مهدي عاكف.. بين قامة أكبر سجين سياسي بالعالم ومقام ثبات الثمانيني

- ‎فيتقارير

 أحمدي البنهاوي
تأبي المحن إلا أن تظهر معادن الرجال، فبكلمة واحدة يمكن للمرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين أ. محمد مهدي عاكف أن يعود- على الأقل- لمنزله، وأن يكون في رعاية أبنائه وبناته وهو على حافة التسعين عاما، فضلا عن أن تتلقفه الفضائيات وصفحات الصحف الانقلابية المنحازة كـ"البوابة"، و"المصري اليوم"، ليكون سهما في ظهور إخوانه، ولكن الرجل نظر إلى شيبته التي نبتت وعمره الذي هو من عمر جماعته.

حيث ولد عاكف في يوليو 1928 مع مولد الجماعة، فلم يقبل أن يترك إخوانه وهو أكبرهم قامة ومقاما، وأعواد المشانق تتدلى أمام أعينهم، ويلقون العنت في سجون العسكر، الذين أَلِف عاكف أسلوبهم منذ 1954.

بالمقابل، تصر سلطات الانقلاب العسكري على عدم الإفراج عن المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين أ. محمد مهدي عاكف، الذي برأه حكم محكمة النقض، في مايو 2014، من تهم وجهت إليه بـ"إهانة القضاء"، كما يفترض أن يتم قبول نقض قضية مكتب الإرشاد، وهو ما يعني براءة له و22 آخرين من قيادات الإخوان المسلمين، ولكن دولة العساكر فضلت أن يبقى في السجن بتملصاتها المعروفة، تحت زعم خطورته على أمن الدولة.

إسماعيل والغندور

وتعاني أسرة "عاكف" مما تعانيه أسر الإخوان، فابنته علياء محمد عاكف، لمن يطالع صفحتها على الفيس بوك، يعلم أنه يجري بحقهم ما يجري مع غيرهم، من منع زيارة والدهم، وفيض دمعاتهم على عدم رؤيته، واشتياقهم لرؤيته، فضلا عن تعرفهم على أخباره من وسائل الإعلام أو "مصدر أمني"، بحسب مواقع وصحف الانقلابيين، واليوم فقط كتبت علياء أن والدها تعرض لوعكة صحية مؤخرا، واليوم الأحد نقلته إدارة سجن طره لإجراء فحوصات طبية بمستشفى قصر العيني، يعاني داخل سجون الانقلاب ما عانى منه د. طارق الغندور الأستاذ بطب عين شمس، ود. فريد إسماعيل نائب الشعب، اللذان قتلا على إثر مرضهما بسجون الانقلاب، وهما حالتان فقط من مئات الحالات التي استشهدت داخل سجون الانقلاب تحت قائمة المسمى الحقوقي "الإهمال الطبي"، ولحقهما النائب محمد الفلاحجي، والقيادي عصام دربالة.

وسبق أن أشاعت صفحات على الفيس بوك، إصابة الأستاذ المرشد السابق بالسرطان لتردي حالته الصحية، وظهوره في عدة مرات متكئا على عصاه وعلى جندي، ومتلحفا بـ"شامة" بيضاء تغطي رأسه ووجهه.

دائرة معارف

ويعتبر بعض المراقبين أن العسكر يحاولون القضاء على المفهوم الإخواني بـ"توريث الدعوة"، فيحبسون كبار السن رغم أنهم غير مشاركين فعليا في الحراك على الأرض، فضلا عن تشديد الرقابة على البعض الآخر، ومن أوائل المستهدفين، هو عاكف "دائرة معارف" الإخوان، نظرًا لكونه شاهدًا على كل عصور الجماعة.

وينسب لـ"عاكف" كونه صاحب لقب "أول مرشد عام سابق للجماعة"، حيث إنه رفض الاستمرار في موقعه بعد انتهاء ولايته، ليتم انتخاب د. محمد بديع بدلا منه.

كما أن مهدي عاكف هو مرشد الجماعة السابع، تولى منصبه بعد وفاة المستشار مأمون الهضيبي في يناير2004، وخلفه في المنصب المرشد الحالي محمد بديع "المسجون على ذمة عدة قضايا". ويقضي "عاكف" حكمًا ليس نهائيا بالسجن المؤبد (25 عامًا)، في القضية المعروفة إعلاميا بـ"أحداث مكتب الإرشاد"؛ على خلفية تهم ينفيها هو وهيئة دفاعه، من بينها "القتل والتحريض على القتل".

سجين العصور

وقبض على أ. محمد مهدي عاكف في أغسطس 1954، واتهم بتهريب "عبد المنعم عبد الرءوف" أحد قيادات حركة الضباط الأحرار بالجيش التي قامت بثورة يوليو 1952، وهو الضابط الذي حاصر قصر رأس التين المتحصن فيه الملك فاروق وأشرف على طرده، وحُكم على عاكف حينها بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة، فقضى 20 عامًا كاملة بالسجن، وأفرج عنه في عهد السادات عام 1974.

وفي شتاء 1995، بلغ التوتر في العلاقة بين الإخوان المسلمين والحكومة المصرية مداه، فشنت الحكومة حملة اعتقالات طالت الكثير من جيل الوسط بالجماعة، وقدمتهم للمحاكمة العسكرية، في مسلسل استمر أكثر من خمس سنوات.

ومثل عاكف أمام المحكمة العسكرية سنة 1996، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ليخرج عام 1999. وخلال الأسابيع الماضية، تردد اسم "عاكف" كثيرًا، ولكن الله شرفه ألا يكون من بين من أصبهم العفو من الانقلابي عبد الفتاح السيسي.