لماذا يحتاج السيسي وبشار إلى “داعش”؟

- ‎فيتقارير

كتب سيد توكل:

"بات العربي والمسلم إرهابيًا "داعشيًا" حتى تثبت براءته، وقد لا يُبرّأ حتى بعد ثبات براءته"، عبارة لخص فيها الكاتب السياسي "سهيل كيوان" حال المسلمين الذين يرزحون تحت أنظمة وحكومات تعادي الحرية والكرامة ويديرها الغرب بأصابعه.

ثمة قناعة سائدة بين المراقبين يفترض أن الغرب مجبر على التعامل مع الدكتاتوريين العرب؛ لأنهم الوحيدون القادرون على وقف تمدد الإسلاميين في البلاد التي شهدت ثورة أو انتخابات نزيهة، فهم يعتبرون أخف الضررين.

وما لا يثير الدهشة، أن هذه الحجة هي نفس التي يستخدمها الدكتاتوريون العرب لقمع الثورة والشرعية، وهكذا فإن هؤلاء الدكتاتوريبن يكررون خطاب حلفائهم الغربيين، في تطابق يفضح زيف هذه الحجة.

وتتصدر أمريكا، تاريخيا، قائمة الدول المُصنعة لـ"العدو"، وبعد نجاحها الترويجي الكبير لسياسة "الحرب على الإرهاب"، باتت في حاجة إلى تصنيع عدو بحجم "داعش" تجعله مسمار جحا للتغطية على حمايتها للأنظمة المحلية الاستبدادية في دول ثورات الربيع العربي، أو تدخلها العسكري في الصومال واليمن وليبيا وسوريا والعراق.

وبرأي خبراء لعبت أنظمة (سايكس بيكو) دورًا أساسيًا في وصول محارق المنطقة إلى قعر جهنم، بعدما خاضت وتخوض ثورة مضادة بأقذر الوسائل في سبيل البقاء منذ انتفضت الشعوب العربية في عام 2011.

القضاء على الثورة في مصر
في مصر، وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول تجربة انتخابات رئاسية ديمقراطية جاءت بالرئيس محمد مرسي، شن الجيش حملة قمع شديدة ضد معارضي الانقلاب، ولم تهدف هذه الحملة لقمع الإخوان فحسب، بل شملت كل معارض لقائد الانقلاب وإن لم يكن ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وغض الغرب طرفه عن مجازر العسكر وزعم أنه في حاجة إلى وجود رجل قوي لاستعادة النظام، محاولا خلق شرعية للانقلاب العسكري، وهكذا فإن منطق الحاجة إلى دعم الدكتاتوريين من أجل محاربة الإرهاب تبطل نفسها.

وبناءً على ذلك، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدعمان الدكتاتوريين لمحاربة "إرهاب" مزعوم تضخمه الميديا الغربية، والدليل على ذلك فتح العواصم الغربية لاستقبال قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، الذي أكد في مقابلة مع الرئيس الفرنسي "هولاند" أن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تناسب الشعب المصري.

أضف إلى ذلك المخطط الصهيوسيساوي المؤدي إلى تفريغ سيناء من أهلها، تحت ذريعة قتل الجنود المصريين، وظهور تنظيم ولاية سيناء التابع لـ"داعش"، في خلط أوراق فضحه مراقبون معلقون على تسريبات بثها إعلام الانقلاب لنشطاء وسياسيين مؤخراً، بالقول إن نظام السيسي الذي سجل مكالمات البرادعي وإسراء عبدالفتاح فشل في تسجيل ولو مكالمة واحدة لـ"داعش" المزعومة في سيناء.

استئصال المقاومة في العراق
يبدو الأمر أكثر وضوحًا في مجازر الموصل، التي ترتكبها مليشيات شيعية موالية لإيران، بينما يغض التحالف الدولي الطرف عن ذلك، بعدما أنشأ الاحتلال الأمريكي نظامًا سياسيًا في العراق، مبنيًا على إقصاء "السُنة"، فأشعل المقاومة بين الأكثرية العراقية السُنية.

هذا، إلى جانب حل الجيش العراقي، وسحب واشنطن عن عمد معظم قواتها بعد تحقق مأربها، والسياسة العدوانية التي اتبعها الشيعة، أدت جميعها إلى دفع البلاد نحو الانهيار، ومهدت الطريق لتصعيد المقاومة من طرف السنة، وهو ما اضطر أمريكا وإيران إلى تصنيع "داعش" بالعراق.

وخلال حالة الانهيار هذه، المستمرة منذ عقد، وظهور "داعش"، واصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها دعم النظام الطائفي، الذي ارتكب عمليات قتل ضد السنة، ولم يكن الإرهاب الذي ترعاه حكومات العراق الموالية لأمريكا بأقل فظاعة عن إرهاب "داعش" المخابراتية.

يقول الكاتب السياسي "سهيل كيوان" إن هذه الأنظمة وجدت أن الطريق الأسهل لبقائها هو شيطنة المعارضين وتحويل مطالبهم العادلة بتداول السلطة واستئصال الفساد إلى ممارسات إرهابية "داعشية"، حتى أصبحت تهمة الداعشية جاهزة ضد كل ضحية عربية أو إسلامية في كل مكان".

