صراع الأجهزة يطيح بحمدي رزق من رئاسة تحرير “المصري اليوم”

- ‎فيتقارير

في أبريل الماضي تم الإطاحة برئيس تحرير المصري اليوم الكاتب الصحفي محمد السيد صالح، على خلفية أزمة المانشيت الشهير “الدولة تحشد الناخبين”، حيث اعتبرته السلطة العسكرية إهانة لها وغمزا في شعبية الجنرال السيسي التي تآكلت ما دفع النظام كله لحشد الناخبين الذين لا يرغبون في المشاركة.

وتم حجب موقع الصحيفة لعدة أيام، رغم أن المانشيت مهنيا صحيح ولا غبار عليه مطلقا. وعلى الفور، تحرك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وغرَّم الصحيفة 150 ألف جنيه، فضلاً عن إحالة «محمد السيد صالح»، رئيس تحرير الجريدة (حينها)، إلى التحقيق بمعرفة نقابة الصحافيين، ولم تمضِ أيام حتى تقرر الإطاحة بالرجل من منصبه؛ عقاباً له على هذا الخطأ الذي رأته الرئاسة فادحاً. بخلوّ المنصب، طُرحت أسماء عديدة لخلافة السيد صالح، من داخل الجريدة أو خارجها، لم يكن حمدي رزق من ضمنها، لكن مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تدخَّل لدى مالك الجريدة صلاح دياب ولدى عبد المنعم السعيد رئيس مجلس إدراة الجريدة؛ لإقناعهما بأن حمدي رزق هو الرجل المناسب للمرحلة، مؤكداً لهما أن «رزق هيعرف يسيطر على العيال».

وبعد 5 شهور فقط قررت إدارة المصري اليوم في 10 سبتمبر الجاري، الإطاحة بحمدي رزق من رئاسة التحرير وتعيين عبداللطيف المناوي قائما بأعمال رئاسة التحرير حتى يتم اختيار شخص مناسب للمنصب المهم بالصحيفة التي يملكها رجل الأعمال صلاح دياب.

صراع الأجهزة

وقال مصدر مطّلع في “المصري اليوم” إن الإطاحة برزق جاءت في إطار صراع الأجهزة “السيادية” غير المُعلن على طريقة إدارة الصحف الخاصة، بعد إدخالها جميعاً في طوع النظام الحاكم، مضيفاً،، أنّ فوزي يرتبط بعلاقات جيدة مع دوائر مقربة من مؤسسة الرئاسة، وساءه لعب رزق دور الوصاية على مقالاته، ومنع أحدها من النشر، اعتقاداً منه أن هذا هو السبيل للحفاظ على منصبه كرئيس للتحرير.

وكان الإعلامي القبطي مفيد فوزي قد نشر فوزي مقالاً في الصحيفة قبل أيام قليلة، هاجم فيه رزق بضراوة، قائلاً: “هل أنت رقيب على ما نكتب في ثياب رئيس تحرير؟ وهل أنت مسؤول أمام صلاح دياب، وعبد المنعم سعيد، أم أمام شخص آخر لا نعرفه؟ هل أنت المفتش العام الذي يقرأ كل كلمة، ويزنها بمكيال الدولة؟ هل أنت أحد رجالات الوالي، ومطلوب منك أن تحافظ على توازن السفينة؟!”. وأضاف فوزي: “مانشيت الجورنال الرئيسي، هل تكتبه بنفسك، أم من الممكن أن يكتبه أحد مساعديك وتراجعه؟ وهل من الضروري أن يكون إنجازاً… ولم لا يكون تساؤلاً مجتمعياً مُلحاً؟ دعني أسألك: ما الأخطاء التي تتجنبها كرئيس تحرير؟ هل التطبيل أحد الأدوات – كما يتصور البعض – لإرضاء الرئيس؟ هل بعض التكدير لمسؤولين يُكدر الرئيس، أم هو مع النقد حتى الإصلاح؟”.

مشاكل بالجملة

وبحسب هذه المصادر بالمصري اليوم فإن قرار تعيين رزق في أبريل الماضي كان خطوة مفاجئة للجميع لأن رزق لم يعمل بجرائد يومية من قبلُ، وأن خبرته كلها في مجلات أسبوعية، لكن السياسة والتوصيات لعبت دوراً حاسماً في جلوسه على عرش الجريدة الأوسع انتشاراً في مصر.

