4 مخاوف تكشف أسباب إصرار “السعودية” على رفض تدويل قضية “خاشقجي”

- ‎فيتقارير

يصر النظام السعودي الذي يهمين عليه ولي العهد محمد بن سلمان على رفض تدويل التحقيقات بشأن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية مطلع أكتوبر الماضي، ويصر على نزاهة جهات التحقيق القضائية في بلاده وأنها سوف تجرى تحقيقات شفافة تكشف فيها عن المتورطين والآمرين بالجريمة.

وقد كشف النظام السعودي عن رفضه لتدويل التحقيقات مرتين:

الأولى: على لسان وزير الخارجية عادل الجبير اليوم الخميس 15 نوفمبر، وقال الجبير في مؤتمر صحفي بالرياض إن بلاده ترفض اقتراح تركيا إجراء تحقيق دولي في قضية خاشقجي، مشيرا إلى أن المملكة أرسلت مذكرات إلى الجانب التركي للحصول على المزيد من الأدلة، وأن أنقرة لم تستجب لذلك.

والثانية: قبل ذلك بعدة أيام على لسان رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل، مشددا على أن بلاده لن تقبل بإجراء تحقيق دولي، معلنًا رفضها أي تدخل أجنبي، كما هو حال الكثير من الدول التي ترفض التدخل في الجرائم التي جرت على أراضيها أو ارتكبها مواطنوها، على حد قوله.

الفيصل وخلال ندوة بمعهد السلام الدولي في نيويورك الجمعة الماضية كشف أن أمريكا ذاتها رفضت التدخل في التحقيق في الانتهاكات بحق المعتقلين في سجن أبو غريب بالعراق، وعليه فإن المملكة لن تقبل التحقيق الدولي في قضية تمثل شأنًا سعوديًا، واصفًا النظام القضائي السعودي بأنه فعال وسليم، وأن التحقيق سيأخذ مجراه.

تصريحات الجبير وتركي الفيصل تعكس قلقًا داخليًا بشأن الولوج في هذا المستنقع، الذي قد يقوض نظام آل سعود ويفقده الكثير من نفوذه وسمعته، محليًا ودوليًا، وهو ما ستسعى الرياض لتجنبه بشتى السبل مستخدمة في ذلك ما تمتلكه من مصادر للنفوذ، المالي والسياسي.

مواقف تعزز التدويل

من المواقف التي تعزز التوجه نحو التدويل الإصرار التركي بالمقابل؛ حيث تصر تركيا على كشف جميع ملابسات الجريمة وكشف المتورطين والأهم من ذلك من أمرهم بالجريمة وأتاح لهم تحريك فرق أمنية من أجهزة متعددة وكذلك استخدام طائرات تابعة مباشرة لولي العهد السعودي.

وكانت تركيا قالت إن امتناع السعودية عن الكشف عن مدبري عملية الاغتيال يستدعي تحقيقا دوليا، في حين أكد الرئيس رجب طيب أردوغان مرارا أن الأمر بتصفية خاشقجي صدر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية.

وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، قد صرح أمس الأربعاء 14 نوفمبر، بضرروة فتح تحقيق دولي في القضية وأنه بات “شرطًا تركيًا”، في أعقاب اليأس التركي من إجراء النظام السعودي تحقيقا شفافا يكشف المتورطين في الجريمة ومن أمرهم بها.

فتركيا من جانبها أبدت مرارا استنكارها من المماطلة السعودية، ورفضت تقديم “كبش فداء” لإبعاد التهمة عن ولي العهد السعودي باعتباره من يقف حقيقة وراء الجريمة وتكليف فريق الاغتيال بها، بحسب التسريبات التي كشفت عن اتصال ماهر المطرب قائد فريق الاغتيال بأحد مساعدي “بن سلمان” بعد الجريمة قائلا: “أبلغ سيدك أن المهمة قد انتهت” وتشير “نيويورك تايمز” الأمريكية أن المقصود بعبارة “سيدك” تشير صراحة إلى محمد بن سلمان.

العامل الثاني الذي يعزز التوجه نحو التدويل دعوات منظمات حقوقية دولية الأمين العام للأمم المتحدة بفتح تحقيق في الواقعة، وهو ما تفكر المنظمة في الاستجابة إليه حسبما جاء على لسان فرحان حق نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة حين قال: “نواصل مراقبة التحقيقات الجارية حاليًّا وسنرى ما سيتم التوصل إليه فيها والمنظمة ستتصرف بناءً على ذلك”.

