منها إحراج الأوروبيين.. لماذا يُجدد الرئيس أردوغان احتقاره لزعيم الانقلاب؟

- ‎فيتقارير

جدَّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هجومه الذي يؤكد فيه احتقاره لزعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي، حيث كشف عن قيام وسطاء من أجل المصالحة بينه وبين جنرال العسكر، لكنّه شدّد على عدم قبوله بذلك مطلقًا؛ استنادًا إلى أمرين: الأول أن نظام السيسي تأسس على انقلاب عسكري اتسم بأعلى درجات الفاشية والعنصرية، واعتقل الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي وأركان حكومته المنتخبة ديمقراطيًّا. ثانيا: لأن السيسي يمضى على خطى عتاة الطغاة والجبابرة في انتهاكات حقوق الإنسان، وإعدام الشباب الأبرياء في محاكمات سياسية افتقدت لمعايير العدالة والنزاهة.

هجوم أردوغان، اليوم الخميس 14 مارس 2019م، على السيسي جاء في سياق انتقاده لمواقف الغرب عمومًا، ودعم حكوماته التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان للنظم المستبدة في المنطقة العربية والإسلامية، حيث انتقد سلوك الاتحاد الأوروبي مع قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، مؤكدًا أنها تتابع القضية ولو تطلب الأمر سوف توصلها إلى المحكمة الدولية. حيث تساءل أردوغان: “هل رفع الأوروبيون أصواتهم ضد قاتل الصحفي المسلم (خاشقجي) بشكل وحشي في إسطنبول؟”

أما بشأن مواقف الغرب المشينة تجاه دعم نظام السيسي، قال الرئيس التركي مخاطبًا الاتحاد الأوروبي: “إذا كان الإعدام محظورًا في الاتحاد الأوروبي فكيف تستجيبون لدعوة السيسي لحضور مؤتمر شرم الشيخ؟ فهو مرتكب مجزرة”. وأضاف “لو كنتم مخلصين حقيقة، ولو كنتم ديمقراطيين لما لبّيتم دعوة دولة تُعمل آلية الإعدام بهذا الشكل، فأنتم لم تشعروا في قلوبكم بألم الشباب الذين أعدموا، لا سيما التسعة الذين أعدموا مؤخرًا”.

وكان الرئيس التركي قد هاجم- في تصريحات متلفزة في مقابلة مع محطتي Kanal D وCNN TURK التلفزيونيتين المحليتين، يوم 24 فبراير 2019م- موقف الاتحاد الأوروبي الداعم لنظام الطاغية عبد الفتاح السيسي، وشنَّ وقتها الرئيس التركي هجومًا حادًّا على موقف الاتحاد الأوروبي والذي كان يشارك فيما تسمى بالقمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ المصرية، وأكد أنه يحب الصراحة في الحديث، ولفت إلى أن الذين يدعون رفض الانقلابات في العالم لم يتخذوا موقفًا ضد السيسي الذي أطاح بمحمد مرسي عبر انقلاب. وأضاف: “بل على العكس، استقبلوا السيسي بالسجاد الأحمر”.

واتهم الرئيس التركي تلك الدول الداعمة للنظم المستبدة في المنطقة العربية والإسلامية، بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في 15 يوليو 2016. وأضاف: ”لطالما قلت عن السيسي إنه انقلابي ولم أُخفِ ذلك، لكن للأسف الدول الغربية ما زالت ماضية بكل إصرار في دعم الانقلابيين، وظهورُهم بمظهر المتردد مقلق”. ووصف أردوغان الإعدامات التي يقوم بها نظام السيسي في مصر بـ”الجريمة ضد الإنسانية”. وتساءل الرئيس التركي: أين الغرب من هذا؟ هل تسمعون صوت الغرب؟ وهل فعل أي شيء حيال هذا الأمر؟”

ردًّا على ابتزاز أوروبا

هجوم الرئيس التركي، اليوم الخميس، على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يستهدف به إحراج الحكومات الأوروبية والاتحاد الأوروبي في المقام الأول؛ وذلك ردًّا على طلب البرلمان الأوروبي، أمس الأربعاء 13 مارس 2019م،  تعليق مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، من دون أن يذهب إلى حد الدعوة إلى وقفها تمامًا، في نص تم تبنّيه بغالبية 370 صوتًا مؤيدًا و109 أصوات معارضة وامتناع 143 عن التصويت.

