كتب: يونس حمزاوي
القرار الأخير الذي أصدرته حكومة الانقلاب بإلغاء الجمارك على الدجاج المستورد، كشف عن حجم الفساد في دولة العسكر، وأن ثمة صفقة بين حكومة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ومافيا استيراد الدواجن، أسفرت عن تربح رجل أعمال واحد يدعى "أ. الوكيل" مليار جنيه على حساب تدمير صناعة الدواجن المصرية.
حكومة الانقلاب من جانبها سوقت للقرار باعتباره يصب فى صالح المواطن الغلبان، ويأتى فى إطار مواجهة الغلاء الذي يصعق المصريين بقسوة غير مسبوقة، وزعمت أن القرار يهدف إلى تخفيض أسعار الدواجن لصالح الفقراء ومحدودي الدخل، إلا أن الحقائق كشفت بعد ذلك عن صفقة فاحت منها "رائحة النتن" بين الحكومة وكبار مافيا الاستيراد، وأن القرار يأتى فى إطار تقنين الفساد لصالح أحد كبار رجال الأعمال من جانب مسئولين حكوميين.
3 كوارث ترتبت على القرار
قرار حكومة السيسي أثار عاصفة من الغضب بين الخبراء والمختصين وأصحاب المزارع والمنتجين، إضافة إلى ملايين المصريين العاملين في قطاع صناعة الدواجن، والمتابعين للأزمة وحقيقتها.
وبحسب خبراء، فإن قرار الحكومة ترتب عليه 3 كوارث، أولها تدمير قطاع صناعة الدواجن الذي تصل حجم الاستثمارات فيه إلى 60 مليار جنيه، وتشريد 3 ملايين عامل بالقطاع.
أضف إلى ذلك أن القرار يستنزف العملة الصعبة التي تعاني البلاد من ندرتها جراء تراجع موارد الدخل الأساسية، من سياحة وتصدير وقناة السويس، فجاء القرار ليفتح الباب لاستنزاف العملة الصعبة، والضغط على الدولار للحصول عليه من أجل إبرام صفقات استيراد الدجاج، رغم أن اتحاد منتجي الدواجن عرض على حكومة الانقلاب مده باحتياجاته عبر اتفاقية مع وزارة التموين بأسعار أقل من السوق، إلا أن الحكومة تجاهلت ذلك، ما يعكس صدور قرار الحكومة لصالح شركات ورجال أعمال لها صلات وصفقات مع مسئولين كبار بحكومة الانقلاب.
كما أن القرار يزيد من البطالة في المجتمع، وتشريد 3 ملايين من العاملين بقطاع الدواجن لصالح حفنة قليلة من المنتفعين وأصحاب الحظوة من السيسي وحكومته. كما أن القرار يعتبر دعما مباشرة لصناعة الدواجن في البرازيل وغيرها على حساب صناعة الدواجن المصرية.
المافيا أولى من الشعب.. وأسرار أحمد الوكيل
القرار الأخير أثار غضب الخبراء والمختصين، الذين رأوا أنه من الأولى رفع الجمارك عن الأعلاف لتشجيع إنتاج الدواجن محليا وخفض أسعارها، لكن السبب وراء القرار بدأ يطفو على السطح، بعد الكشف عن استيراد أحمد الوكيل، رئيس الغرف، أكثر من 147 ألف طن من الدواجن المجمدة قبل قرار تعويم الجنيه بأيام، بسعر 8.80 جنيهات للكيلو، بموافقة من رئيس الوزراء، هذا فضلًا عن استيلائه على حصة الشركة القابضة للصناعات الغذائية والتابعة لوزارة التموين.
وبحسب صحيفة "البوابة"، في عددها الصادر اليوم، فإن أحمد الوكيل، رجل الأعمال ورئيس الغرف التجارية بالقاهرة، يمتلك شركة "ويكي لكس"، والتي تعمل في استيراد الدواجن المجمدة من الخارج، حيث تمتلك شركته 5 من الشحنات القادمة من الخارج، إضافة إلى عدد من المستوردين الذين يعملون تحت مظلته.
بداية صفقة الفساد
البداية كانت بلقاء اتحاد منتجي الدواجن رئيس حكومة الانقلاب، الأحد 28 نوفمبر الماضي، لبحث طلب الحكومة بشأن توريد 4000 طن من الدواجن بسعر 20 جنيهًا للدجاجة، بحسب ثروت الزيني، عضو اتحاد منتجي الدواجن.
وأكد "الزيني"، في تصريحات صحفية، أن رئيس الوزراء نفى تمامًا وجود نية لدى الحكومة لرفع التعريفة الجمركية عن الدواجن، ليفاجئنا بصدور القرار في اليوم التالي.
وكشف مصدر مسئول، بحسب البوابة، عن أن "الوكيل" كان لديه علم بقرار تعويم الجنيه قبل صدوره بأيام، حيث تقدم بطلب إلى شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، لفتح اعتمادات بنكية لاستيراد الدواجن بالسعر الرسمي البالغ 8.80 جنيهات آنذاك، حيث استورد 147 ألف طن دواجن مجمدة خلال أسبوعين، بعد موافقة رئيس الوزراء.
الغريب في الأمر، وفقا للمصدر، أن الإنتاج المحلي يغطي أكثر من 90% من احتياجات السوق، هذا فضلا عن استيراد نحو 115 ألف طن العام الماضي.
وأضاف المصدر ذاته أن أحمد الوكيل ضغط على رئيس الوزراء بصفته مسئولا بالمجموعة الاقتصادية مرتين، الأولى: عند فتح اعتمادات للاستيراد رغم وجود إنتاج محلي ضخم، والثانية: بعد قرار الوزراء رفع التعريفة الجمركية عن الدواجن.
انتقادات حادة
الكاتب الصحفي جمال سلطان، في مقاله اليوم بعنوان «من صاحب القرار في هذا البلد؟!»، يقول: «القرار غريب جدا، بل مريب جدا؛ لأنه صدر بأثر رجعي دون أي مبرر مفهوم، وبما يعني أنه صدر "تفصيلا" على مقاس أناس بعينهم أو شركات بعينها، والأمر الآخر أن القرار صدر في الوقت الذي كانت فيه شحنة ضخمة من الدجاج المستورد متوقفة في الموانئ المصرية تنتظر الدخول، وتبلغ الشحنة قرابة مائة وستين ألف طن، وأن مائة وعشرين ألف طن منها لحساب شركة يملكها شخص واحد، ودخلت هذه الشحنة وأعفيت من الجمارك، بما منح هذا "المحظوظ" قطعة بنبوني صغيرة وضعتها الحكومة في فمه، مقدارها مليار جنيه».
ويضيف سلطان «مليار جنيه على الأقل، وفي شحنة واحدة فقط، أخذتها الحكومة من المال العام، كانت كافية لبناء عشرات المدارس وعشرات المستشفيات، أو توصيل مياه الشرب لمئات الآلاف من المحرومين منها، مليار جنيه أخذتها الحكومة من حق هؤلاء الغلابة، ومن الشعب المسكين، لكي تضعها في جيب رجل أعمال محظوظ جدا، ثم يتبجح رئيس الوزراء بعد ذلك ويدافع عن القرار ويصفه بأنه دعم للفقراء»!.