رفض الانقلاب وفضح مبارك.. مواقف تاريخية لـ”محمد عمارة” وهكذا انتقم منه السيسي

- ‎فيتقارير

رفض المفكر الراحل د.محمد عمارة، 89 عاما، الانقلاب العسكري على الرئيس المدني المنتخب الشهيد الدكتور محمد مرسي، يوم 3 يوليو 2013، والمسار الديمقراطي الذي كان نتيجة ثورة 25 يناير 2011، وأصدر بيانًا لبيان موقفه الواضح، طالب فيه بالعودة إلى المسار الديمقراطي واحترام إرادة الشعب، وعودة الجيش إلى ثكناته. واعتبر أن عزل الرئيس مرسي "باطل شرعًا وقانونًا هو وكل ما ترتب عليه".

وبسبب موقفه أثار عليه هجمة انتقاد شرسة من وسائل الإعلام والدوائر المؤيدة للانقلاب، فضلا عن إزاحته لاحقا من رئاسة تحرير مجلة الأزهر.

وترأس د.عمارة تحرير مجلة الأزهر، فكانت تطبع في فترته ستين ألف نسخة بعدما كانت تطبع قبله ستة آلاف، فقد أحيا المجلة واستكتب فيها رموز الفكر والفقه في عصرنا، وقد كُتبت عن المجلة في عهد عمارة رسالة ماجستير.

5 دلائل

وأصدر الدكتور محمد عمارة- رحمه الله- بيانًا حول الانقلاب العسكري يوليو 2013 قال فيه:

"كنت أحسب أن موقفي لا يحتاج إلى إعلان، لكن أمام تساؤل البعض فإنني أقول:

1ـ إن ما حدث في 3 يوليو 2013 هو انقلاب عسكري على التحول الديمقراطي الذي فتحت أبوابه ثورة 25 يناير 2011، والذي تمت صياغته في الدستور الجديد الذي حدد قواعد التبادل السلمي للسلطة عن طريق صندوق الاقتراع، كما هو متبع في كل الدول الديمقراطية.

2ـ إن هذا الانقلاب العسكري إنما يعيد عقارب الساعة في مصر إلى ما قبل ستين عاما، عندما قامت الدولة البوليسية القمعية، التي اعتمدت سبل الإقصاء للمعارضين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح الشعب المصري كله معزولا سياسيا، يتم تزوير إرادته، ويعاني من أجهزة القمع والإرهاب.

3ـ إن هذا المسار ـ الذي فتح هذا الانقلاب أبوابه ـ لن يضر فقط بالتحول الديمقراطي للأمة، وإنما يضر كذلك بالقوات المسلحة، وذلك عندما يشغلها عن مهامها الأساسية، وفي الهزائم التي حلت بنا في ظل الدولة البوليسية عبرة لمن يعتبر.

4ـ ويزيد من مخاطر هذا الانقلاب، أن البعض يريده انقلابا على الهوية الإسلامية لمصر، التي استقرت وتجذرت عبر التاريخ، وفي هذا فتح لباب الفتنة الطائفية التي ننبه عليها ونحذر من شرورها.

5ـ إن الدستور الذي استفتى عليه الشعب قد أصبح عقدا اجتماعيا وسياسيا وقانونيا وشرعيا، بين الأمة والدولة، وبموجب هذا العقد فإن للرئيس المنتخب ديمقراطيا بيعة قانونية وشرعية في أعناق الأمة، مدتها أربع سنوات، والناس شرعا وقانونا عند عقودهم وعهودهم، ومن ثم فإن عزله بالانقلاب العسكري باطل شرعا وقانونا، وكل ما ترتب على الباطل فهو باطل.

وقى الله مصر مخاطر هذا الانقلاب وهيأ لها من أمرها رشدًا".

تجربة الإخوان

وعن تجربة الإخوان، قال د.عمارة: إن "الإخوان لم تتح لهم الفرصة كي تكون لهم تجربة يحاسبون عليها، نعم لهم تجربة في التنظيم، جعلتهم التنظيم الوحيد الذي لا تخلو منه مدينة على ظهر هذه الأرض، ولهم تجربة في معاناة الاضطهاد والقهر والسجون والمعتقلات وتقديم الضحايا، تفوقوا فيها على سائر أصحاب الأيديولوجيات".

