كتب: أسامة حمدان
"بسم الله الرحمن الرحيم.. أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد.. قرر الرئيس محمد حسني مبارك.. تخليه عن منصب رئيس الجمهورية.. وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.. والله الموفق والمستعان"، كانت هذه شرارة الفرحة التي عمت مصر بعد 18 يومًا من المواجهات بين الشعب والشرطة ذراع العسكر.
وقد بدأت قبل ذلك انتفاضة شعبية غير مسبوقة يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير 2011، احتجاجا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، والفساد في ظل قمع نظام العسكر بقيادة المخلوع مبارك.
توالت الأحداث سريعاً، حتى تم انتخاب الرئيس محمد مرسي، بعدها وبفعل تخطيط ومؤامرات عسكرية وخارجية وتغليب بعض قطاعات الثورة للمصالح الشخصية، استطاع العسكر العودة مرة في ثورة مضادة على أكتاف بعض رموز ثورة 25 يناير، وعاد الفساد العالق في بيادة العسكر يفترش الفضاء الذي انسحبت منه "مؤقتاً" ثورة 25 يناير.
وتركزت الشرارة التي اندلعت بسببها ثورة "25 يناير"، في عدة نقاط أهمها:
قانون الطوارئ
وهو القانون المعمول به منذ عام 1967، باستثناء فترة انقطاع لمدة 18 شهرا في أوائل الثمانينات، وبموجب هذا القانون توسعت سلطة الشرطة وعلقت الحقوق الدستورية وفرضت الرقابة، وقيد القانون بشدة اي نشاط سياسي غير حكومي مثل "تنظيم المظاهرات، والتنظيمات السياسية غير المرخص بها، وحظر رسميا أي تبرعات مالية غير مسجلة".
وبموجب هذا القانون احتجز ما يزيد عن 17,000 شخص، ووصل عدد السجناء السياسيين كأعلى تقدير إلى 30,000 سجين.
ويمنح قانون الطوارئ "العسكر" الحق في احتجاز أي شخص، لفترة غير محددة لسبب أو بدون، ولا يمكن للشخص الدفاع عن نفسه
ويستطيع العسكر أن يبقوه في السجن دون محاكمة.
وقد عملت حكومات الانقلاب المتوالية، على إبقاء العمل بهذا القانون ولكن تحت ستار القضاء الشامخ، والاختفاء القسري، بحجة الحفاظ على الأمن القومي.
سطوة ميلشيات الشرطة
في ظل العمل بقانون الطوارئ عانى المواطن المصري من الظلم وانتهاك حقوقه، التي تتمثل في طريقة القبض والحبس والقتل، ومن أشهر هذه الأحداث مقتل الشاب السكندري خالد محمد سعيد، الذي توفي على يد عصابات الشرطة في منطقة سيدي جابر، في السادس من يونيو 2010، بعد أن تم ضربه وسحله حتى الموت أمام عدد من شهود العيان.
ووفاة شاب آخر هو "السيد بلال" أثناء احتجازه في مباحث أمن الدولة بالإسكندرية، بعد تعذيبه في إعقاب حادثة تفجير "كنيسة القديسين" بالإسكندرية، والتي ثيت تورط وزير الداخلية "حبيب العادلي" في تفجيرها.
ويصل إجمالي ضحايا عنف وزارة الداخلية المصرية لنحو 350 (شهيد) قبل آخر ثلاث سنوات من ثورة 25 يناير 2011، حسب تقديرات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
وبمقارنة ذلك السبب مع ما قامت به عصابات الشرطة الأسبوع الماضي وحده، نجد نتيجة مشابهة، فقد اعتقل هذا الأسبوع مشرفي أكثر من 13 صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بتهمة التحريض ضد الانقلاب ونشر أفكار جماعة الإخوان، فضلاً عن الدعوة إلى تظاهرات في 25 يناير، بحسب ما قاله المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء أبو بكر عبد الكريم في تصريحات للتليفزيون المصري الأربعاء الماضي.
كما أوقفت سلطات الانقلاب كذلك أول من أمس الخميس، الشاعر عمر حاذق ومنعته من السفر، بينما كان يحاول ركوب طائرة متجهة إلى لاهاي لقبول جائزة أوكسفام نوفيب وبن لحرية التعبير، وفي اليوم نفسه، داهمت الشرطة مكتب الموقع الإخباري الخاص "مصر العربية"، حيث احتجزت مدير تحريره قبل أن تطلق سراحه في وقت لاحق.
