فدائيو أراضي 48.. انتماء وطني وبطولات تواجه عنصرية إسرائيل

- ‎فيعربي ودولي

عادت عمليات المقاومة التي ينفذها فلسطينيو الداخل الفلسطيني المحتل، لتثير الرعب في الكيان الصهيوني، بعد عملية الدعس الأخيرة التي نفذها فلسطيني من مدينة شفا عمرو صباح الأحد (4-3) بمدينة عكا المحتلة.

وقد بدا الإرباك واضحا على بيانات شرطة الاحتلال وأجهزة الأمن “الإسرائيلية”، فخرجت بيانات متتالية تحمل معلومات متضاربة حول طبيعة الحدث ودوافعه.

بدأ الحديث عن عملية دعس اعتيادية، ثم تطور إلى حديث عن عملية دعس بدوافع انتقامية، بعد تحرير مخالفة مرورية للسائق، ثم استقر الأمر على عملية بدوافع “قومية”، وهو التعبير الذي تستخدمه دوائر الأمن الصهيونية في وصف عمليات المقاومة.

مكان عملية عكا

هذا التضارب في تفسير دوافع هذه العملية وغيرها من العمليات التي ينفذها فلسطينيو الداخل، يكشف بشكل جلي سعي دوائر الأمن لامتصاص الصدمة ومنع انتشار حالة من الهلع والذعر في صفوف “الإسرائيليين”، وفق محلل الشؤون العبرية بـ”المركز الفلسطيني للإعلام”.

أبرز العمليات الفدائية

وعلى مدار سنوات النضال الفلسطيني، لم تنقطع مشاركة فلسطينيي الداخل في المقاومة جنبا إلى جنب مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يؤكد أنهم ما زالوا جزءا أصيلا من مكونات الشعب الفلسطيني، وفشل كل محاولات “إسرائيل” لإبعادهم عن قضايا شعبهم، لا سيما أنهم لم يسلموا طول الوقت من عنصرية وجرائم الاحتلال.

ومنذ انتفاضة القدس في أكتوبر 2015، سجل فلسطينيو الداخل المحتل، حضورا مميزا ومحطات هامة في المقاومة وتنفيذ العمليات الفدائية، أولاها عملية الدعس والطعن في الخضيرة التي نفذها علاء زيود من مدينة أم الفحم، بتاريخ 2015/10/11، وأدت لإصابة أربعة “إسرائيليين” منهم جنديان.

الشهيد مهند العقبي

وفي 2015/10/18 نفذ مهند العقبي من النقب عملية بمحطة الباصات المركزية في بئر السبع، طعن خلالها جنديا، واستولى على سلاحه، واشتبك مع أفراد الشرطة، ما أدى لمقتل جندي وإصابة عشرة آخرين، قبل أن يستشهد.

وفي بداية عام 2016 نفذ الشاب نشأت ملحم من بلدة عارة عملية إطلاق نار في شارع “ديزنغوف” بتل أبيب، أسفرت عن مقتل صهيونيين وإصابة 10 آخرين، وتمكن من الانسحاب والاختفاء، لتتحول “تل أبيب” إلى مدينة رعب، إلى أن استشهد بعد أسبوع.

وفي 2017/7/14 نفذ ثلاثة شبان من أم الفحم عملية على أبوب المسجد الأقصى، باستخدام بندقية “كارلو” ومسدس وسكاكين، قتلوا فيها اثنين من أفراد شرطة الاحتلال.

وفي 2017/11/30 نفذ الشاب خالد أبو جودة من النقب عملية طعن قتل فيها جنديا “إسرائيليا” بمحطة حافلات لنقل الجنود بمدينة عراد، واستولى على سلاحه.

منفذو عملية الأقصى

ونفذ عبد الحكيم عاصي، وهو شاب فلسطيني من مدينة نابلس بالضفة لكنه يحمل الهوية الزرقاء، عملية طعن شمال سلفيت الشهر الماضي، قتل فيها حاخام يهودي، قبل أن يتمكن من الانسحاب والاختفاء حتى اليوم.

مزايا فريدة

وتكتسب العمليات التي ينفذها فلسطينيو الداخل مزايا عديدة تجعلها أشد تأثيرا، حتى ولو كانت خسائرها المادية في صفوف “الإسرائيليين” محدودة أحيانا.

ففلسطينيو الداخل، وبحكم حملهم الهوية الزرقاء، يتمتعون بحرية التنقل بين أرجاء الأرض المحتلة عام 1948، ويساعدهم إلمامهم باللغة العبرية في سهولة التنقل ودخول التجمعات “الإسرائيلية”.

