ليلة وليلة في شرم الشيخ، أكل ومرعى ـ كما يقول العامة ـ وسهرات غنائية باذخة ورحلات سياحية مجانية، وإقامات فاخرة مجانية في أفخم الفنادق، وحراسات ضخمة من آلاف الضباط والجنود، وسط تطبيل إعلامي يحترف صناعة الفرعون وتبرير فشله وجرائمه!.