ضغوط وانتقادات

العامل الثالث الذي يعزز التوجه نحو إجرء تحقيقات دولية، أن حكومات فرنسا وألمانيا تتعرض إلى ضغوط داخلية وانتقادات حادة من جانب منظمات حقوقية بسبب مبيعات الأسلحة للسعودية، عزز من هذه الضغوط ما تم كشفه من أدلة جديدة بشأن مقتل خاشقجي التي صعدت من وتيرة الهجوم على حكومتي البلدين.

ورغم أن دعوة البرلمان الأوروبي لفرض القيود على بيع الأسلحة للرياض غير ملزمة غير أن هذه هي المرة الثانية في أقل من شهر يسعى فيها عدد من النواب الأوروبيون إلى تبني قرار بفرض عقوبات على المملكة في أعقاب مقتل الصحفي السعودي وهو ما قد يؤخذ بعين الاعتبار في ظل تصاعد بورصة الانتقادات.

العامل الرابع، هو الضغوط الإعلامية التي تمارس على البيت الأبيض، إضافة إلى فوز الديمقراطيين بأغلبية الكونجرس، وهو ما يمثل ضغوطا كبيرة على مواقف الإدارة الأمريكية المضاربة والتي تنحاز إلى مسار إفلات بن سلمان من العقوبة والحيلولة دون توريطه في الجريمة باعتباره يمثل مصلحة عليا للإدارة الأمريكية، سواء على مستوى المصالح الاقتصادية وصفقات السلاح أو حتى على مستوى حماية المصالح الأمريكية في المنطقة وضمان حماية الكيان الصهيوني.
لكن الإعلام الأمريكي مدعوما من قيادات تشريعية داخل مجلسي الشيوخ والنواب تحجم من حرية ترامب في التعاطي مع توجهاته لذلك تصدر منه أحيانا بعض التصريحات المهددة للسعوديين والتي يمكن تفسيرها في سياق الابتزاز وتحقيق أعلى منفعة لواشنطن.

لماذا يخاف السعوديون؟

من جانبها تخشى الحكومة السعودية من تدويل القضية؛ لأسباب مفهومة؛ فالرفض جزء من استراتيجية تحجيم التحقيقات ومحاولات غلق ملف القضية والتستر على تورط ولي العهد السعودي في الجريمة والتي تؤكد كل الأدلة أن فريق الاغتيال الذي يتشكل من أجهزة أمنية متعددة وتم منحه صلاحيات واسعة في استخدام جميع إمكانات المملكة وطائرات تابعة لولي العهد وحراسه الشخصيين لم يكن لهم أن يرتكبوا جريمة كهذه إلا بقرار سياسي من أعلى هرم السلطة خصوصا وأن “بن سلمان” يمسك بجميع مفاصل الحكم في بلاد الحجاز.

الأمر الثاني، أن رفض التدويل يأتي مخافة أن يكشف المتورطون عن الحقائق الصادمة في الجريمة وأن بن سلمان كان على علم مسبق بجميع تفاصيلها، وأن ما عرضته النيابة السعودية اليوم الخميس أن “خاشقجي” مات في شجار بعد أن رفض العودة هو وراية جديدة كاذبة؛ لأنه إذا كان الهدف استرجاعه؛ فلماذا كانت أدوات القتل؟ ولماذا كان هناك خبير تشريح وخبير سموم؟ ولماذا “الدوبلير”؟ لذلك تركيا ترد هذه الرواية الكاذبة أن قرار قتل خاشجقي صدر من الرياض قبل أن يأتي فريق الاغتيال.

ثالثا، يمثل رفض الرياض تدويل القضية خوفا من كشف العدالة وعدم ثقة كذلك في المتورطين إذا جرت تحقيقات من جانب جهات لا تخضع لسيطرة ولي العهد ولا النظام السعودي، فلماذا يقبل “كبش الفداء” أن يحكم عليه بالإعدام أو السجن فداء لولي العهد الذي أصدر الأمر بالجريمة بالكيفية التي جرت تماما؟

رابعا، التحقيقات الدولية بكل تأكيد سوف تكشف حقائق أخرى صادمة ولذلك فإن التحقيق الدولي يعني تقويض حكم سلمان ونجله، كما أنه بكل تأكيد سيحرم ولي العهد من الصعود على كرسي العرش كما يطمح بحكم بلاد الحرمين 50 سنة قادمة، بخلاف أنه سوف يؤدي إلى توقيع عقوبات دولية على النظام السعودي خصوصا بعد أن باتت فضيحته على كل لسان في العالم حتى لو أفلت ولي العهد جريمة خاشقجي. فهل سيصعد على عرش بلاد الحرمين معتوه قاتل منبوذ من كل شعوب الأرض؟!