لـ3 أسباب.. روشتة “صندوق النقد” مدمرة لشعوب المنطقة

- ‎فيتقارير

كتب: يونس حمزاوي
مع الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها دول المنطقة جراء الاستبداد السياسي وسيطرة قلة من المنتفعين على حكومات هذه الدول، لجأت معظم هذه الدول إلى طبيب واحد هو صندوق النقد الدولي؛ من أجل السيطرة على التدهور الاقتصادي في بلادها.

ولكن مراقبين يحذرون من عواقب اللجوء إلى صندوق النقد؛ مؤكدين أن للصندوق روشتة واحدة لكل الأزمات، ولا يراعي الاختلافات بين أزمة وأخرى، إضافة إلى أن روشتة الصندوق لا تهدف إلا لزيادة موارد هذه الدول؛ من أجل ضمان سداد الديون المستحقة له، كما أن شروط الصندوق دائما ما تأتي على حساب الفقراء، وتؤدي إلى تآكل الطبقة المتوسطة، عمود أي دولة وسبيل نهضتها، وثالثا فإن التجارب لم توثق أو ترصد حالة واحدة استطاع خلالها الصندوق انتشال دولة واحدة من أزماتها، بل إن كل التجارب السابقة مع الصندوق انتهت بكوارث في البلدان التي لجأت إليه.

وفي مقاله "صندوق النقد الملعون"، والمنشور مساء اليوم الإثنين على موقع صحيفة "العربي الجديد"، رصد الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام بعض هذه الأسباب، لافتا إلى أن العديد من الدول مثل الأردن ومصر وتونس تلجأ إلى الصندوق حاليا، وأمس العراق، وغدا المغرب والجزائر واليمن وسوريا والسودان وليبيا، وغيرها من الدول التي تعاني من اضطرابات مالية حادة. الجميع يشهد موجة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تتسع يوما بعد يوم في دول المنطقة، والجميع يسارع إلى طبيب واحد هو صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية المقرضة.

روشتة واحدة لكل الأزمات

والطبيب، بحسب عبد السلام، لديه روشتة واحدة أو مجموعة وصايا ثابتة يقدمها لحكومات هذه الدول، لا لكي تناقشها وتأخذ منها ما يناسبها وأوضاع شعوبها، ولكن لكي توقّع عليها وتنفذها على الفور من دون الاعتراض ولو على نقطة فرعية.

ويؤكد أنه لا أحد من شعوب المنطقة يفلت من مقصلة الصندوق و"روشتته السامة"، التي بدلا من أن تعالج المرض تعمقه وتقذف بالمريض سريعا من غرفة الاستقبال أو حالة الطوارئ إلى العناية المركزة، فكل المرضى مصابون بداء السرطان. اليوم صندوق النقد يعبث في مصر كيفما يريد، عبر إجبار الحكومة على الاقتراب من ملفات ظلت محرمة لسنوات طويلة، مثل تعويم الجنيه، وزيادة أسعار الوقود، وأسعار السلع الأساسية والتموينية، وفرض مزيد من الضرائب، وزيادة الجمارك والرسوم، ومع العبث يزيد فقراء مصر فقرا وتختفي الطبقة المتوسطة صمام الأمن لأي مجتمع.

واليوم أيضا يضغط صندوق النقد وبقوة على الحكومة الأردنية؛ لرفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة لزيادة الإيرادات العامة، وعلاج عجز الموازنة العامة التي فشلت الحكومات السابقة في علاجها، والنتيجة حدوث اضطرابات عنيفة داخل الشارع الأردني، وحالة توتر شديدة بين الحكومة من جهة والبرلمان ورجل الشارع من جهة أخرى.

وغدا يتكرر السيناريو مع الجزائر عندما تتوجّه للاقتراض الخارجي عقب قرب نفاد الاحتياطي الأجنبي، الذي كان إلى وقت قريب يقترب من حاجز 200 مليار دولار.

تجارب الصندوق كلها كوارث

فلا يستطيع أحد ضرب مثال بعلاج اقترحه صندوق النقد على إحدى الدول لإنقاذ اقتصادها من حالة التردي ونجح هذا العلاج، أو يرشد أحد الاقتصاديين عن نصيحة قدمها الصندوق لمصلحة الفقراء أو استهدفت رفع المعاناة عن محدودي الدخل.

روشتة الصندوق جاهزة للحكومات وهي: عوّم عملتك، ارفع أسعارك، قلص النفقات الحكومية الموجهة لتمويل المشروعات الجماهيرية. وبالنظر إلى التجارب السابقة للصندوق في العديد من الدول- ومن ضمنها مصر- فإنه لا يمكن توقع فرصة كبيرة للنجاح لعدة أسباب، من أهمها المعضلة السياسية التي تمر بها مصر، ولا يوجد لدى النظام السياسي رؤية لحلها، وعدم وجود خطط واقعية لدى الحكومة المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية – وهو ما ظهرت مؤشراته بإعلان شركة "سنتر بوينت" إغلاق فروعها في مصر.

ختاما، يمكن القول إن اتفاق الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي لا يعدو مجرد خطوة نحو الهروب إلى الأمام، وجرعة مسكنات لن تكون قادرة على إسعاف الاقتصاد المصري الذي أنهكه المرض.

زيادة الإيرادات على حساب الفقراء

المهم هنا ليس المواطن وخفض الأسعار، بل المهم أن تزيد إيرادات الدولة حتى ولو جاءت على جثث الفقراء، زيادة ليس الهدف منها تحسين الإنفاق على مشروعات الصحة والتعليم والغذاء، بل لتمكن هذه الحكومات من سداد الديون الخارجية التي اقترضتها من الصندوق أو من المؤسسات الأخرى.

روشتة الصندوق تدهس الفقير وتحابي الأغنياء، والحكومات ترضخ لها من منطلق حاجتها لأموال وشهادة ثقة مزعومة، وما يحدث حاليا في الأردن ومصر وغيرها من الدول العربية يؤكد أن روشتة صندوق النقد باتت مدمرة لشعوب المنطقة.