كتب سيد توكل:
كشف الشيخ "بلال عبدالله" -إمام وخطيب أحد مساجد القاهرة- إن جهاز الأمن الوطني -أمن الدولة سابقًا- لديه ملفات جميع الأئمة والخطباء، مؤكدا أنه "يشدد الرقابة على المساجد الكبيرة".
وحسب تصريحات صحفية قال "عبدالله" إن "من يتولى التنسيق مع الأمن؛ هم مديرو ومفتشو الأوقاف في المدن، وهناك قائمة سوداء بعدد كبير منهم".
وعن العقوبات التي تنتظر الأئمة والخطباء في حال خالفوا تعليمات أو قرارات حكومة الانقلاب التي يوصي بها الأمن بشأنهم؛ أوضح أنها "تتراوح بين التعنيف، والإهانة، والخصم، وتوقيع الجزاءات، وتصل إلى التحويل لعمل إداري، وأحيانا للفصل من العمل نهائيا".
وأكد الشيخ عبدالله أن "الارتباط بين الأوقاف والأمن ليس وليد عهد السيسي"، مستدركا بأنه "بلغ أقصاه في عهده الذي اتسم بوضع قواعد وضوابط صارمة أمام كل من يريد أن يعتلي المنبر، أو يعطي دروسا دينية، فلا تفتح المساجد إلا في أوقات الصلاة فقط، حتى في شهر رمضان الكريم، إلا في بعض المساجد الكبرى".
شواهد الجريمة
وقف الشيخ "ع" بين صلاة القيام في أحد أكبر مساجد منطقة الهرم بالجيزة، وتملى في وجوه المصلين بارتياح محاولا كتمان شماتته في بعض وجوه المخبرين التي يعرفها جيدا، ثم خطب قائلا: "كانت أجهزة النظام تعدّ علينا أنفاسنا، لا أعادهم الله".
كان ذلك في أول رمضان عقب ثورة يناير 2011، والآن مُنع الشيخ "ع" من الخطابة أصلا، بعد أن "كان مسموحًا لنا بالخطابة المحدودة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ثم بحرية الخطابة المطلقة في عهد الرئيس محمد مرسي".
"جاء الانقلاب ليمنعنا من اعتلاء المنبر تمامًا"، كما يقول الشيخ الأزهري الذي فضل عدم ذكر اسمه، "فوفق تعليمات وزارة الأوقاف الأخيرة، لا يخطب بالمساجد إلا من يحمل خطابا رسميا موجها لإدارة المسجد، حتى لو كان مصرحا له بالخطابة".
وتابع "ربما يعتقد القائمون على الأمر أن من شأن ذلك التشديد على المساجد، القضاء على الإرهاب، والعكس هو الصحيح، وهو ما تؤيده الوقائع".
كما شمل المنع العديد من مشاهير الأئمة كالشيخ محمد جبريل من الإمامة بعد دعائه على الظالمين في رمضان قبل الماضي لعام 1437هـ.
من جهته؛ قال عضو لجنة الفتوى السابق بالأزهر، هاشم إسلام، إن "الأنظمة الحاكمة في العالم العربي هي من يدير المؤسسات الدينية التي هي في الحقيقة تابعة خاضعة لها، وليست مستقلة بذاتها، على العكس تماما من المؤسسات الدينية غير الإسلامية".
وأضاف إسلام في تصريحات صحفية "أن تدخل الأمن في إدارة المساجد "لا يخفى على أحد، وهناك شواهد وأدلة يلمسها كل من يشرف على هذا الملف في الأوقاف"، مستشهدا بالقول إنه "لا يعين الشيخ إلا بعد موافقة الأمن، ويمتد هذا الواقع ليشمل التعيين في العديد من المناصب الإدارية في الدولة، كالجامعات والكليات والوزارات والمحافظات".
من جانبه الإمام والخطيب الشيخ ناصر شرف، أكد أنه مهدد بالفصل من عمله بسبب "التنسيق الأمني".
وأضاف في تصريحات صحفية: "تم استدعائي أكثر من مرة، وأخبروني بأنه يجب أن أحد من عدد الدروس التي ألقيها في المساجد".
إرهاب وتنفير للناس
وانتقد الشيخ "ناصر شرف" التنسيق الأمني بين أوقاف الانقلاب والأمن تحت مسمى تجديد الخطاب الديني، قائلا إن "الأمر في غاية السوء، والأصوب القول إن هدف التنسيق الأمني هو تجفيف الفهم الصحيح للدين، وإشاعة التبعية".
وأكد الشيخ شرف أن ما يجري هو "إرهاب للإمام، وتنفير للناس عن بيوت الرحمن، وسعي حثيث لفصل الدين عن كل مناحي الحياة باستثناء ما يخدم سياسة الدولة، وهو في حقيقته تجميد للخطاب الديني، وقتل لروح العزة في نفوس الناس".
من جانبه يري الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والقانون بماليزيا رجب محمد سليمان، هذا التضييق على حرية العبادة ليس له من حل إلا "تحرير وزارة الأوقاف من سيطرة الحكومة لكي تنهض بدورها الحقيقي"، مطالبا بأن يعود الوقف إلى الذين أوقف من أجلهم، وأن يقتصر دور الدولة على مراقبة معايير الكفاءة والقدرة، ولا تتدخل الحكومة في شئون الأوقاف.
إلا بمقدار حفظها وتطويرها.
ويؤكد أنه في الوقت الذي تظل فيه الأسواق مفتوحة، يراد للمساجد أن تفتح لوقت محدود، مع وضع المعوقات أمام المعتكفين واقتحام المساجد عليهم وتفزيعهم بحجة المحافظة على الأمن، وهو ما لم يحدث حتى في عهد الاحتلال.
من جانبه يقارن الشيخ سلامة عبدالقوي -وهو مستشار وزير الأوقاف في حكومة ما قبل الانقلاب- بين ما يجري الآن تجاه المساجد من "تضييقات لا ترضي الله"، وما كان مخططا لتطبيقه في رمضان الأخير للرئيس محمد مرسي لولا انقلاب 2013، ويتضمن فتح المساجد طوال اليوم، وعقد حلقات تلاوة، وإقامة الدروس اليومية، وترك اختيار موضوعه لرغبة الإمام، وكذا خطب الجمعة، وفتح الباب أمام الراغبين في الاعتكاف بأي مسجد.
وأضاف "سعينا لتعيين ثلاثة آلاف إمام جديد لأول مرة في مصر دون مراجعة الأمن الوطني، وعمل التصميم الفني للوحة إلكترونية علمية لتوضع في المساجد كلها يتم التحكم فيها من داخل ديوان الوزارة للتوعية والدعوة"، مؤكدًا أن كل ذلك كان من أجل "إطلاق حرية العبادة، التي نجح الانقلاب في حرمان المسلمين منها هذه الأيام".