بعد تصريحات “رئيس التنظيم والإدارة”.. محاكم التفتيش تلاحق الموظفين الإخوان

- ‎فيتقارير

حالة من الهستيريا تصيب أركان النظام العسكري وحكومة الانقلاب تجاه كل ما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، كان آخر هذه المظاهر الفاشية تجاه المنتمين للجماعة أو حتى المتعاطفين معها وصولا إلى الرافضين للنظام من كل الأطياف والأيديولوجيات، التصريحات التي أطلقها الدكتور صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة التابع لحكومة الانقلاب، التي كشف فيها أن «هناك بعض الجهات الحكومية أخطرت الجهاز بأسماء موظفين يعملون لديها، و”ينتمون للجماعات المحظورة والإرهابية”.

هذه التصريحات تمثل صورة من أبشع صور الفاشية ومحاكم التفتيش التي تلاحق الموظفين بناء على أفكارهم وانتماءاتهم السياسية فهم محل تنكيل وتهديد بالفصل ما داموا رافضين للنظام ويصفون ما جرى في 03 يوليو 2013م بانقلاب عسكري.

وأضاف رئيس التنظيم والإدارة أن كل جهة ترسل أسماء موظفين ينتمون للجماعات المصنفة إرهابية هي المسئولة والمختصة باتخاذ إجراءات مع الذين يثبت انتماؤهم لهذه الجماعات، طبقا لـ«قانون الخدمة المدنية»، الذى يشترط توافر النزاهة والكفاءة لدى موظفى الدولة، متابعا أيضا الجريدة الرسمية تنشر باستمرار أسماء الموظفين الذين يثبت انتماؤهم للجماعات الإرهابية”.

محاكم التفتيش

ويتعرض الإخوان والمتعاطفون معهم منذ انقلاب 30 يونيو 2013م، لما يشبه محاكم التفتيش التي نصبتها الكنيسة الكاثوليكية لمخالفيها بأوربا في العصور الوسطي ومورست بحقهم أعلى درجات البطش والتنكيل وأشكال التعذيب الوحشي لإجبارهم على الإيمان بما تؤمن به الكنيسة.

فقد تعرض الإخوان والمتعاطفون معهم للقتل والاعتقال ومصادرة الأموال لا لشيء سوى أنها شاركوا بقوة في ثورة 25 يناير وتمكنوا من الفوز برئاسة الجمهورية والبرلمان في أنزه انتخابات شهدتها مصر عبر تاريخها كله.

في السياق كشفت مصادر قضائية في هيئة النيابة الإدارية، أنّ هناك اتجاها متناميا داخل النيابة بدأ منذ عامين يتوسّع في قاعدة الاشتباه داخل الجهات الإدارية المختلفة. إذ صدرت تعليمات لإدارات الشؤون القانونية في مختلف المصالح الحكومية لإعداد قوائم بالموظفين المشتبه بانتمائهم لجماعة الإخوان، وقدّمت هذه القوائم لجهاز الأمن الوطني، وتمّ إجراء تحريات عليهم”، مضيفةً أنه “من ثبت انتماؤه للإخوان أو تورطه في أي مخالفة، كان يتم التحقيق معه ومجازاته أو وقفه عن العمل، وبعضهم طعن بالقرارات أمام مجلس الدولة ولكن لم تصدر الأحكام إلى الآن”.

الفصل لمجرد الانتماء!

وحاليا يواصل نظام العسكر الدموي انتقامه ممن تبقى من الإخوان عبر التهديد بالفصل من الوظيفة لمجرد الشبهة في الانتماء للجماعة؛ حيث أصدرت محكمة إدارية تابعة لمجلس الدولة، أواخر أكتوبر الماضي 2018م، حكمين يشوبهما البطلان وعدم الدستورية، الأول يتعلق بفصل موظف إداري بوزارة الخارجية بعد إدانته بحكم نهائي بالانضمام لجماعة “الإخوان المسلمين” ومعاقبته بالسجن ثلاث سنوات، والثاني بفصل ضابط شرطة بوزارة الداخلية، لوجود “شبهة” بتعاطفه مع الجماعة وانتمائه إليها، بعدما وزّع مشروبات ومأكولات على جيرانه ابتهاجا بمقتل النائب العام الراحل هشام بركات.

ويفتح الحكمان الباب أمام صدور أحكام نهائية بفصل وعزل أو الإحالة للتقاعد للمئات من الموظفين الحكوميين بحجة الانتماء للإخوان، الأمر الذي لم يعد مجرّد تهمة جنائية تنسبها النيابة العامة والمحاكم الجنائية للمتهمين الذين لا يرتكبون جرائم حقيقية، كالإرهاب والاتفاق والتخطيط والمساعدة، وذلك تطبيقاً لقوانين جديدة صدرت بعد عام 2013، فقد أصبح مجرد الانتماء جريمة في حد ذاته.