وأضاف، لكنهم في الحكم وإدارة الدولة لم تتح لهم الفرصة للتجربة، لقد امتلكوا رأس الدولة، ولم يمتلكوا الآليات التي يديرون بها الدولة، بل كانت هذه الآليات تابعة للنظام القديم المعادي لهم، وهم وإن نجحوا على المستوى الجماهيري، في استفتاء مارس 2011، وانتخابات مجلس الشعب، ومجلس الشورى، ورئاسة الجمهورية، والاستفتاء على الدستور.

واستدرك قائلا: إن آليات الدولة القديمة، والقوى المؤيدة لها، وكذلك أصحاب الأيديولوجيات المرعوبة من جماهيرية الإخوان، والسلفيين وبالذات الذين لهم علاقة بدول الخليج، كل هؤلاء لعبوا دورا في تشويه صورة الإخوان، وتحالفوا جميعًا على حرمانهم من حقهم الدستوري في تجربة حظهم مدة 4 سنوات، فكان مثلهم كمثل الذي قال فيه الشاعر القديم: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء.

بيان المفكر الإسلامي محمد عمارة بشأن الانقلاب على الرئيس محمد مرسي

من زمن فات | بيان المفكر الإسلامي محمد عمارة بشأن الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي

Posted by ‎الجزيرة – مصر‎ on Saturday, February 29, 2020

نظام مبارك

ولتقارب المدى الزمني بين هلاك الطاغية مبارك ووفاة الدكتور محمد عمارة، نشر د.منير جمعة مقالا للدكتور محمد عمارة بعنوان "خطايا نظام العار" نشرته صفحة "كلمة حق" بالاقتباس من كتابه: "ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف".

وقال: "يتساءل البعض: لماذا ثار الشعب المصري في هذه الثورة الشعبية العارمة والشاملة والسلمية، المنقطعة النظير ـ في العمق.. والصدق.. والشمول.. تلك الثورة التي فجرها الشباب في 25 يناير سنة 2011م – 21 صفر 1432هـ؟!..

للإجابة عن هذا السؤال.. ولفهم هذه الحقيقة، علينا أن ندرك أن هذه الثورة إنما تفجرت ضد كم هائل من "الخطايا" التي تراكمت على امتداد ثلاثة عقود ـ ولم تكن مجرد اعتراض على عدد من "الأخطاء"..

(1) لقد صرحت مصادر صهيونية ـ قبل أسابيع من تفجر هذه الثورة ـ بأن نظام حسني مبارك إنما "يمثل كنزًا استراتيجيًا للأمن الإسرائيلي"!.. وهذا التصريح الصهيوني إنما يشير إلى "عار" لم يسبق له مثيل في نظم الحكم التي تعاقبت على حكم المصريين ـ في مصر، والتي هي كنانة الله في أرضه، حامية الإسلام والعروبة على مر التاريخ.

(2) ونظام العار هذا ـ الذي تفجرت هذه الثورة لاقتلاعه ـ هو الذي عرض على الغزو الأمريكي الغربي للعراق سنة 2003م.. ذلك الغزو الصليبي الصهيوني الإمبريالي الذي حقق مصالح الأعداء عندما دمر العراق ـ وهو القوة الأولى في المشرق العربي ـ وصنع بذلك مأساة من أكبر مآسي العرب والمسلمين والقرن العشرين ـ تجزئة العراق ـ وسيطرة أمريكا والتشيع الصفوي على مقدراته ـ وتحويل ثلث شعبه ـ نحو من عشرة ملايين ـ إلى شهداء وأرامل ويتامى ولاجئين.