وتأتي هذه الاعتقالات في الوقت الذي أصدرت فيه محكمة القاهرة، حكمًا بالحبس ثلاث سنوات لأربعة صحفيين ونشطاء حقوق، بتهمة نشر أخبار كاذبة والانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين.
وقال شريف منصور منسِّق برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في لجنة حماية الصحفيين: "في ديسمبر الماضي، عندما أجرينا إحصاءنا السنوي لأعداد الصحفيين المحبوسين لعام 2015، حصلت مصر على المركز الثاني بعد الصين كأكثر دولة اعتقالاً للصحفيين،
ووجدنا أنَّ مصر تحتجز 23 صحفيًّا مقارنة بـ12 صحفيًّا في 2014، ومنذ ذلك الحين شهدنا العديد من حالات اعتقال للصحفيين وإصدار أحكام جنائية ضدهم".
ومن بين هؤلاء المعتقلين، والكلام للتقرير، محمود أبو زيد المعروف باسم "شوكان"، البالغ من العمر 28 عامًا، وهو مصور صحفي في مجلة "التايم" الأمريكية والـ"BBC" وشبكات إعلامية دولية أخرى، واعتقل في أغسطس 2013" أثناء تغطيته الاشتباكات بين الأمن وأنصار الرئيس محمد مرسي في رابعة العدوية، ثمَّ احتجز دون محاكمة منذ ذلك الحين.
من جانب آخر، وافق مجلس وزراء الانقلاب على قانون يجرم حيازة وتوزيع شعار رابعة، فضلاً عن رمز القبضة المستخدمة من قبل حركة شباب 6 أبريل، حيث تشمل العقوبات الحبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه.
"السيسي مبارك"
كما هو الحال مع "السيسي" الذي يريد برلمان "الدم" منحه تفويضا بالحكم إلى الأبد، استمر المخلوع مبارك منذ عام 1981، وطوال ثلاثين عاما جثم فيها على صدور المصريين، في السرقة والنهب من حاشيته ووزراء حكوماته المتعاقبة، ما كان له الأثر الكبير علي التدهور الاقتصادي والاجتماعي بالإضافة إلي التراجع الملحوظ في مستوي التعليم وارتفاع معدلات البطالة وانتشار الجرائم.
سوء الأوضاع
في تقرير لمنظمة "الشفافية الدولية"، قيّمت مصر قبل ثورة 25 يناير 2011، بـ 3,1 عام 2010 استنادا إلى تصورات درجة الفساد من رجال أعمال ومحللي الدولة، حيث أن 10 تعني نظيفة جدا و 0 تعني شديدة الفساد، واحتلت مصر المرتبة 98 من أصل 178 بلد مدرج في التقرير.
ومع انتهاء عام 2010 وصل إجمالي سكان مصر الذين يعيشون تحت خط الفقر لنحو 40 ٪، ووصل إجمالي دخل الفرد منهم لنحو دولارين في اليوم.
وهو ما لخصه الانقلاب في 3 سنوات عقب 3 يوليو 2013، حيث تصدرت مصر قوائم الفساد عالمياً، وتراجعت في قوائم جودة التعليم، والأمان الاقتصادي، واحتلت مركزا مرموقاً على قوائم الفساد السياسي والقمع الحقوقي.
زيادة معدلات الفقر
في عام 2004 أبرمت أربعة عقود تقوم بموجبها مصر بتصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، يمتد العمل بها حتى عام 2030، وتسببت هذه العقود في أزمات عدة بسبب معارضة خبراء بترول وسفراء سابقين، خاصة أن التصدير لابد أن يبدأ إلا في حالة وجود فائض وهو مالا يتوفر في مصر.
واعتبرت تلك العقود إهداراً للمال العام ومجاملة لإسرائيل فضلا عما يشوبها من فساد وعدم شفافية، ما دعا المحكمة الإدارية العليا لإصدار أحكام ببطلان قرار وزير البترول سامح فهمي لتكليفه مديري شركات عامة ببيع الغاز لشركة حسين سالم، التي تقوم بدورها بتصديره إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية.
ومع زيادة معدلات الفقر بعد الانقلاب، استطاعت إسرائيل بمساعدة رئيس وزراء الانقلاب أن الحصول على تعويضات مالية ضخمة، جراء وقف التصدير للغاز، وتم وقف العمل بمصانع عديدة كانت تعتمد على الغاز، وهبط سعر الجنيه المصري حتى وصل سعر الدولار في السوق إلى ما يقارب عشرة جنيهات.
