القلب الحنون على فقراء مصر.. لماذا صادر العسكر مؤسسات الإخوان الخيرية؟

- ‎فيتقارير

بعكس العسكر الذين جاءوا وبالًا على مصر وحربًا على الفقراء، مع موجات الغلاء الفاحش ورفع أسعار السلع والخدمات بصورة فاحشة وغير مسبوقة، منذ قرارات التعويم في 3 نوفمبر 2016م، ظلت جماعة الإخوان منذ نشأتها في مارس 1928م على يد الإمام الشهيد حسن البنا وحتى اليوم، القلب الحنون على فقراء مصر، وأسست في سبيل ذلك آلاف المؤسسات الخيرية والخدمية؛ تفعيلًا لركن الزكاة وتحقيقًا لمبدأ التكافل داخل المجتمع الإسلامي، والتي صادرها العسكر بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، في سبيل تأميم الفضاء السياسي والاجتماعي وتكريس حكمهم الاستبدادي.

وفي تفسيره لأسباب انتخاب الشعب المصري للإخوان في كل المحافل الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير 2011م، يعزو الناشط السياسي مصطفى النجار- في مقال له بعنوان «لماذا ينجح الإخوان؟.. العمل مع المجتمع»، والمنشور بصحيفة الشروق في عدد 28 سبتمير 2012م، أسباب ذلك إلى الانتشار الواسع للجماعة بين فئات المجتمع، منتقدًا عدم قدرة القوى السياسية الأخرى على فعل الأمر ذاته.

يقول النجار: «ويمكن تشبيه قسم البر بجماعة الإخوان بجمعية خيرية ضخمة هائلة الإمكانيات وشديدة التنظيم، حيث تملك قواعد بيانات منظمة ومحدثة باستمرار لكل الأسر الفقيرة التى يتم دعمها بشكل دورى مستمر، ولعل ما يجب أن يعرفه كل من يتهم الإخوان بأنهم يوزعون الزيت والسكر أيام الانتخابات فقط، أن هذه معلومة تحتاج إلى التصحيح، فقسم البر يعمل على مدار العام، وليس وقت الانتخابات فقط، مع شبكاته الاجتماعية ليس من خلال توزيع شنط غذائية فقط، بل من خلال شبكة خدمات اجتماعية تشمل مدارس ومستشفيات ومستوصفات وصيدليات، ساعدت الإخوان على بناء رأس المال الاجتماعى الذى يساعدهم بشكل مباشر فى حصد أصوات الناخبين، إذ أن كل فرد داخل هذه الشبكات التى يدعمها الإخوان يذهب صوته لمرشحى الإخوان؛ لأنهم من ساعدوه وهو يثق فيهم ويراهم الأكثر صلاحًا عن بقية المنافسين».

الطعام والقيم

ولم تقف مساعي الإخوان عند حدود توفير الطعام للجوعى والكساء للعرايا، والدواء للمرضى، والمال للمحرومين والمحتاجين، والمسكن والملاذ الآمن للمشردين وأصحاب النكبات؛ بل تجاوزت ذلك وصولا إلى توفير الحاجات النفسية والروحية للتائهين والبعيدين عن طريق الحق والاستقامة.

في سبيل ذلك طرق الإمام الشهيد الأبواب الموصدة بالعمل الدائم والتقرب للناس، وعندما لمس الرغبة الشديدة لدى النساء اللاتي كن يعملن في الدعارة للتوبة والعيش في حياة كريمة، عمد لبناء دار التائبات والبحث للصالحات منهن عن أزواج وقدم لهن المساعدة.

ويؤكد الأستاذ البنا ضرورة دمج العمل التطوعي بالعمل التربوي، فيقول في مقال له بجريدة “الإخوان المسلمون اليومية”، العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ﻫ- 5 سبتمبر 1948م: «وتهدف حركة الإخوان إلى هدفين هما:
– إحياء نظام الإسلام الاجتماعي وتطبيقه.
– المساهمة فى الخدمة الاجتماعية الشعبية، وقد ضربت مؤسسات الإخوان ومنشآتهم فيه بسهم وافر، فكل دار من دور الإخوان مدرسة ليلية، ومنتدى أدبى للثقافة والتربية، وقد أنشأ الإخوان عددًا من المدارس الأولية والابتدائية، وهم فى هذا العام سينشئون مدرسة ثانوية بالإسكندرية، كما أن لهم أكثر من عشرين مستوصفًا خيريا، وفى هذا العام افتتحوا أول مستشفى لهم بالعباسية».

قواعد العمل الخيري للإخوان

ومن أجل التخفيف عن الفقراء والمحرومين أنشأت الجماعة «قسم البر والخدمة الاجتماعية»؛ وذلك لمقاومة الجهل والمرض والفقر والرعاية عن طريق رفع المستوى الثقافي بين العامة من الشعب.

في كتابه «الإخوان المسلمون والمجتمع المصري» يقول محمد شوقي زكى: «اعتنى الإخوان المسلمون برعاية الفقراء منذ نشأة الجماعة، وأنشئوا مكتبًا للمساعدات الاجتماعية على أحدث نظم الخدمة الاجتماعية، حيث انقسمت هذه الخدمات إلى أربعة أقسام:

1- خدمات مسكنة: كإعطاء مساعدات للمحتاجين، وعادة تكون عينية إلا إذا اقتضت الضرورة أن تكون مساعدات مالية، وجمع زكاة الفطر، ولحوم الأضاحي وجلودها، لتوزيعها على المستحقين.

