شبح المجاعة يُطل برأسه على المدنيين في الموصل

- ‎فيعربي ودولي

 تفاقم الوضع الإنساني بمدينة الموصل التي تئن تحت وطأة العمليات القتالية الدائرة حاليا من جهة، ونقص المواد الغذائية وشبح المجاعة من جهة ثانية.

فقد أصبح تأمين الغذاء اليومي في الموصل التي يقطنها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة أمرا لا يمكن تحقيقه بسهولة، فجميع المهن متوقفة عن العمل، والمحال التجارية والمصانع أغلقت أبوابها، علاوة على نفاد المدخرات المالية لأغلب العائلات بالتزامن مع عدم حصول الموظفين على رواتب منذ سيطرة "داعش" على المدينة قبل عامين والحصار المفروض عليها من كافة الجهات.

"أم عبد الله"، واحدة من حالات لا تعد للأزمة الإنسانية التي تعاني منها الموصل، فالسيدة التي تقطن في منطقة الساعة وسط المدينة مسئولة عن إعالة خمسة أطفال، لا يتجاوز عمر أكبرهم 9 أعوام، بعد أن أقدم "داعش" على قتل زوجها عام 2015 بسبب القبض عليه في تهريب السجائر.
وبألم وحسرة يعتصران صدرها، تقول للأناضول: "لا أجد ما أقدمه من غذاء لأطفالي، فبعد أن توقفت مهنة الخياطة التي كنت أمتهنها بسبب عزوف النساء عن خياطة الملابس، مع انطلاق معارك التحرير وانشغالهن بأحداثها، اضطررت للخروج إلى الأسواق من أجل الحصول على الخضروات التي على وشك أن تنتهي صلاحيتها، حيث أقوم بتنظيفها واستخراج الصالح منها وتقديمها إلى أطفالي".

وتضيف أنها باتت تقدم وجبة غذائية واحدة في اليوم لأطفالها، لا تتعدى مكوناتها، منذ أكثر من شهر، التمر وخبز الشعير.

ليست فقط عائلة "أم عبدالله" من تعاني نقص الغذاء، فإن هناك الكثير من العائلات لا تحصل على وجبة غذاء إلا كل 3 أيام، لذلك هي وغيرها لا يوجد أمامهم سوى الصبر والانتظار، عسى أن تمر الأزمة وتعود الأمور إلى طبيعتها.

"أحمد العطار،" الذي فضل تسميته هكذا خشية ملاحقته من قبل تنظيم "داعش"، يملك محلا لبيع المواد الغذائية الجافة، ومعملا لتصنيع الحلويات في منطقة "السرجخانة" وسط الموصل، يقول للأناضول، إن "العمل توقف بشكل شبه تام منذ النصف الثاني من عام 2016؛ كون أغلب العائلات الموصلية لم تعد تملك المال لشراء ما ترغب من احتياجات أساسية".

ويؤكد العطار أنه "مع إعلان ساعة الصفر لمعركة تحرير الموصل، في 17 أكتوبر/تشرين أول الماضي، لم يعد هناك أية حركة تجارية، فمن يملك المال أصبح حريصا عليه لاستخدامه في الأيام القادمة والتي ربما ستكون أكثر تعقيدا".

العطار اضطر بسبب تلك الأوضاع إلى تسريح العاملين في مصنعه والبالغ عددهم 15 شخصاً وإغلاق أبوابه، كذلك تسريح عاملين اثنين من محله لبيع البقوليات.

ويشير إلى أن أغلب الذين يأتون إلى محله والمحال التجارية المجاور له يرغبون بالحصول على القليل من المواد الغذائية لسد جوعهم دون دفع مقابل مالي لضيق اليد، فاضطر إلى تقديم ما يحتاجون إليه بدافع إنساني دون أي مقابل "لإنقاذهم من خطر الموت الذي قد يسببه الجوع".

الناشط في مجال حقوق الإنسان، والذي فضل ذكر أول حرفين من اسمه (هـ، ع)، كونه ما يزال في منطقة تقع تحت سيطرة "داعش" بالموصل، يتحدث عن أن "الوضع الإنساني للعائلات، لا سيما الفقيرة منها، بات لا يوصف، فهو في تدهور خطير جدا؛ لعدم القدرة على توفير الماء والغذاء والدواء، وتحول المدينة إلى ساحة حرب من دون الاكتراث لحياة الأبرياء العزل الذين لا ذنب لهم بتلك النزاعات الدموية".

ووفق ما قاله للأناضول، فإن "العديد من العائلات ترسل أولادها الصغار نحو أكوام النفايات في سوق الخضار من أجل الحصول على الطعام وجلبه، لتقوم الأم بدورها بعمله كغذاء وتقديمه إلى باقي أفراد الأسرة".

ويحذر الناشط العراقي من أن "الفقر المدقع بدأ يتفشى بين العائلات بسرعة كبيرة جدا، دون أي تحرك من قبل منظمات المجتمع المدني المحلية أو الإقليمية أو الدولية، أو الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خلال إدخال قوافل المساعدات إلى المدينة المحاصرة على غرار ما يحدث في اليمن وسوريا".

الخبير النفسي والباحث الاجتماعي، عبد اللطيف مصعب، حذر من أن "خطر الفقر والمجاعة لا حدود له، وقد لا يمكن السيطرة عليه بسهولة كما يتوقع البعض".

ومبديا خشيته من انفلات الأمور وخروجها عن السيطرة، يقول مصعب: إن "الوضع داخل الموصل حساس للغاية، فمحاصرة أكثر من مليون مدني وقطع الغذاء والماء عنهم ينذر بوقوع كارثة إنسانية قد لا يحمد عقباها، وقد تحول الموصل إلى غابة يكون البقاء فيها للأقوى".

الخبير النفسي يرى أنه "لا يوجد حلول للسيطرة على تلك الأزمة سوى قبول أطراف النزاع المسلحة لقوافل المساعدات بدخول المدينة فورا، بتدخل وضغط عاجل من قبل التحالف الدولي، كذلك إطلاق الحكومة الاتحادية رواتب الموظفين حتى وإن كان لشهرين أو شهر واحد فقط".

سكان الموصل في المناطق المحررة، سواء كانت في المحور الشرقي أو الغربي أو الشمالي أو الجنوبي، وضعهم الإنساني ليس أفضل من الذين ما زالوا محاصرين تحت سيطرة التنظيم، فهم يعانون أيضا من انعدام الماء والغذاء ونقص الدواء، فالمساعدات التي وصدت إليهم تكاد لا تكفي لـ20% من عددهم الكلي، والخطة المدنية التي أعلنت عنها حكومة "نينوى" المحلية أثبت فشلها بشهادة المسئولين والنازحين.

معاناة الموصل التي استمرت لأكثر من عامين، ربما تتفاقم خلال المرحلة القادمة، مع احتدام المعارك بين القوات العراقية وتنظيم "داعش" في ظل عدم توافق سياسي يصب باتجاه إنهاء الأزمة ومتغيرات السياسة الإقليمية والدولية.

منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في العراق، ليز غراند، نوه في تصريحات سابقة إلى أن "العائلات الأفقر في الموصل تكافح من أجل توفير الطعام لنفسها والوضع قد يزداد سوءا"‎، سبقه تحذير من المنظمة الدولية من عواقب كارثية جراء نقص مياه الشرب والغذاء في المدينة واشتداد حاجة الأهالي إليها لا سيما الأطفال والنساء.