حسين علام
سأل الكاتب الصحفي فهمي هويدي، المبعوث الفرنسى الذى جاء إلى القاهرة لتسويق مبادرة بلاده لحل القضية الفلسطينية، "لماذا تقدم باريس مشروعها فى الوقت الراهن الذى هو الأسوأ فى تاريخ القضية، فلا العرب صاروا يكترثون بها ولا الإسرائيليون باتوا راغبين فى التفاوض بشأنها؟"، موضحا رد الدبلوماسى المخضرم بيير فيمون قائلا: "لأنه التوقيت الأسوأ فقد رأت فرنسا أنه الأنسب لتحريك الملف. فسألته كيف فأجاب قائلا: إن الصمت يفاقمها ولا يساعد على إمكانية حلها فى المستقبل. وعدم الحل ليس مشكلة محلية أو إقليمية فقط، لأن أوروبا بدأت تعانى من آثار استمرار تعليق القضية واستمرار التوتر فى الشرق الأوسط، إذ علاوة على أن الاضطراب فى المنطقة يتسبب فى عدم استقرار دولها، فإن أوروبا لا تستطيع أن تقف متفرجة ومكتوفة الأيدى أمام زيادة معدلات العنف والإرهاب الذى وصل إلى دولها أو أمام أعداد المهاجرين الذين يستهدفونها".
وأضاف هويدي خلال مقاله بصحيفة "الشروق" اليوم الاثنين، أن الأقطار العربية أصبحت مشغولة بهمومها الداخلية والساحة الفلسطينية تعانى من الانقسام وفى إسرائيل حكومة فاشية تجد فى الوضع العربى فرصتها التاريخية للتمكين والتمدد وحصد الجوائز المجانية، متسائلا: "فهل هذا هو الوقت المناسب للحديث عن تسوية نهائية للقضية؟ فرد عليه المبعوث "إننا ندرك هذه الظروف جيدا، ونعلم أن الرئيس الفلسطينى محمود عباس يجرى البحث عن خليفة له فى الوقت الراهن، ونجد أن الولايات المتحدة مشغولة بالانتخابات الرئاسية، وهذه الملابسات بالإضافة إلى ما ذكرت تشكل حوافز للمبادرة وليس مبررات لليأس أو تأجيل نظر الموضوع. لهذا دعونا إلى مؤتمر دولى للسلام يعقد فى باريس قبل نهاية العام".
وأشار هويدي في حديث المبعوث الفرنسي لرغبة أوروبا فى التسوية واستئناف المفاوضات وعدم تجاهلها، ومن ثم فإنها ستظل عنصرا مهما فى الحفاظ على التوازن الذى يسمح باستمرار سير المفاوضات وإيصالها إلى بر الأمان، موضحا أنه لم يجد في كلام الدبلوماسى الفرنسى مقنعا، ورغم الشرح الذى قدمه لظروف إطلاق المبادرة إلا أنه لم يستطع التخلص من الشك فى دوافعها وتوقيتها أو فى مضمونها، وافتراض البراءة فى السعى لتحقيق تسوية نهائية للقضية فى حين أن أحد طرفيها ــ العرب بوجه أخص ــ فى أضعف حالاته، بينما الطرف الإسرائيلى فى أوج نشوته واستعلائه.
وقال هويدي إن التوقيت مقصودا لانتزاع مزيد من التنازلات من العرب والفلسطينيين، بما يفتح الباب لتسوية نهائية تكون إسرائيل هى الفائز الأكبر والأوحد فيها، يؤيد ذلك أن المبادرة الفرنسية أولت اهتماما ملحوظا للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية ولم تبد انشغالا يذكر بوضع الفلسطينيين، وتحدثت فى هذا الصدد عن تبادل مناطق بمساحات متفق عليها (قد تشمل مدنا وقرى وتجمعات فلسطينية داخل حدود ٤٨). ودعت إلى إجراء مفاوضات فى مدة لا تزيد على ١٨ شهرا، وإذا فشلت فى الاتفاق على حل الدولتين، فإن فرنسا ستعترف رسميا بدولة فلسطين منزوعة السلاح ومنزوعة السلطة أو الهيبة فى الضفة الغربية التى يسيطر المستوطنون على ٦٢٪ من مساحتها، وهو اعتراف بلا قيمة عملية ولن يقدم أو يؤخر.
واختتم هويدي مقاله "من المفارقات أن إسرائيل المستقوية والمنتشية رفضت المبادرة الفرنسية، ليس فقط لأنها لم تعد مستعدة لكى تقدم شيئا أيا كانت تفاهته للفلسطينيين، وإنما أيضا لأنها لم تعد راغبة فى مخاطبتهم أصلا، بعدما نجحت فى اختراق العالم العربى وتحقيق التعاون الاستراتيجى مع بعض دوله الكبرى ــ حتى إذا رضينا بالهم فإن الهم لم يعد يرضى بنا".