ويضيف: "من الطبيعي أن تكون أكثرية المقاومين للاستبداد وللاحتلال في المنطقة العربية من المسلمين، لأن أكثرية السكان والبيئة الثقافية هي إسلامية، لن نجد بوذيين ولا هندوسا ثائرين في سورية ومصر واليمن وفلسطين".

الثورة ليست داعش
يؤكد المراقبون أنه من الطبيعي أن يكون معظم الثائرين من العرب المسلمين لأنهم الأكثرية السكانية، بلا شك أن هناك ثوارا ومقاومين ينتمون لديانات وطوائف أخرى، وطبيعي جدا للعربي الثائر أن يجيّر تراثه العربي الإسلامي لتحشيد الناس ضد الظلم، هذا فعله عمر المختار وبن باديس وعبدالقادر الجزائري وعز الدين القسام وشيوخ الأزهر وغيرهم.

ومن الطبيعي البحث عن آيات قرآنية وأحاديث نبوية وقصص دينية وتراثية وأدبية ومقولات إسلامية ومأثورات أدبية عربية وعالمية للتحشيد والتحريض، والطبيعي جدا في بيئة إسلامية أن يكون التحشيد للثورة متكئا على التراث الإسلامي حتى لغير المسلم وللعلماني وللملحد منهم.

يقول الباحث السياسي "وائل عبدالغني": "الإيمان مصدر قوة لمعظم الجماهير ومصدر طمأنينة لها في حالات الخطر والمواجهة، وطبيعي أن يكون المسجد مكانا تنطلق منه أو من أمامه المظاهرات وخصوصا في أيام الجمعة، لأنه مكان يتجمع فيه الناس من دون دعوات خاصة".

مضيفًا: "ومن لا يتقبل هذا المكان ويخوّن ويشكك بالثورة لانطلاقها من المسجد أو من ساحته فهو يقصد الانحياز للأنظمة بطريقة التفافية، فالأنظمة لا تسمح أصلا بوجود نواد إلا للتطبيل والتزمير للحاكم في كل الوطن العربي، عمليا لم تُبق الأنظمة مكانا يجتمع الناس فيه بأعداد كبيرة سوى مدرجات كرة القدم والمساجد والكنائس والمقامات".

وتابع:"هذا ومن الطبيعي أن يصرخ العربي لحظة المواجهة مع العدو "الله أكبر"، هذا الهتاف قبل ولادة "داعش" بأربعة عشر قرنا، ويقال حتى كرد فعل على صوت أو منظر جميل".

ترامب دواعشي أمريكي
المفارقة بحسب مراقبين أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، يتكئ على رجال الدين ويستعير من التوراة مقولاته الكثيرة، وقد أقسم لدى توليه السلطة وهو محاط برجال الدين، وكل النظرية الصهيونية باحتلال فلسطين مبنية على وعد إلهي توراتي.

يقول البحث العسكري دانيال لوتلي :"ترامب يريد إعادة أمريكا إلى عظمتها كما يقول، ولهذا يحتاج  لانتصارات عسكرية تشبع رغبته هذه، لكنه لا يستطيع مواجهة عسكرية مع روسيا المتمددة أو الصين المنافسة، العدو الأسهل هو ما يسميه التطرف الإسلامي، أولا يضمن تحالفا دوليا وعربيا حوله".

ويضيف: "يستطيع الظهور بمظهر المنتصر دون حسيب حتى لو قتل الملايين، كذلك فهو سيبتز أنظمة الخليج والسعودية  بحجة حمايتها والتحالف معها لمكافحة الإرهاب، وهذا سيبرر له الدعم اللامحدود لسياسة إسرائيل كديمقراطية تواجه خطر الإرهاب الإسلامي، وسيلتقي مع أنظمة الاستبداد حول  الهدف الرذيل وهو إعادة الشعوب العربية الثائرة إلى الحظيرة التي سبقت الربيع العربي".

ويقول الباحث السياسي "وائل عبدالغني": "صحيح أن بيئة الاستبداد والظلم تدفع الكثيرين إلى اليأس ولردود فعل متطرفة، ولا ننكر وجود إرهابيين ودمويين، ولكنهم قلة بين الشعوب، والحالة الأصلية والأعظم هي أن الشعوب العربية ثارت ضد الفساد طالبة الحرية وتداول السلطة، والفلسطينيون ثاروا منذ عقود ضد الاحتلال وممارساته".

ويضيف: "حقيقة الصراع هي بين أنظمة متعفنة شيطنت شعوبها في سبيل البقاء في السلطة، ملتقية بهذا مع الاحتلال والاستيطان ويهودية الدولة التي "تدعشن" كل رافض لواقع الاحتلال والعنصرية، وهو ما ركب موجته وجاء ليتممه دونالد ترامب، أي إعادة الشعوب العربية إلى حظيرة الطاعة وتصعيد نهب خيراتها ودعم الاحتلال والبطش بكل من يعترض هذه الوحشية تحت مسمى محاربة الإرهاب".