(3) ونظام العار هذا هو الذي أيد الغزو الأمريكي/ الغربي لأفغانستان سنة 2001م، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي "بوش الصغير" قد أعلن أن هذا الغزو إنما يأتي في سياق حملة صليبية على الإسلام والمسلمين.. كما أعلن ـ بعد عامين من ذلك التاريخ ـ إبان حربه على العراق ـ أنها "حرب عادلة بالمقاييس التي وضعها القديس "أوغسطين" (354 – 430م) و"توما الإكويني" ( 1225 – 1274م ) و"مارتن لوثر" ( 1483 – 1546م) وغيرهم"!!..

(4) ونظام العار هذا هو الذي أيد الغزو الإثيوبي الصليبي للصومال.. ذلك الغزو ـ المدعوم أمريكيا ـ الذي أسقط حكومة المحاكم الشرعية، وأدخل الصومال في دوامة العنف والدمار.. ولقد صرح رأس نظام العار هذا يومئذ فقال: "نحن نتفهم التدخل الإثيوبي في الصومال"!.. هذا التدخل ـ الغزو ـ الذي قاده "زيناوي" الذي يهدد الآن بقطع مياه النيل عن مصر والسودان!..

(5) ونظام العار هذا هو الذي عاش ـ على امتداد ثلاثة عقود – يقدم نفسه للغرب الصليبي باعتباره المحارب للمد الإسلامي، والحامي لأمن إسرائيل!..

(6) ونظام العار هذا هو الذي تواطأ ـ أو غض الطرف ـ عن الحروب العدوانية المدمرة التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان سنة 2006م.. وعلى غزة سنة 2008م – 2009م والتي دمرت وقتلت البشر والشجر والحجر.. تلك بعض من الخطايا التي أقترفها نظام العار، والتي فجرت ثورة 25 يناير لسنة 2011م.

(7) خطيئة الحصار الظالم الذي فرضه نظام العار على مليون ونصف المليون من سكان قطاع غزة- وذلك كراهية في الحركة الإسلامية حماس المنتخبة ديموقراطيًا من الشعب الفلسطيني!- وخدمة لإسرائيل!.. وبهذا الحصار الظالم الذي تجاوز عمره السنوات.. والذي مات فيه الكثيرون مرضًا وجوعًا، برئت ذمة الله وذمة رسوله من نظام العار هذا.. فلقد قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم – "أيما أهل عرصة – (مكان) – بات فيهم امرؤ جائعًا فقد برئت منهم ذمة الله".

(8) ونظام العار هذا هو الذي ـ مع حصاره لأهل غزة وعدائه للمقاومة الفلسطينية ـ طبع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وتاجر أركانه- من السماسرة واللصوص- الذين يسمون أنفسهم "رجال أعمال"، تاجروا مع الصهاينة، فأمدوهم بالغاز الطبيعي بثلث السعر العالمي وقودًا لآلة الحرب الصهيونية.. وباعوا للصهاينة الحديد والإسمنت، اللذين تبنى بهما المستوطنات الصهيونية وجدار الفصل العنصري، الذي يبتلع القدس وفلسطين!..

(9) ونظام العار هذا هو الذي فكك مفاصل المجتمع المصري بتدمير النقابات المهنية والعمالية.. ومسخ الأحزاب السياسية.. ومحاولة إفساد القضاء المصري بالترغيب.. والترهيب.. والانتدابات والإعارات.. والاختراق بواسطة ضباط الشرطة الذين يحصلون على ليسانس الحقوق، لتمتلئ بهم مقاعد النيابة ومنصات القضاء!.

(10) ونظام العار هذا هو الذي خلق في مصر- بلد النيل الذي هو أطول أنهار الدنيا- ولأول مرة في التاريخ "مشكلة عطش".. كما جعل الشعب المصري يقدم الضحايا في الزحام على الحصول علي رغيف الخبز الحاف!.

(11) ونظام العار هذا هو الذي يلوث مياه النيل ـ بعد أن كانت أدبيات المصري القديم ـ زمن الفراعنة ـ كما جاء في كتاب (متون الأهرام) – يتقرب إلى خالقه ـ يوم الحساب ـ بأنه "لم يلوث مياه النيل"!.. بل لقد أصبح جريان ماء النيل من بلاد المنبع إلى مصر مهددًا، لأول مرة في التاريخ ـ بسبب الهوان الذي أوقعه بمصر نظام العار هذا.

