بعد 39 عامًا.. لماذا ظلت وثائق كامب ديفيد سرية؟

- ‎فيتقارير

كتب- سيد توكل:

 

تعتبر معاهدة السلام بين مصر وكيان العدو الصهيوني التي وقعت عام 1979 في مثل هذا اليوم، أول خرْق للموقف العربي الرافض للتعامل مع كيان العدو الصهيوني، والتي تعهد بموجبها الطرفان الموقعان بإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات ودية بينهما تمهيدا لتسوية، كما انسحبت كيان العدو الصهيوني من سيناء التي احتلتها عام 1967. 

 

لكن السؤال المهم الآن بخصوص ما يجري في سيناء من قتل وتهجير ونشر للرعب عبر جماعات غامضة مسلحة وعمليات ترويع ومجازر يقوم بها الجيش وميلشيات الصحوات القبلية كشفت عنها قناة مكملين مؤخراً، السؤال هو: بعد 39 عاماً..لماذا ظلت وثائق كامب ديفيد سرية؟

 

الإجابة كشفتها الباحثة المصرية "فاتن عوض" صاحبة أول رسالة ماجستير حول إتفاقية كامب ديفيد، أن الإتفاقية كان لها العديد من البنود السرية مشيرةً إلى أن السادات ومناحم بيجين وكارتر وقعوا على بنود سرية أثناء مباحثات كامب ديفيد، حيت التزم السادات بموجب الاتفاقية الأولى التى وقعها مع بيجين بعدم اشتراك مصر فى أى حرب يمكن أن تنشب بين كيان العدو ودولة عربية أو أكثر، بجانب التزام السادات بمساعدة كيان العدو فى الكشف عن قواعد المقاومة الفلسطينية، وتبادل المعلومات الأمنية بين المخابرات المصرية والصهيونية!.

 

واتفق الجانبان كذلك على تبادل وجهات النظر السياسية والعسكرية، ومتابعة المفاوضات حول قيام تعاون عسكرى، أما الاتفاقية الثانية فقد وقعت بين الرئيسين السادات وكارتر وتنص على إرسال خمسة آلاف فنى ومستشار عسكرى, أمريكى إلى مصر للعمل بقواتها المسلحة، كما التزمت واشنطن بحماية حكم السادات، ووفقا للاتفاقية الثالثة الموقعة بين أمريكا وكيان العدو الصهيوني اتفق الطرفان «مصر وإسرائيل» على متابعة المباحثات لتوقيع معاهدة دفاع مشترك.

 

وأكدت الباحثة أن مصر لا تستطيع إلغاء كامب ديفيد وخرق معاهدة السلام وإلا تدخلت الولايات المتحدة لمنعها، كضامنة للمعاهدة وأمن كيان العدو، الاتفاقية حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها أو إلغاؤها خاصة فى ظل الظروف التى تشهدها مصر الآن والتى لا تبشر بالتفاؤل حتى بشأن إمكانية التعديل.

 

أهم بنود الاتفاقية السرية

 

فيما أكد الباحث السياسي والمتخصص في الشأن العربي الدكتور محمد سيف الدولة إن معاهدة “كامب ديفيد” هى السبب الرئيسى وراء معظم الأزمات التى تعاني منها مصر.

 

وتبدأ الاتفاقية السرية الأولى بمستند حصر لبيانات الاتفاقية، ويتضح أن الوثائق المرفقة عددها 31 وثيقة مع اعتبار أن صفحات الاتفاقية تم التعامل معها على أنها وثيقة واحدة، فالصفحات كلها تحمل شعار «البيت الأبيض» يليها عنوان رئيسى «اتفاقية بين مصر وكيان العدو الصهيوني".

 

ثم يأتى أهم بنود ما سجلته تلك الاتفاقية السرية بين السادات وإسحاق رابين تحت إشراف الرئيس الأمريكى«جيرالد فورد»، ونجدها بدأت فى بندها الأول كما الاتفاقيات الدولية الرسمية، وفيها «اتفقت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة كيان العدو الصهيوني على إنهاء الصراع الدائر بينهما فى الشرق الأوسط، وتعهدنا على أن نحل معا كل الأمور بعيدا عن الحلول العسكرية بالطرق السلمية.

 

وتبنت الدولتان قرار هيئة الأمم المتحدة رقم 338، وهنا نشير إلى القرار 338 الذى أصدره مجلس الأمن بتاريخ 22 أكتوبر 1973 الذى دعا فى فقرته الثالثة إلى أن تبدأ مصر وكيان العدو الصهيوني فورا وقف إطلاق النيران وإطلاق مفاوضات تحت الإشراف الدولى الملائم لإقامة سلام عادل وشامل بينهما فى الشرق الأوسط مع التمسك بالقرار 242 الصادر من مجلس الأمن فى 22 نوفمبر 1967، والذى يقضى بضرورة انسحاب الكيان العدو الصهيوني من أراضٍ احتلها كيان العدو بعد يوم 5 يونيه 1967 والعودة لحدود ما قبل الحرب.

