“المكارثية السيساوية” نهج انقلابي هستيري.. أحدث حلقاته فصل “الموظفين الإخوان”

- ‎فيتقارير

بدأ خطر “المكارثية السيساوية”، التي تعني تأسيس ثقافة الخوف وتكميم الأفواه والاتهام بلا دليل وتقسيم الشعب إلى شعبين، يمتد إلى حلقات انتقام أوسع عبر استغلال القضاء في فصل الموظفين الإخوان بدعاوى أن الانضمام للإخوان “جريمة مخلة بالشرف”!.

“المكارثية” التي تعني اغتيال الخصوم السياسيين معنويًا عبر اتهامات كاذبة تطعن في شرفهم ووطنيتهم، وتبيح التنكيل بهم وإقصاءهم، هي نهج ظهر في أمريكا في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي السوفيتي والرأسمالي الأمريكي، مطلع الخمسينيات، وكانت التهمة حينئذ هي الاكتفاء بوصف شخص بأنه شيوعي ليتم التنكيل به وفصله من عمله وحبسه وملاحقته.

وسُميت في أمريكا باسم السيناتور الجمهوري “جوزيف مكارثي”، أما في مصر وفي ظل الانقلاب العسكري، فقد مورست في صورة هيستريا من “الإخوان” وتحميلهم المسئولية عن كل شيء، واتهامات كاذبة، وحملة تشويه عنصرية، حتى أصبحت “المكارثية السيساوية” تطال الجميع وليس الإخوان فقط.

آخر حلقات تلك “المكارثية” التي تحولت لحالة هستيرية ضد خصوم السيسي السياسيين من جماعة الإخوان الذين عمل فيهم قتلا وسجنا وتشريدا، وسط تصفيق من أنصاره والمخدوعين به، هي بدء سلطة الانقلاب خطوات لفرز من تقول إنهم “الموظفون الإخوان”، تمهيدا لفصلهم وتشريدهم.

وسبقت سلطة الانقلاب ذلك باستصدار حكم من قضاء الانقلاب، في 28 أكتوبر 2018م، عبر “المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية”، بتأييد قرار وزارة الخارجية إنهاء خدمة أحد العاملين بها بدعوى “ثبوت انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين”، يمكن اعتباره سابقة لفصل أي موظف وتجريده من وظيفته بدعوى أنه “إخوان”.

 100 ألف موظف

وسبق أن كشفت مصادر إعلامية عن أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وبناء على أوامر أمنية بدأ في مراجعة ملفات 112 ألف موظف، تقول الأجهزة الأمنية إنهم التحقوا بالجهاز الإداري للدولة في عهد الرئيس محمد مرسي، وطالبت الأجهزة الأمنية بمراجعتها وإنهاء خدمة من يثبُت منهم انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين.

ونقلت التقارير عن مسئولين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، أن جهاز الأمن الوطني طالبهم بفحص الملفات؛ لقناعته بأن هناك عددا كبيرا من الموظفين المنتمين للإخوان أو المتعاطفين معهم متوغلون في الجهاز الإداري للدولة، وأن تقديرات الأجهزة الأمنية لأعداد هؤلاء يصل إلى 100 ألف موظف في مستويات إدارية مختلفة.

ويشير نفس المسئولين إلى أن الجهاز كلف موظفين لديه بمراجعة ملفات القضايا السياسية بالمحاكم والنيابات لحصر أعداد الموظفين المعتقلين والصادر بحقهم أحكام لانتمائهم للإخوان، وطبقا للإحصاء فإنهم توصلوا لوجود 5 آلاف موظف معتقل حاصلين على أحكام نهائية أو أحكام من الدرجة الأولى والثانية وخاصة بوزارات التربية والتعليم والأوقاف والتنمية المحلية والتعليم العالي.

وترددت أنباء عن فصل حوالي 200 موظف في مجلس النواب ووزارتي الخارجية والعدل، من الوظيفة العامة أو نقلهم إلى هيئات خدمية لا تناسب خبراتهم أو مؤهلاتهم تابعة لوزارات النقل والزراعة والتعليم، وذلك بعدما أجريت تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين العاملين في كل الجهات الحساسة بالدولة في الفترة من إبريل/ إلى يوليو 2018، ونتج عنها تحديد أسماء هؤلاء الموظفين الذين تم استبعادهم.

وتبع هذا قول صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، إن «هناك بعض الجهات الحكومية أخطرت الجهاز بأسماء موظفين يعملون لديها، وينتمون للجماعات المحظورة والإرهابية»، وأن هذه الجهات هي المسئولة والمختصة باتخاذ إجراءات مع الذين يثبت انتماؤهم لهذه الجماعات، طبقا لـ«قانون الخدمة المدنية»، الذي يشترط توافر النزاهة والكفاءة لدى موظفي الدولة.

المكارثية السيساوية

هذه المكارثية السيساوية بدأت بشيطنة الإخوان وتصويرهم على أنهم “أعداء الشعب”، و”تيار الشر”، و”هما شعب واحنا شعب”، ومن ثم تبرير قتلهم واستصدار فتاوى من علماء السلطان بقتل الجيش والشرطة لهم، ثم اتهامهم بالمسئولية عن كل جريمة أو حادث حتى ولو كان ارتفاع الأسعار، وانتهت بتقديم أي معارض إلى المحاكمة بتهمة “مكارثية” من نيابة الانقلاب بتهمة “الانضمام لجماعة محظورة”، حتى وصل الأمر إلى اتهام مسيحيين وشيوعيين وناصريين بنفس التهمة!.