(12) ونظام العار هذا هو الذي أوقع 40% من سكان مصر تحت خط الفقر، بينما حاز قلة من اللصوص والسماسرة الأرقام الفلكية من الثروات التي جمعت من السحت والحرام.

(13) ونظام العار هذا هو الذي اجتمعت فيه الثروة والسلطة بين قلة من المحتكرين فأعاد مصر ـ ثانية ـ إلى ما هو أبشع من الواقع الذي ثارت عليه ثورة يوليو 1952م .. التي جعلت من أهدافها: "إسقاط سيطرة رأس المال على الحكم"!.

(14) ونظام العار هذا هو الذي زور إرادة الأمة فيما سمي بالانتخابات والاستفتاءات على النحو الذي لا نظير له في أي بلد من بلاد الدنيا.

(15) الفقر والإحباط الذي دفع قطاعات من الشباب– الذين لا يجدون عملاً ولا سكنًا ولا زواجًا– إلى المغامرة حتى بأرواحهم في الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط باحثين عن لقمة العيش في أوروبا!.. بل لقد دفع الفقر قطاعات من هؤلاء الشباب إلى العمل في خدمة الجيش الإسرائيلي!!.. بما يعنيه ذلك من خيانة وطنية دفعهم إليها نظام العار الذي سيطر على بلادهم ثلاثة عقود!.

(16) ونظام العار هذا هو الذي وفر للسكارى أفخر أنواع الخمور وجميع أنواع المخدرات، بينما تشكو البلاد من المياه غير الصالحة للشرب!.. ووفر للقلة المترفة أفخر أنواع السيارات– بنسب تفوق نظيرتها في بلاد صنع تلك السيارات-  بينما تشكو الجماهير من قلة الأتوبيسات العامة التي تنقل الملايين!.

(17) ونظام العار هذا هو الذي أنفق المليارات علي بناء "القصور والفلل والشاليهات" – للقلة المترفة في الساحل الشمالي، وهي التي لا تستغل إلا أسابيع محدودة في العام، بينما يعيش أكثر من عشرين مليونًا– أي ربع تعداد مصر– في المقابر والعشوائيات.

(18) ونظام العار هذا هو الذي باع مصانع مصر، بما فيها الأهرامات الصناعية التي بناها طلعت حرب باشا ( 1293 – 1360 هـ – 1876 – 1941م ) باعها بأسعار تقل عن ثمن الأرض التي بنيت عليها.

(19) ونظام العار هذا هو الذي فتح الأبواب أمام الصهاينة كي يدمروا الزراعة المصرية حتى غدت إسرائيل هي التي تزرع القطن– الذي كان مفخرة عالمية للزراعة المصري– في إفريقيا، وتصدره للعالم بدلاً من مصر!..

(20) ونظام العار هذا هو الذي ظل حاضرًا دائمًا وأبدًا في مباريات الكرة.. وغائبًا – في أغلب الأحيان– عن مؤتمرات القمة العربية والإفريقية والدولية!.

(21) ونظام العار هذا هو الذي بدأ عهده بقبر مشاريع تقنين الشريعة الإسلامية، التي أنجزت في عهد الرئيس السادات (1336 – 1401هـ – 1918 – 1981م).

(22) وهو الذي أغلقت فيه مساجد مصر عقب كل صلاة، على نحو لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر الإسلامية الممتد لأكثر من أربعة عشر قرنا.

(23) ونظام العار هذا هو الذي أصبحت فيه مناصب العُمد – في القرى والعمداء في الجامعات- بالتعيين من قبل أجهزة الأمن، بعد أن كانت هذه المناصب بالانتخاب الحر حتى في عد الاحتلال الإنجليزي لمصر!.

(24) ونظام العام هذا هو الذي كرس جهاز الشرطة- الذي زاد عددهم عن عدد الجيش لحراسة النظام والأسرة الحاكمة ولقهر الشعب ولتزوير الانتخابات- بحيث لم يعد هناك أي التفاف إلى أمن المواطنين!.. وهكذا دفعت الخطايا إلى الثورة والانفجار!.