 

تقسيم سيناء ومحطات إنذار مبكر

 

وأما البند الثانى من الاتفاقية فيؤكد معنى ضرورة إحلال السلام «تعهد الطرفان بعدم اللجوء إلى التهديد بالقوة العسكرية لحل أية مشاكل بينهما، بعدها تسجل الاتفاقية عددا من البنود الملزمة للطرفين تبدو كمسودة أصلية لما وجد بعد ذلك فى معاهدة السلام النهائية فى 26 مارس 1979، ونكتشف أن مسألة تحديد عدد القوات المصرية وقوات الشرطة وشروط التسليح الخاص بكل منها فى سيناء، حيث بدأت فى الاتفاقيات السرية تقسيم أراضى سيناء لمناطق (أ)،(ب)،(ج)،(د) وهو نفس التقسيم الجغرافى النهائى بين مصر وكيان العدو الصهيوني بخصوص الحدود وسيناء، مع ملاحظة أن هناك خريطة حجبت عن النشر بين الأوراق بلا بيانات وتحمل الترقيم «س»، ثم توجد تفاصيل سرية للغاية عن بدء تشغيل محطتى إنذار مبكر أمريكية وافق عليها السادات فى سيناء تفاصيل عن تشغيل تلك المحطات؛ حيث حددت الاتفاقية الطاقم الأمريكى بكل محطة بما لايزيد على 200 فرد فنى أمريكى مع تسليحهم بسلاح خفيف «مسدسات» للحماية الشخصية، على أن تمتنع الولايات المتحدة عن تخزين السلاح فى المحطتين وفقا للاتفاقية.

 

لماذا حجبت خرائط الإنذار المبكر؟

 

ثم نتعرف على أحد أسباب حجب الخريطة «س»، حيث احتوت على إحداثيات محطتى الإنذار المبكر الأمريكيتين اللتين كانت فى مكان ما قريب من قناة السويس لإنذار كيان العدو الصهيوني فى حالة هجوم مصر عليها، ومنحها الوقت اللازم للرد والاستعداد. ولسرية عمل المحطات نجد بالمستندات عدد 5 وثائق أخرى حجبت عن النشر وسودت صفحاتها مع وجود ترقيم "d،e،f" على ثلاث منها وترقيم «1- 2» على المستندين الأخيرين.

 

السادات يطلب من كيسنجر التوسط لدى الجمسي!

 

ومن ناحية أخرى، فإن مستندات هنرى كيسنجر وزير الخارجية آنذاك وكانت تبجل المشير الجمسى وتكشف أن الإدارة الأمريكية صنفته ضمن أبرع 50 قائدا عسكريا، وقد كتب كيسنجر فى إحدى الأوراق السرية مذكرة تعتبر بين المستندات شهادة للتاريخ عن الجمسى سجل فيها الآتى: «لقد شاهدت بطلا مصريا عظيما تدمع عيناه خلال التوقيع على فض الاشتباك مع كيان العدو الصهيوني، وكنت أعتقد أنه لا يوجد فى مصر سوى السادات، وقد كان الجمسى من أشرس القادة الذين حاربوا ضد كيان العدو الصهيوني وأقلقوها فى مفاوضات فض الاشتباك الأول»، واستطرد كيسنجر قائلا: اتصل السادات بى أطلعنى بأنه محرج بشدة من الجمسى، وقال: أبلغ الجمسى موافقتى السياسية على سحب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف مقاتل مصرى من الضفة الشرقية للقناة لأن كيان العدو الصهيوني مصرة على ذلك، وأريد أن تنجح الاتفاقية».

 

الجمسي يرفض وتتم إقالته

 

فما كان من الجمسى إلا أن رفض كلامى وسارع ليتأكد من السادات عبر الهاتف، وكان فى صدمة عنيفة، فأدار وجهه حزنا على أرواح رجاله؛ لأنه كان يرى أن المفاوضات بهذه الشروط أضاعت مجهود ودماء حرب أكتوبر.

 

وقد أقال السادات المشير الجمسى فى يوم 6 أكتوبر 1978 بعد أسابيع قليلة من توقيع السادات على اتفاقية كامب ديفيد فى 17 سبتمبر

1978، وكان السبب الرئيسى الذى تكشفه المستندات الأمريكية بوضوح أن الجمسى رفض الاتفاقية وأصبح يشكل تهديدا سياسيا حقيقيا على الرئيس السادات، مما دعاه إلى إحالته للتقاعد فى ذكرى حرب أكتوبر الخامسة.