مع حضور «رزق»، بدأت المشاكل والشكاوى تنتشر داخل الجريدة، فالرجل يبدو أنه «صدّق نفسه وكان عاوز يسيطر بغشم»، على حد تعبير أحد رؤساء أقسام الجريدة، بحسب “عربي بوست” قائلاً: «الأستاذ رزق كان من أول يوم عنيف جداً؛ بل قد أستطيع القول إنه لم يكن مهذباً»، وتابع المصدر قائلاً إن الرجل أتى ولديه يقين بأنه مدعوم من الأمن ومن مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى للإعلام، المقرب من السيسي، ومهمته الأولى كانت السيطرة على الجريدة وإخضاع العاملين بها».

لكنه بدأ في افتعال المشاكل مع زملائه الصحافيين! وتابع المصدر قائلاً: «فمثلاً، قرر رزق أن على إيهاب الزلاقي، رئيس التحرير التنفيذي للجريدة، أن ينزل بنفسه إلى الشارع لعمل تحقيق، وهو تصرُّف غير مفهوم، وغريب على المهنة أن يُطلب من مسؤول بحجم إيهاب أن ينفذ عملاً ميدانياً! كان الهدف بالطبع كسر الرجل وإرسال رسالة للجميع بأنه لا كبير هنا غيري ولا مقام سواي».

لم يكن «الزلاقي» هو من اصطدم به «رزق» فقط؛ بل إنه -والحديث هنا لصحافي شاب بالجريدة- دخل يوماً صالة التحرير غاضباً؛ بسبب خبر عادي، وقال بغضب عارم: «مش هرحم أي إخواني ولا شيوعي هنا يا ولاد الجز**»، مطلقاً سباباً لاذعاً ضد كل الصحافيين في صالة التحرير! وهو ما أغضب العاملين، فتقدموا بشكوى إلى الدكتور عبد المنعم السعيد رئيس مجلس الإدارة، الذي وعدهم بأن هذا لن يتكرر.

لكن «رزق»، المملوء بشعور المدعوم من الأجهزه السيادية، لم يتوقف عن السباب وإهانة الصحافيين، لدرجة أنه هدد أحد الزملاء على مرأى ومسمع من الجميع بأنه «سيعتقله»، ليتوجه الزميل بشكوى لمالك الجريدة، الذي هدّأ من روعه وطلب منه تناسي الواقعة.

القشة التي أطاحت بصبي الأمن

لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت محاولة «رزق» تغيير تركيبة الجريدة، فـ»المصري اليوم» قائم منذ بدايته على فكرة التوازن، والفصل بين الورقي والموقع؛ لخلق مساحات مناورة للجريدة وملّاكها. لكن «رزق» أراد تغيير هذا النظام؛ إذ أراد تركيز كل الصلاحيات في يده، وتهميش -أو ربما إلغاء- دور رئيس مجلس الإدارة كمايسترو وحَكم بين الأفرع المختلفة، وهو بالطبع ما لم يحظَ بقبول لا العاملين على إدارة الموقع، ولا عبد المنعم السعيد نفسه، الذي استشعر بتغول «رزق».

بدا «السعيد»، بشكل غير مباشر، يشجع الصحافيين على الوقوف بوجه «رزق»، ونصرهم في أكثر من واقعة، لينفجر رزق (العصبي المزاج) ويهينهم ويتورط أكثر. وفي النهاية، لم يجد «رزق» أمامه إلا أن يُخطر رئيس مجلس الإدارة بأنه هنا في مهمة وطنية، وأنه لا يمكنه القيام بتلك المهمة ما دام الموقع خارجاً عن سيطرته، وما دامت الإدارة تدعم الصحافيين المنفلتين، على حد تعبيره المتكرر.

تشاور الدكتور عبد المنعم السعيد مع مالك الجريدة، الذي رأى أن رزق «عامل له مشاكل» وأن المبيعات تراجعت جداً في عهده، وأنه لا معنى لإعطائه مزيداً من الصلاحيات؛ بل لا معنى للإبقاء عليه أصلاً. وبالفعل، أخطر «رزق» بأن طلبه مرفوض وأن استقالته مقبولة! ليجد الرجل نفسه فجأة مبعَداً عن منصبه، الذي لم يدم له طويلاً.