إسلام محمد
هُزم المنتخب المصري في الدور النهائي لبطولة كأس الأمم الإفريقية، وفقد البطولة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانضمام إلى دولاب البطولات الإفريقية، التي تعرف طريقها إلى مصر جيدا، وبذلك خسر "المنتخب" الكروي لقبا غاليا كانت الرياضة المصرية في حاجة إليه بعد سلسلة من الإخفاقات على كافة المستويات الرياضية، وبعد غياب دام 6 سنوات عن التأهل للبطولة المفضلة لديه، وكان ذلك بمثابة صدمة قوية للجمهور المصري، الذي جهز نفسه للاحتفال بحصد اللقب، الذي لم يكن يتوقعه في بداية البطولة، إلا أنه تنامى مع المكاسب التي حققها الفريق رغم الخطة الدفاعية التي لعب بها "أسياد إفريقيا"، والتي أدت إلى فوزه في الدقائق الأخيرة، أو بهدف خاطف في كافة المباريات التي خاضها حتى وصل إلى المباراة الحاسمة.
"المنتخب" كان الأقرب للفوز، إلا أنه "كالعادة" أبى أن يستكمل الابتسامة التي رسمها على وجه المصريين، فلعبوا شوطا قويا في المباراة النهائية، إلا أن الشوط الثاني خرج تماما عن سيطرتهم بشكل أثار شهية منتخب الكاميرون، الذي تمكن من تحقيق التعادل ثم الفوز بهدف قاتل في الدقائق الأخيرة.
هزيمة المنتخب المصري أثارت شجن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين أشاروا إلى أن ما حدث مع منتخب الكرة المصري يمارس بشكل متواصل مع كل ما هو منتخب في مصر، بدءا من الرئيس ومجلسي الشعب والشورى، وانتهاء بمجالس الجامعات، واتحادات الطلاب والنقابات المهنية والعمالية.
خلال الثلاثين عاما التي قضاها حسني مبارك على كرسي الرئاسة في مصر، كان باب الانتخابات مواربا، فلا هو بالمفتوح تماما لكي ينتخب الناس ممثليهم في كافة المجالات بشكل كامل، ولا هو مغلق تماما أمام الأصوات المعارضة، وكانت نسب المعارضة تدور في فلك الـ20% بالزيادة أو النقصان في كافة المجالس المنتخبة تقريبا، وهي السياسة التي حاول الحفاظ عليها لسنوات طويلة، إلى أن قام أحمد عز بالخروج عن تلك القاعدة في انتخابات مجلس الشعب 2010، ليحسم المقاعد للحزب الوطني "المنحل"، تمهيدا لتسليم مقاليد الحكم إلى جمال مبارك. وهي الانتخابات التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وفي الغالب لم تكن المجالس المنتخبة تعيش طويلا في مصر، فمجلسا النواب والنقابات والاتحادات بمختلف أنواعها كان من الطبيعي أن يتم حلها قبل إتمام مدتها القانونية، لأسباب تتعلق بعدم دستورية القوانين التي أجريت الانتخابات على أساسها، أو بسبب ضيق الحكومة من الوجود المعارض الذي يسحب البساط من تحت أنصارها، ويحرج الحكومة.
وبعد الثورة..
كان "المنتخب" أقرب إلى قلوب الناس كثيرا، وتقرر مد الانتخاب إلى قطاعات جديدة، منها مجالس إدارات الصحف، وعمادة الكليات، ورئاسة الجامعات، وكان من المنتظر أن تمتد الانتخابات إلى المحافظين، وربما الوزراء في مراحل متقدمة، حيث تحول الانتخاب إلى ثقافة وسط المجتمع المصري؛ تطبيقا لشعارات الثورة في حرية الاختيار وقدرة الشعب على فرز قادته وممثليه.
وكانت الأمثلة الأبرز في مجلس الشعب 2012، ومجلس الشورى الذي لحقه، والاتحادات الطلابية التي كانت الأقوى منذ زمن طويل.
وعقب الانقلاب..
عادت الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه؛ فلا صوت إلا صوت مؤيدي الانقلاب، ولا انتخابات إلا بينهم، وتم اختطاف الرئيس المنتخب للمرة الأولى في تاريخ مصر، واستيلاء العسكر على السلطة، كما تم حل مجلسي الشعب والشورى المنتخبين، وأجريت انتخابات مزيفة أفرزت مجالس باهتة لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، وتزامن ذلك مع عزوف قطاعات كبيرة عن الانتخابات ترشحا أو اختيارا، حيث لم يعد من المأمول إجراء انتخابات حرة في أي قطاع، بدليل انتخابات الرئاسة التي أجريت في 2014، والتي لم يشارك فيها سوى أعداد قليلة، اضطرت معها حكومة الانقلاب إلى مد فترة الانتخاب يوما ثالثا، في محاولة لستر عورة العزوف الجماهيري الواضح، كما كانت انتخابات مجلس النواب نسخة بالكربون، إلا أن الرشاوى الانتخابية تمكنت من إتمام المهمة والوصول بالأعضاء إلى أن يجلسوا تحت القبة لتمرير التشريعات التي يراد لها أن تمر، فيما أصيبت الانتخابات الطلابية بشلل تام، لدرجة أنه حتى الآن، وبعد انتصاف العام الجامعي، لم يتم إجراء انتخابات الاتحادات الطلابية في الجامعات المصرية، كما تم تأميم مجالس النقابات عن طريق ترشيح شخصيات موالية لحكومة الانقلاب، وتمريرها إلى النقابات عن طريق الترهيب مرة، والترغيب مرات كثيرة.