وبهذه الأحكام المشبوهة تعدت حالة الهستيريا داخل أروقة النظام، مرحلة الاتهام الجنائي، فأصبح الانتماء للإخوان “جريمة مخلّة بالشرف”، بتعبير المحكمة التي أصدرت الحكمين معتبرةً أنّ الانتماء للجماعة يعكس “ضعفا في الخلق، وانحرافا للطبع، وخضوعا للشهوات، مما يزري الشخص ويوجب احتقاره وتجريده من كل معنى كريم، فلا يكون جديرا بالثقة، ولا يكون أهلاً لتولي المناصب العامة، التي تقتضي في من يشغلها التحلي بخصال الأمانة والنزاهة والشرف واستقامة الخلق”.

حسن السمعة

وانتهزت المحكمة عدم تحديد المشرع أسبابا على سبيل الحصر لفقدان حسن السمعة والسيرة الحميدة، ولم يشرح في أي قانون معنى “الجريمة المخلة بالشرف”، بل تركها مرنة تحدّدها المحاكم على مختلف أنواعها ودرجاتها، فيبدو وكأن المحكمة ساوت بين الانتماء لجماعة سياسية وارتكاب أفعال فاحشة كانت سبباً في حرمان الموظفين العموميين من مناصبهم، وحرمان المواطنين من الترشّح للمناصب النيابية، كممارسة الدعارة والسرقة والاختلاس والاستيلاء على المال العام، والتحرش بالزملاء جنسيا في العمل، والتزوير.

لكن الخطورة تكمن في الحكم الصادر ضدّ ضابط الشرطة تحديدا والذي يتضمّن معنىً آخر يزيد خطورة، وهو أنّ المحكمة أيّدت إحالة الضابط للاحتياط أو التقاعد “لمجرد الاشتباه” في انتمائه أو تعاطفه مع الإخوان. فالضابط في هذه الحالة لم يرتكب جريمة يعاقب عليها القانون، وهو ليس متهماً في قضية جنائية (عكس موظف الخارجية)، بل إنّ أفعالاً قد نسبت إليه تشي بتعاطفه مع الجماعة، علماً بأنه نفاها في التحقيقات.

ويؤكد الخبير الدستوري، المستشار حسن أنور، أن تكييف المحكمة لمواد قانون الخدمة المدنية تكييف سياسي وليس قانونيا، لأن الدستور الذي يمثل سلطة أعلى من القانون جرم التفرقة بين المواطنين بسبب الدين أو اللون أو الانتماء أو الجنس، وأكد على المساواة بين المصريين في الحقوق والواجبات، وبالتالي فإن ما صدر عن المحكمة يمكن أن يكون محل نزاع أمام المحكمة الدستورية العليا. لافتا إلى أن كل هذه الإجراءات سياسية وليس لها ضابط قانوني، وبالتالي فإن تطبيقها على أي موظف سوف يؤدي لفصله استنادا للحكم السابق، بما يساعد الحكومة في التخلص من أكبر قدر من الموظفين، بحجة أنهم من الإخوان.

دسائس وانقسامات

بحسب محللين ومراقبين فإن هذه التوجهات الجديدة لدى النظام سوف تعزز من سلوكيات الدسائس والوشاية بين الموظفين، وسوف تفضي إلى مزيد من الانقسام الحاد داخل المجتمع بما يجعله ينزف من لحمته وتماسكه والذي بدأ في النزيف منذ انقلاب 30 يونيو.

وبمجرّد صدور الحكم، أخرجت إدارات النيابة الإدارية المختلفة من الأدراج قوائم الاشتباه والتحقيق التي أعدتها الجهات الحكومية المختلفة، إذ بات مشرعناً الآن إجراء تحقيقات مع الموظفين لمجرد الاشتباه في انتمائهم للإخوان أو لأي تيار سياسي آخر سبق أن صدر حكم باعتباره إرهابيا كحركة” 6 إبريل” أيضا.

وثمة أنباء أنه تم رصد 40 دبلوماسيا وموظفا يشتبه بانتمائهم للإخوان في وزارة الخارجية، وفي وزارة التربية والتعليم سبق أن أرسل الوزير الأسبق محمود أبو النصر قائمة بأكثر من 300 معلم على مستوى الجمهورية إلى جانب نحو 120 معلماً حصرتهم النيابة العامة متهمين في قضايا جنائية ذات طابع سياسي أيضاً. وفي وزارة الكهرباء تحوم الشبهات حول 200 موظف، أمّا في وزارة الصحة، فيقترب الرقم من 400 موظف. كذلك، هناك العشرات من الموظفين الذين سبق الإبلاغ عنهم للأمن الوطني في وزارات النقل والتموين والزراعة والري.

ويستبعد خبراء قبول طعون الموظف والضابط، وإلغاء الحكمين رغم ما يشوبها من بطلان وعدم دستورية، ذلك أن “مجلس الدولة شأنه شأن باقي الهيئات القضائية بات يسبح في فلك النظام، خصوصاً بعد تعيين رئيسه الحالي أحمد أبو العزم، باختيار السيسي، خرقاً لقاعدة الأقدمية التي كانت متبعة منذ تأسيس القضاء المصري وحتى إبريل 2017”.

هذه التوجهات الفاشية تتسق أيضا مع توجهات النظام نحو تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة بنحو 4 ملايين موظف حتى 2021 تلبية لشروط صندوق النقد الدولي.