الليبرالية المصرية.. تآمرت ضد مرسي ورقصت على دماء خاشقجي

- ‎فيتقارير

النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله، مثل قديم يدرسه طلاب المرحلة الثانوية في كتاب البلاغة والأدب، ينطبق على حال الليبراليين المصريين أو من يصفون أنفسهم بذلك الوصف وهم بعيدون كل البعد عن ممارسة الموصوف به، فبينما يبحث العالم عن جثة الكاتب السعودي جمال خاشقجي، يصطف الليبراليون في إعلام الانقلاب بمصر يمارسون رياضة التضليل، يدافعون عن القاتل ويتهمون الضحية بالوحشية فقط لأنها عضت كف القاتل، بينما كان يقوم بالإجهاز عليها خنقا!.

مدّعو الليبرالية في مصر أيّدوا التدخل العسكري الذي غدر بالرئيس محمد مرسي في يوليو 2013، والواقع أن موقفهم هذا أثار حيرة العديد من المراقبين الغربيين الذين تساءلوا عن كيف يمكن لأي شخص تبنّى قيمًا ليبرالية أن يدعم انقلابًا استبداديًا أطاح برئيس منتخب ديمقراطيَا.

ولا شك أن الليبراليين والعلمانيين أصيبوا بالإحباط عندما فشلوا مرة تلو الأخرى في كسب ثقة الشعب، عندما ذهب عشرات الملايين من الناخبين المصريين بإرادتهم الحرة إلى صناديق الاقتراع ست مرات في خلال عامين، بعد إلإطاحة بنظام مبارك في الشهر الذي سبقه، فإن الشعب صوت في مارس 2011 بنسبة سبعة وسبعين في المائة في الاستفتاء لصالح خيار الإسلاميين في مصر، والذى اعتبر كخارطة طريق للمستقبل السياسي في مصر.

وما بين نوفمبر 2011 ويناير 2012، صوت الشعب لصالح الأحزاب الإسلامية التي نجحت بأغلبية كبيرة في انتخابات مجلس الشعب 73%، وانتخابات مجلس الشورى 80%، وفي يونيو 2012، انتخب الشعب المصري للمرة الأولى في تاريخه وبأغلبية بسيطة مرشحًا مدنيًا من الإخوان المسلمين كرئيس للبلاد في انتخابات حرة ونزيهة، وأخيرا أقر أغلبية الشعب المصري بنسبة 64% الدستور الجديد للبلاد، وتدخلت المحكمة الدستورية العليا التي عيّن مبارك جميع أعضائها وقاموا بإلغاء قانون الانتخابات أيام الرئيس مرسي.

ليبرالية زائفة

لا تسهل الإجابة عن هكذا سؤال، ولكن إذا تمعنّا في تطور وفهم الحالة الذهنية والسلوك المحيّر لليبراليين الذين يتكتلون اليوم حول السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ومقارنة ذلك بالأسس التي أنشأتها الولايات المتحدة للنظام الليبرالي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكان الهدف منه ضمان عدم عودة الظروف التي أفضت إلى نشوب حربين عالميتين، وشرعت الدول الديمقراطية في إنشاء نظام دولي يتسم بالليبرالية في استناده إلى حكم القانون واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها، وكان المفترض أن تحظى فيه حقوق الإنسان بالحماية.

إلا أنه وبعد الجريمة العالمية التي انطلقت من القنصلية السعودية في تركيا، يمكن القول إن النظام العالمي الليبرالي المضمحل لم يعد ليبراليا ولا عالميا ولا نظاما، بعد المذابح في سوريا واليمن ومصر وليبيا والعراق والروهينجا وكشمير ومسلمي الصين.

واستهزأت كوريا الشمالية بالإجماع الدولي القوي ضد انتشار الأسلحة النووية، ووقف العالَم موقف المتفرج من الكوابيس الإنسانية بسوريا واليمن، ولم يفعل شيئا يُذكَر في إطار الأمم المتحدة أو أي إطار آخر، للرد على استخدام الحكومة السورية لأسلحة كيميائية، وتحولت فنزويلا إلى دولة فاشلة، واليوم أصبح واحد من كل مائة شخص في العالم لاجئا خارج بلده أو نازحا داخلها.

القوى الكبرى في العالَم اليوم الداعمة للظلم في كل بقعة في الأرض ومنها مصر، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والهند واليابان، تستحق الانتقاد بسبب ما تفعله، أو تمتنع عن فعله، أو للأمرين، لكن الولايات المتحدة ليست مجرد دولة أخرى، بل كانت المهندس الرئيس للنظام العالمي الليبرالي وداعمه الأساسي، كما كانت أيضا المستفيد الرئيس منه.

حول السيسي

وعلى هذا؛ فإن القرار الذي اتخذته أمريكا بالتخلي عن الدور الذي اضطلعت به أكثر من سبعة عقود يمثل نقطة تحول، ومن غير الممكن أن يتمكن النظام العالمي الليبرالي من البقاء بمفرده، لأن آخرين يفتقرون إلى الاهتمام بدعمه أو السبل اللازمة لدعمه، وستكون النتيجة الحياة في عالَم أقل حريةً، وأقل ازدهارا، وأقل سِلما، للأمريكيين وغيرهم على حد سواء.

وانبثق مفهوم الجيش المصري كـ“قوة ليبرالية” خلال حكم محمد علي باشا، وبالنسبة للمصريين، تثير فكرة بأن “رجالنا الأوفياء يحاربون من أجل وطننا” ثقة عميقة في الجيش كمنقذ مصر، وما زالت راسخة حتى اليوم، ولعب عبد الناصر دورًا حاسمًا في تهميش جماعة “الإخوان المسلمين”، فيما أتاح لهوية مصممة حديثًا أن تطغى على السياسة المصرية والمجتمع المصري.

ولقيت هذه الهوية الجديدة ترحاب العديد من المصريين، فالليبراليون تبنوا مفهوم “الجيش الليبرالي” وتغلغلت هذه الفكرة في الذهنية الجماعية للأمة، وما الإنتاجات السينمائية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي سوى أمثلة صارخة عن هذا التمجيد للجيش وجنوده، وتأججت في وجه النزعة الإسلامية العلنية للرئيس مرسي، وبعد انقلاب العام 2013، نجح الجيش في استعادة صورته كحامي القيم الليبرالية الكلاسيكية في مصر، التي ليس من بينها بالطبع حماية حقوق الإنسان.