وبدأت المجزرة الكبرى حين أصدر السيسي، قائد الانقلاب، قرارًا عام 2016م بتجميد أموال أي شخص يجري اتهامه بأنه “إخوان”، فأصبح الباب مفتوحا أمام أي بلاغ من أي شخص أو جهة عن أي إنسان بأنه يحمل أفكار الإخوان المسلمين، كافيا للحكم عليه بموجب قضاء الانقلاب، سواء بنهب أمواله أو سجنه أو إعدامه، لتصبح المكارثية السيساوية أكثر بشاعة من الأمريكية.

وتفشت هذه المكارثية السيساوية بسبب فشل الانقلاب اقتصاديًا وسياسيًا وتصاعد غضب الجماهير، والرغبة في توفير وسائل قانونية شكلية للقمع، فضلا عن وسائل أخرى لفصل الموظفين عشوائيا لتوفير أموال لسلطة الانقلاب المفلسة، بادعاء أن موظفين هم من “الإخوان”، ومن ثم فصلهم وضمان أن تساندهم محاكم الانقلاب ولا تقبل دعاوى تظلُّم هؤلاء.

شهداء "رابعة والنهضة" 5 سنوات على مذبحة القرن

تطليق النساء

وتمددت هذه المكارثية إعلاميًّا بالدعوة إلى تطليق النساء من أزواجهن الإخوان، ومطالبة سكان الحي والمنزل الواحد بالإبلاغ عن جيرانهم الإخوان، وفصل الطلاب الإخوان من الجامعات والمدارس، بل وسحق واستئصال الإخوان تمامًا كما حدث مع النازيين في ألمانيا، بحسب دعوة رئيس مؤسسة “أخبار اليوم”، اليساري ياسر رزق يوم 8 أغسطس 2018.

ودخل في نطاقها السعي للانتقام من أبناء وأسر الإخوان، مثل اعتقال ابنة الشيخ القرضاوي وتلفيق تهم لها هي وزوجها لمجرد الخصومة مع أبيها، وتلفيق تهم لأبناء الرئيس مرسي وسجنهم، وكذلك أبناء الإخوان خاصة الدكتور محمد البلتاجي.

وامتد الأمر إلى دعوة وزير أوقاف الانقلاب مختار جمعة، الشعب المصري إلى عدم الاختلاط أو التعامل مع أعضاء الجماعة أو حتى مع المتعاطفين معهم، معتبرا أنهم أشد خطرًا على المصريين من الأمراض الفتاكة، مثل الإيدز والفيروسات القاتلة، على حد زعمه!.

ثم تطور الأمر بإعلان النائب البرلماني وعضو “ائتلاف دعم مصر” الحاكمِ محمد أبو حامد، في 6 أغسطس 2018، نيته التقدم بمشروع قانون جديد إلى البرلمان في دورته المقبلة، يقضي بفصل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من وظائفهم في الجهاز الإداري للدولة.

قوائم الإرهاب

وضمن هذه المكارثية البشعة ضد الشرفاء بدعاوى الانتماء للإخوان، توسعت سلطة الانقلاب في إصدار قوائم ما تصفه بـ”الإرهاب”، التي ضمت المئات من المصريين، سواء كانوا من الإخوان فعلا أو من غير الإخوان، مثل اللاعب الشهير محمد أبو تريكة، ورجل الأعمال المعروف صفوان ثابت، والناشط اليساري المعروف هيثم محمدين وغيرهم.

ولم ينجُ من هذه المكارثية، الصحفيون الذين لا ينتمون إلى الإخوان، حيث تم فصل صحفيين واعتقال وسجن آخرين، منهم الصحفي عبد الواحد عاشور، مؤسس ورئيس تحرير صحيفة “بوابة القاهرة”، والصحفي مصطفى صقر مؤسس صحيفتيْ “البورصة” و”ديلي نيوز إيجيبت” (التي نشر السيسي نفسه فيها عام 2014 مقالا عن الاقتصاد المصري)، وعمر الشنيطي صاحب سلسلة “مكتبات ألف”.

الظلم إلى زوال

مثلما انتهت المكارثية الأمريكية إلى زوال، وعوقب من ظلموا آلاف الأمريكان بدعاوى أنهم شيوعيون لمجرد أنهم انتقدوا السلطات الأمريكية حينئذ، لن يكون مصير المكارثية السيساوية أفضل حالا، خاصة أنها فاقت كل ما سبقها من تنكيل واتهامات كاذبة وظالمة للخصوم.

وتدلل التجارب التاريخية على أن الظلم إلى زوال مهما علا بطشا وطال زمنا، واللحظة الراهنة هي لحظة التأرجح بين الفشل وزيادة أكاذيب الانقلاب لتبرير الفشل وتحميل الآخرين مسئوليته.

والأهم إدراك أن المقصود من هذه المكارثية ليس الإخوان فقط، ولكن كل معارضي وأنصار ثورة يناير التي بدأ الانقلاب يكشر عن أنيابه ويعلن عن عدائه لهم علنًا، والأمر لا يستثني أحدًا، فقد طال الأمر استبعاد سفراء ودبلوماسيين بقرارات من السيسي لأنهم من مؤيدي ثورة يناير أو من المتعاطفين مع الإخوان، وطال أساتذة جامعات ومدرسين وموظفين.. وغيرهم الكثير.