كوسة البرلمان
قبل نحو شهرين من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، أجريت الانتخابات البرلمانية في مصر لمجلسي الشعب والشورى، والتي حصد فيها الحزب "الوطني" المنحل واجهة الحكم العسكري على ما يزيد عن 95% من مقاعد المجلسين، ماحيا بشكل كامل أي تمثيل للمعارضة؛ الأمر الذي أصاب المواطنين بالإحباط، ودفع قوى سياسية عدة لوصفها بأسوأ انتخابات برلمانية في التاريخ المصري لأنها تناقض الواقع في الشارع المصري.
بالإضافة إلى انتهاك حقوق القضاء المصري في الإشراف عليها بعد أن أطاح النظام بأحكام القضاء في عدم شرعية بعض الدوائر الانتخابية، ومُنع الإخوان المسلمون من المشاركة فيها بشكل قانوني.
وهو ما عاد بشكل أسوأ في انتخابات برلمان "الدم" 2015، حيث تولت لجنة رباعية ترأسها الجنرال سامح سيف اليزل، التخطيط وإدارة العملية الانتخابية التي أفرزت برلمان بيادة بامتياز، يراعي مصالح قائد الانقلاب وحاشيته العسكرية ومافيا الفساد.
تفجير كنيسة القديسين
عملية إرهابية حدثت في الإسكندرية في أول أيام العام الجديد 2011، وسط الاحتفالات بعيد الميلاد للكنائس الشرقية، وأسفرت هذه العملية عن وقوع 25 قتيلًا (بينهم مسلمين) كما أصيب نحو 97 شخصًا آخرين.
المثير في الأمر أن بعض الأوراق التي تم العثور عليها في الأيام القليلة الماضية تصف تورط وزارة الداخلية المصرية وأنها وراء التفجير، وان هناك سلاح سري تم تأسيسه من اثنين وعشرين ضابطا وتحت إشراف وزير الداخلية "حبيب العادلي" لترهيب المواطنين وزعزعة إحساسهم بالأمن، والترويج لأفكار الفتنة الطائفية.
الأمر نفسه عاد بعد الانقلاب، في صورة تفجيرات متعددة أمام مديريات الأمن، وكمائن للشرطة، وواجهات فنادق، وأتوبيسات سياحية، و"خمارات" في شوارع شهيرة يديرها رجال أعمال وأعضاء في حكومة الانقلاب.
الانتحار
قبل أسبوع من بداية اندلاع الثورة المصري في 25 يناير 2011، قام أربعة مواطنين مصريين في الثلاثاء 18 يناير 2011 بإشعال النار في أنفسهم، بشكل منفصل احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية والسياسية السيئة هم:
محمد فاروق حسن (القاهرة)
سيد علي (القاهرة)
أحمد هاشم السيد (الإسكندرية)
محمد عاشور سرور (القاهرة)
الأمر نفسه تكرر بعد الانقلاب، وتكررت بشكل واضح حالات الانتحار سواء جماعياً في نهر النيل، أو بشكل فردي من على إعلانات الطرق الرئيسية، أو الشنق جراء التدهور الاقتصادي، والضائقة المالية، وتدهور حالات المواطنين النفسية جراء تفشي القمع والفساد.
شبكة الإنترنت
ربما لا يمكن تصنيف مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر) كسبب رئيسي لقيام ثورة "25 يناير"، لكنها تبقى حلقة وصل ومحرك مهم للأحداث.
فمن خلال صفحة أو مجموعة "كلنا خالد سعيد" على فيسبوك، تمت الدعوة لمظاهرات يوم الغضب في الخامس والعشرين من يناير 2011، كما كان للصفحة أو المجموعة دور كبير في التنسيق بين الشبان ونقل صدى المواجهات مع رجال الأمن.
فالثورة عندما بدأت يوم 25 يناير كانت مكونة من الشباب الذين شاهدوا أو انضموا لصفحة (كلنا خالد سعيد) ثم تحولت إلى ثورة شاركت فيها جميع طوائف الشعب المصري.
أما بعد ثلاث سنوات من الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب، الرئيس محمد مرسي، فقد انتشرت بشكل كبير صفحات تدعم الموجة القادمة من الثورة، بالإضافة إلى قنوات فضائية تبث من تركيا وقطر، بعد مطاردة وإغلاق منافذ الإعلام الثوري، عقب انقلاب 30 يونيو 2013.