العربي الجديد

تخوض المعارضة السورية حرب حياة أو موت شرقي حلب، بعدما حسمت خيارها برفض التخلي عن المدينة، على الرغم من الضغوط الكبيرة الممارسة عليها من أطراف عدة.

وتتولى روسيا قيادة الضغوط السياسية على المعارضة بعدما كانت قد بدأتها في الفترة الماضية وصعدتها خلال اجتماعات أنقرة قبل أن تنضم إليها الولايات المتحدة الأمريكية في الأيام الأخيرة، بهدف دفع المعارضة للخروج بشكل كامل من حلب، خصوصاً مع تبني واشنطن مطالب موسكو بخروج كل فصائل المعارضة من حلب وليس فقط مقاتلي "فتح الشام" (النصرة سابقًا).

أما الضغوط الميدانية فيتولاها النظام السوري والمليشيات الحليفة له، مدعومًا بغطاء جوي روسي، ضمن مخطط يهدف لقضم أكبر قدر ممكن من الأراضي في حلب لقطع الطريق أمام أي اتفاق قد تبرمه روسيا مع فصائل المعارضة، أو لخلق واقع عسكري جديد، يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق هذا الاتفاق الذي توقعت مصادر في المعارضة السورية، ألا يرى النور بسبب تراجع الروس عن تفاهمات سابقة.

ويضاف إلى ذلك المجازر المتنقلة، والتي كانت إدلب، أمس الأحد، مسرحها الأبرز في فصل دموي جديد من حرب الإبادة ضد المدنيين السوريين، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، خصوصًا في إدلب، مع استهداف طيران النظام وروسيا بالقصف مناطق معرة النعمان والتمانعة وكفرنبل.

تعثر اجتماعات أنقرة
وجاءت المجازر الميدانية لتعكس تعثرا تشهده المفاوضات الجارية منذ أيام في العاصمة التركية أنقرة بين الروس وفصائل المعارضة المسلحة في حلب، في ظل تراجع روسي عن "تفاهمات أولية" تقضي بخروج مقاتلي جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) فقط من شرقي المدينة، وبقاء مقاتلي بقية الفصائل، مع منح الأحياء الشرقية إدارة ذاتية، وإيقاف القتال مع قوات النظام، مع تسهيل دخول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات "آمنة" للمدنيين الراغبين بالخروج.

وتوقعت مصادر من فصائل مشاركة في المباحثات، أن تصل هذه المحادثات إلى "طريق مسدود" في ظل تعنت إيراني.. وتراجع روسي.

وأكد النقيب أمين ملحيس -المتحدث باسم "جيش المجاهدين"، أبرز فصائل المعارضة المسلحة في حلب- أن فكرة الانسحاب من حلب "مرفوضة"، مشيرًا في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن المعارضة "قادرة على الصمود، وصد هجمات المليشيات الطائفية".

كما أفاد مصدر رفيع المستوى في المعارضة السورية، تحدث لـ"العربي الجديد"، بأن فصائل سورية مشاركة في اجتماعات أنقرة، تلقت رسالة من مسئول أمريكي أظهرت تبني الولايات المتحدة الموقف الروسي؛ الذي يدفع باتجاه خروج كافة مقاتلي المعارضة من حلب وليس "فتح الشام" وحدها.

وتتضمن الرسالة توجيهات من وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في روما، وهي "تطلب خروج كافة الثوار من حلب". ووفقًا للمصدر نفسه فإن الفصائل ترفض "العرض الروسي الأمريكي"، معتبرة أن مفاوضات أنقرة انتهت.

وأضاف المصدر أنه بعد التشاور مع قيادات ميدانية ومجالس محلية وفعاليات ثورة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، تقرر رفض إخلاء حلب وعدم الانسحاب إلى أي منطقة، معلنًا "أننا قررنا أن نموت بعزة وكرامة في حلب".

وأكد المصدر أن فصائل حلب لم تتلق دعمًا منذ قرابة عامين، وقبلها كان الدعم ضعيفًا، مضيفًا: "إذا أردتم دعمنا بشكل جدي، فبإمكانكم دعمنا بمضادات الطيران والسلاح النوعي والمال الكافي وليس مبالغ لا تكفي لسد الرمق"، مؤكدًا "أننا قادرون على إسقاط الأسد بقواتنا إذا قدم الدعم الكافي والحقيقي لنا".

وتجهد تركيا لإبرام اتفاق يبقي المعارضة السورية شرقي حلب، للحيلولة دون قيام إيران بـ"قضم" ثاني أهم المدن السورية والتي تقع ضمن "الحدود العاطفية" التركية.

فيما تعمل إيران على ترسيخ أقدامها في الشمال السوري، غير بعيد من الحدود التركية، في إطار إستراتيجية كبرى تسعى إلى تطبيقها، لتتحول سوريا والعراق إلى فضاء نفوذ واسع لها، في ظل مشهد دولي يُنذر بتغييرات عميقة مع قدوم إدارة أمريكية جديدة.

Facebook Comments