على عكس ما تروج له ماكينة الأكاذيب الموالية للعسكر، بأن «شهادة أمان» جاءت كلفتة إنسانية من جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي لضمان مستقبل أفضل لملايين المصريين من العمالة المؤقتة، يرى خبراء اقتصادٍ أن التفاصيل المنشورة عن تلك الشهادة تكشف أنها عملية نصب على الفقراء من جهة، وإتاوة على شركات المقاولات من جهة أخرى، وتتشابه مع شهادات تفريعة القناة التي تسببت في خسارة كبيرة لأصحابها بعد تآكل قيمة الجنيه بعد قرارات التعويم وغلاء الأسعار.
وكشف موقع “مصراوي”- في تقرير له أمس الأحد 18 مارس 2018م- أن البنوك الأربعة المخصصة لبيع شهادات أمان، وهي الأهلي ومصر والقاهرة والزراعي المصري، جمعت نحو “490,3” مليون جنيه منذ طرحها منذ أسبوعين، نقلا عن مصرفيين في هذه البنوك.
وتزعم الحكومة المصرية أنّ هذه الشهادات تستهدف توفير حماية تأمينية للعمالة الموسمية والمؤقتة، والعمال الذين ليس لهم دخل ثابت، والمرأة المعيلة، بما يضمن استقرار أسرهم في حالة الوفاة؛ لكنها متاحة لجميع المواطنين المتراوحة أعمارهم بين 18 عامًا و59.
وتتوفر شهادة «أمان المصريين» بفئات 500 و1000 و1500 و2000 و2500 جنيه، مدتها ثلاث سنوات، تُجدد تلقائيًا مرتين فقط، بفائدة سنوية 16% تصرف في نهاية مدتها؛ بعد خصم الأقساط التأمينية التي تتراوح بين أربعة جنيهات و20 جنيهًا شهريًا، بحسب الفئة المشتراة؛ وتتيح لمشتريها الاختيار بين الحصول على معاش شهري لمدة خمس سنوات أو عشر، أو تعويض نقدي يستفيد منه ورثته بعد وفاته.
أين أموال التأمينات
ووفقا للخبير الاقتصادي عبد التواب بركات- في مقاله المنشور أمس الأحد 18 مارس بصحيفة “العربي الجديد” بعنوان «في غياب الدولة.. لا “أمان” للمصريين»- فإن «إجمالي قوة العمل في مصر يبلغ نحو 28.9 مليون عامل، وتمثل العمالة غير المنتظمة نحو 11.3 مليون عامل، 25% منهم في قطاع الزراعة، و12% في التشييد والبناء. ويحظى 49.2% فقط من قوة العمل بخدمات تأمينية اجتماعية، ما يعني أن 14.2 مليون عامل بلا تأمينات اجتماعية في مصر، وحوالي 57% من القوة العاملة بلا خدمات تأمين الصحي، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي».
ويضيف بركات أن أموال التأمينات لدى الخزانة العامة للدولة بلغت 755 مليار جنيه، ما يعادل 42.89 مليار دولار، وهي حقوق اقتطعت من الموظفين والعمال ووضعت الحكومة يدها عليها، ولا يوجد اتفاق جدولة لسداد تلك الأموال حتى الآن، ولو رُدت هذه الأموال وتم استثمارها بشفافية لغطت كل مستحقي المعاشات من المصريين، لكن السيسي لا ينوي رد هذه الأموال، ويرى أرباب المعاشات أن الحكومة تماطل في إصدار قانون التأمينات والمعاشات الموحد خشية إلزامها برد هذه الأموال».
إتاوات على الشركات
واعتبر بركات هذه الشهادات دعوة مشبوهة وإتاوات يفرضها الجنرال على الشركات، مستشهدا بتصريحات السيسي خلال تدشين مدينة العلمين الجديدة بأنه أمر رجال الأعمال، وشركات القطاع الخاص، المتعاقدين مع وزارة الإسكان والهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة، بدفع مبلغ 2.5 مليون جنيه عن كل ألف عامل متواجدين في الشركة، للتأمين عليهم بوثيقة تأمين، واشترط عليهم التنفيذ خلال 15 يوما فقط.
ويشير إلى أن العوائد الادخارية لهذه الشهادة هزيلة، تمامًا كما أخبر السيسي أن “العائد بتاعهم مش كبير” إذ لا يتجاوز عائد الشهادة فئة 500 جنيه بعد خصم قسط التأمين، مبلغ 96 جنيها بعد ثلاث سنوات، ولا يزيد عن 288 جنيها بعد 9 سنوات كاملة، ولا تزيد نسبة الفائدة بعد خصم قيمة أقساط التأمين عن 6.4%!.
ومع تراجع القدرة الشرائية للجنيه بمرو الشهور والسنين، مدفوعةً بمعدلات التضخم المتصاعدة، تصبح هذه النسبة خسارة وليست أرباحا، لاسيما أن معدل التضخم السنوي قد وصل في 2017 إلى 28.5%.
اتحاد مقاولي التشييد والبناء يقول إن شركات المقاولات تُسدد بالفعل مئات مليارات الجنيهات لهيئة التأمينات على مدار السنوات الأخيرة، وإن أي شركة مقاولات لا تصرف مستخلصات المشروعات دون سداد قيمة التأمينات على العمالة بالمشروع، وأن العمالة غير المنتظمة لم تستفد بهذه الأموال بأي شكل، لأن هيئة التأمينات تشترط أن يسدد العامل اشتراكا شهريا للتأمينات حتى يستفيد منها.
وقال عضو مجلس إدارة الاتحاد، أيمن عبد الحافظ، في تصريحات، إن مليارات الجنيهات لا نعرف مصيرها، ما يجعل اقتراح السيسي لا محل له، والأولى أن يمكن السيسي هؤلاء العمال من حقوقهم الضائعة، لا أن يمص دماءهم ويطالبهم بشراء شهادات تأمين مقابل 500 جنيه أو 2500 جنيه.
وبحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، فإن الأدق أن نطلق عليها شهادات “نصب” بعد أن جمعت الحكومة أكثر من “400” مليون جنيه خلال أسبوعين؛ مؤكدا أن المستفيد الأول والأخير منها الحكومة، خاصة وأنّ المتحكم في القيمة الزمنية للمال السيسي، عبر القرارات الاقتصادية برفع الأسعار».