2- خدمات شافية: كمساعدة العاطل للحصول على عمل، وذلك بالاتصال بمصلحة العمل، وإقراض رؤوس أموال صغيرة بدون فائدة، وكذلك علاج المرض بالمجان أو نظير أجر أسمى.

3- خدمات واقية: مثل بث الدعوة الصحية بين الأسر التي يرعاها المكتب.

4- خدمات إنشائية: للارتقاء بمستوى الحياة العادي من حيث إنشاء ناد للعمال، وصغار أصحاب الأعمال الحرة، وكانت المساعدات المادية تقدم للفئات الآتية:
الأسر الكريمة التي أثخن عليها الدهر.
الأسر التي فقدت عائلها الوحيد وليس لها أي مورد.
الأسر الفقيرة التي اشتهرت بحسن السير والسلوك.

حرب على الفقر

ولم يقف الدور الاجتماعي للإخوان عند حدود تأسيس المنظمات والجمعيات الخيرية وإعانة المحرومين ماديا ومعنويا، بل كانت بدايات الجماعة تحمل توجهات نحو مواجهة الفقر، فمع بناء المساجد والمؤسسات الخيرية، اهتمت ببناء المصانع.

ويسرد الباحث عبده دسوقي- في دراسة له بعنوان «العمل الخيري عند الإخوان وآثاره التربوية في المجتمع»- نماذج من هذه المساعي، مشيرا إلى أن فهم الإخوان لشمول الإسلام دفع شُعَب الجماعة إلى عمارة المساجد، ففي شهر يونيو 1933م تم وضع حجر الأساس لمسجد بشبراخيت، ومصنع في حفل أقيم بهذه المناسبة، ترأسه بيومي نصار بك، مدير البحيرة، كما احتفلت المحمودية بافتتاح مصنع للنسيج والسجاد التابع لجمعية الإخوان بالمحمودية، وحضر الحفل مدير البحيرة».

وفي قطاع الصحة كان للإخوان نصيب وافر من توفير المؤسسات الخيرية التي ترعى فقراء مصر، حتى إن إحدى المجلات رصدت ذلك بقولها: «هذه عيادة الإخوان المسلمين وصيدليتهم تنافس المستشفيات الأميرية بما حازته من ثقة المرضى».

وحين اندلعت الحرب العالمية الثانية وأصيبت الإسكندرية من جراء الغارات، سارع الإخوان بمناشدة المجتمع بفتح بيوتهم لإيواء أهل الإسكندرية الفارين، ولم يتوقف الأمر على النداء، بل قام الإخوان بفتح شعب الإخوان لاستضافة الفارين، ونجد ذلك في الشرقية والغربية وكثير من المحافظات.

ويروى الحاج عباس السيسي في كتابه “في قافلة الإخوان المسلمين”، أنه حينما انتشر مرض الكوليرا عام 1947م، كان للإخوان دور خدمي كبير، حتى إنهم تلقوا خطاب شكر من الدكتور نجيب إسكندر باشا، وزير الصحة، جاء فيه: «ولا يسعنا إزاء هذه الوقفة الكريمة إلا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر، مُقدرين حسن معاونتكم لنا في مقاومة وباء الكوليرا.. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».

وفي عام 1954م، أنشأ الإخوان مستوصفًا ليشمل كل الحالات الفقيرة في حي إمبابة، وكان من عظيم عملهم الخيري إنشاء الجمعية الطبية الإسلامية عام 1977م، والتي افتتحت ما يزيد على 22 فرعًا لها في العديد من المحافظات لخدمة المجتمع.

العسكر والحرب على الفقراء

هذا الصرح الضخم من العمل الخيري والاجتماعي، وهذا القلب الحنون على فقراء مصر وشبابها، وجد فيه عسكر 30 يونيو عدوًا يجب استئصاله والتخلص منه في سبيل تكريس استبدادهم وقمعهم.

وجد العسكر في الإخوان المنافس الأوحد لحكمهم الاستبدادي، فشنوا الحروب المتتابعة عبر آلاتهم الأمنية القمعية وأبواقهم الإعلامية المأجورة، للتخلص من هذه الصرح الخيري العظيم، وهو ما يفسر حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الصادر في 23 سبتمبر 2013، والخاص بحظر أنشطة تنظيم وجمعية الإخوان المسلمين، وأي مؤسسة متفرعة منها أو تابعة لها، وأي منشأة تم تأسيسها بأموالها أو تتلقى منها دعما ماليا أو أي نوع من الدعم. كذلك حظر أي جمعية تتلقى التبرعات إذا كان بين أعضائها أحد المنتمين إلى الجماعة أو الجمعية أو التنظيم. أيضًا ما تبعه من إعداد مساعد وزير العدل لـ72 كشفا تضم أسماء 1055 جمعية وتجميد أموالها لارتباطها بشكل أو بآخر بالإخوان، وهى القائمة التى تم إخطار البنك المركزي المصري بتجميد حساباتها.

ثم تتابعت قرارات المصادرة التي تمثل حربًا على الفقراء، في الوقت الذي يعجز فيه العسكر عن توفير أبسط مقومات الحياة للشعب، وتركوه نهبًا للغلاء والاحتكار والفساد.