وتذرع البرلمان الأوروبي بما أسماه سجل تركيا السيئ في مجال احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون وحرية وسائل الإعلام ومكافحة الفساد، وكذلك رفضهم للنظام الرئاسي في تركيا؛ وهو ما تراه تركيا ابتزازًا رخيصًا؛ ذلك أن تركيا تعرضت لمحاولة انقلاب سافرة على تجربتها الديمقراطية حظيت بدعم من الحكومات الأوروبية والأمريكان؛ إضافة إلى أن النظام الرئاسي معمول به في فرنسا وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

بالتزامن مع هجوم الرئيس التركي على تحالف الثورات المضادة بالمنطقة العربية؛ تصاعد حرب التصريحات بين تركيا والكيان الصهيوني، حيث وصف الرئيس التركي رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بـ”السارق وقاتل أطفال فلسطين”، في أحدث موجة من الخلافات المتصاعدة منذ سنوات بين أنقرة وتل أبيب.

واشتعلت الأزمة على خلفية تصريحات نتنياهو حول “يهودية الدولة العبرية”، واعتبار تركيا هذه التصريحات “عنصرية”، قبل أن يرد نتنياهو لاحقًا بمهاجمة أردوغان ووصفه بـ”الديكتاتور”.

وفي خطاب جماهيري بالعاصمة أنقرة، أول أمس الثلاثاء، قال أردوغان: “نتنياهو.. عد إلى رشدك، فأنت الظالم الذي يقتل الأطفال الفلسطينيين وهم بعمر السبع سنوات”، مضيفًا: “لماذا يحاكم نتنياهو وزوجته؟ يحاكم بتهم السرقة، إنه سارق”. وحول الاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى، قال أردوغان: ”بإذن الله لن يستطيع أحد أن يُنسينا قضية القدس، ما دامت هذه الأمة قائمة على قدميها”، مضيفا: “سيجدوننا أمامهم في كل هجوم يتعرض له مسجدنا المبارك، ولن نلتزم الصمت حتى لو صمت الجميع”.

وانتهزت تركيا تصريحات نتنياهو، التي وصفها الناطق باسم الحكومة التركية إبراهيم قالن بالعنصرية، وهاجم مواقف الاتحاد الأوروبي المخزية قائلا: “أدين هذه العنصرية الصارخة وهذا التمييز”، مضيفا: “يعيش 1,6 مليون عربي مسلم في إسرائيل، هل ستتحرك الحكومات الغربية أو أنها ستصمت مرة أخرى تحت الضغط؟!”

الجارديان تدين صمت بريطانيا

في السياق ذاته، نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للمحامي المتخصص في القانون الدولي، ريس ديفيس، انتقد فيه موقف الحكومة البريطانية من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر؛ حيث قال إن بريطانيا تعد أكبر مستثمر أجنبي في مصر، لكن في القمة العربية الأوروبية الأخيرة كانت رئيسة الوزراء تيريزا ماي هادئة بشكل غريب بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر!.

ويجد ديفيس أن “غياب موقف أخلاقي من قيادة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حول استخدام عقوبة الإعدام أمر صادم، لافتا إلى أن هذا الموقف الأوروبي الصادم يمنح فرصة للرئيس التركي لانتقاد الموقف الأوروبي؛ مضيفًا “بالطبع سيتم إخبارنا بأن القرار كان قرارًا قضائيًّا، لكن [في مصر] العدالة والانتخابات، كله كلام فارغ، فهناك نظام استبدادي، بل شمولي”.

وينوه الكاتب إلى أنه “منذ وصل السيسي إلى الحكم عام 2014، ثم تمت إعادة انتخابه العام الماضي بعد حصوله على 97% من الأصوات- وهي نسبة قد تجعل أي من ديكتاتور يخجل- استمر في قرض البنى الديمقراطية في مصر، فشرع في تجريد القضاء من أي استقلالية، بالإضافة إلى محاولة وقحة لتغيير الدستور للسماح له بأن يمدد رئاسته حتى عام 2034، بالإضافة إلى أن التعديلات الدستورية المقترحة ستضعف ما تبقى من استقلالية للجهاز القضائي المصري، فالتعديلات التي يقترحها السيسي ستمنحه السلطة للسيطرة على تعيين كبار محامي الادعاء ورؤساء أهم الهيئات القضائية، وستمنحه سلطة على الميزانيات القضائية، ومدة الخدمة في المناصب المختلفة”.