كما أن احتكاكهم اليومي بالإسرائيليين وتواجدهم في التجمعات السكانية اليهودية يجعلهم أكثر قدرة على معرفة مواطن الضعف فيها وانتقاء الأهداف بعناية، بل ابتداع أساليب نوعية في المقاومة.

هذه المخاوف المتصاعدة بعد كل عملية، والتي تغذيها كثيرا أجواء الكراهية والعنصرية تجاه فلسطينيي الداخل، تضاعف قلق “إسرائيل” ممن عدّتهم منذ النكبة “قنبلة موقوتة”، لا يمكن التكهن متى ولا أين ولا كيف ستنفجر.

جانب من الجنازة العسكرية للشهيد نشأت ملحم بغزة

وعلى سبيل المثال، يشير محلل الشؤون العبرية بالمركز، أن عملية نشأت ملحم في تل ابيب، ضربت مشاعر الأمن والثقة بالنفس لدى “الإسرائيليين”، لا سيما أنها وقعت في قلب المدينة الرمز، وأن منفذها انسحب وظل طليقا أسبوعا.

ويتابع “لذا، وفي محاولة لتعزيز الشعور بالأمن واستعادة الثقة والهيبة، حرصت أجهزة الأمن ووسائل الإعلام الصهيونية على طمأنة جمهورها عبر الحديث عن عمليات تفتيش تجريها في الضفة بالتعاون مع أجهزة السلطة”.

كما حرصت على تصوير عملية قتل الشهيد ملحم وكأنها قصة نجاح بطولية، وتعمدت القنوات التلفزيونية نشر صور متكررة بشكل ملفت لجثمان الشهيد الذي فجّر الرصاص رأسه وسط بركة من الدماء.

تحرك باتجاهين

وتحاول دوائر الأمن الصهيونية التقليل من أثر هذه العمليات باتجاهين، الأول عبر امتصاص الصدمة بإصدار بيانات أولية ترجح بأن الحدث هو مجرد حادث اعتيادي، ومن ثم تبدأ بالحديث عن الدوافع القومية.

الأسير علاء زيود

ويترافق مع الاعتراف بالدوافع القومية تسريب معلومات هدفها التقليل من خطورة العملية ومنفذها، مثال: الحديث عن ماضٍ إجرامي أو أخلاقي سيئ للمنفذ، أو أنه يعاني من مشاكل أسرية، أو اضطرابات نفسية، أو خلافات في العمل.

وفي الاتجاه الآخر، تعمل على اتخاذ إجراءات عقابية صارمة بحق المنفذين، كسحب الجنسية كما حدث مع علاء زيود، أو طرد أقاربهم إلى الضفة كما حدث مع والدة خالد أبو جودة.

مخاوف علنية

ولم تعد سرا مخاوف الدوائر الأمنية الصهيونية من انخراط فلسطينيي الداخل في عمليات المقاومة، مع ارتفاع وتيرة هذه المشاركة.

وقبل شهرين نشر الخبير الأمني بصحيفة “معاريف” العبرية يوسي ميلمان، تقريرا قال فيه: إن أجهزة المخابرات قلقة من المخاطر التي تواجه “إسرائيل” من هجمات مسلحة ينفذها شبان فلسطينيون آباؤهم من الضفة أو غزة ممن تزوجوا بفلسطينيات من الداخل.

وأضاف: “المعطيات المتوفرة لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية تفيد بأن نسبة هذه العائلات المختلطة من العدد الإجمالي لفلسطينيي الداخل تقترب من 5%، بعدد يقدر بمائة ألف نسمة، لكنهم يشكلون 15% من نسبة المنخرطين بتنفيذ العمليات.

عملية طعن في النقب

وهذه النسبة تأخذ بالازدياد في أوساط الفلسطينيين من سكان النقب، حيث يشكل أبناء العائلات المختلطة 12% من النسبة الإجمالية للسكان.

وتشير المعطيات إلى أنه بين عامي 2000- 2017، بلغ عدد الشبان الفلسطينيين من النقب المشاركين في عمليات المقاومة 44 شابا، وشملت نشاطاتهم: تحضير عمليات، وتجنيد منفذين، وجلب مساعدين، ونقل أموال لأنشطة المقاومة، وحيازة سلاح ووسائل قتالية.

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية عن مصدر أمني “إسرائيلي” كبير، فإن العائلات العربية المكونة من مثل هذا الزواج المختلط تشكل بيئة مهيأة لتجنيدها من التنظيمات الفلسطينية المسلحة، بسبب توفر جملة عوامل مشجعة لهم، خاصة الدوافع الأيديولوجية للأزواج الفلسطينيين القادمين من الضفة وغزة.