لا يعيب الكفار إلا كونهم كفارا، أما غير ذلك فقد كان بعضهم يتمتع بصفات إنسانية لم يبخسهم التاريخ حقهم في ذكرها رغم جاهليتهم، ومن بين هؤلاء "أبو جهل"، وهو عمرو بن هشام بن المغيرة، وكان سيدا من سادات قريش، وكان من أشد المعادين للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أن موقفه المشرف بالامتناع عن اقتحام ومداهمة بيت النبي يوم هجرته إلى المدينة، لعلمه أن النبي غادر البيت ولا يوجد فيه سوى النساء وحدهم، وخشي أن تعيره العرب على ذلك إن فعل، موقف يحسب له ولا يزال يذكر في الكتب.
ومن جاهلية قريش التي تعطي الأمان للمطارد المستجير، إلى جاهلية العرب التي دافع مسئول كويتي عن قرار بلاده تسليم مصريين من جماعة الإخوان المسلمين إلى سلطات الانقلاب، وقال إن ذلك "تم بموجب الاتفاقيات المشتركة بين البلدين".
مع الانقلاب
وتعد الكويت واحدة من الدول التي دعمت الانقلاب في مصر، على أول رئيس مدني منتخب الشهيد محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، ومنذ الانقلاب زجت سلطات العسكر، بعشرات الآلاف من المصريين في السجون، قبل أن يقدموا إلى محاكمات، انتقدتها منظمات حقوقية محلية ودولية، كونها تفتقر إلى العدالة.
وعجز "خالد الجار الله"، نائب وزير الخارجية الكويتي، أن يكون في شهامة ومروءة أبو جهل، وقال للصحفيين: إن "التنسيق والتعاون الأمني الكويتي- المصري كبير جدا ونشعر معه بالارتياح"، وأعرب عن "الأسف لتواجد مطلوبين للقضاء المصري" على أرض بلاده، مضيفا أن "الكويت تعاونت مع السلطات المصرية في هذا الشأن".
وكانت السلطات الكويتية قد سلمت إلى الانقلاب في مصر- على دفعتين- موقوفين من جماعة الإخوان المسلمين بتهمة "التورط في اعتداءات واقتحامات وتظاهرات"، رغم مناشدات من أهاليهم لأمير الكويت بوقف ترحيلهم لوجود مخاطر تهدد حياتهم.
تقول الأكاديمية الأردنية الدكتورة فاطمة الوحش: "دولة الكويت تعلن انبطاحها السياسي لمصر ولجماعة أبو إرهاب، وهي تعلم أن الإخوان ليسوا خلية وليسوا إرهابية ولكنهم مطلوبون للقضاء المصري لأغراض سياسية، بكل الأشكال حتى مروءة أبو جهل تفتقدونها.. انظروا للقوانين الدولية في حماية الأنفس والأفراد، التفاهمات الأمنية مذلة لمن ينبطح".
ويقول الباحث الدكتور مهنا الجبيل، مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي: إن "إقدام الكويت على تسليم مطلوبين سياسيين فقط لانتمائهم للإخوان المصريين، لا عناصر عنف، لمواجهة الإعدام نقل الكويت لمرحلة جديدة: نفوذ محور أبو ظبي أصبح من داخل مؤسسات الدولة، ومرجعية حسم للقرار الكويتي، والتساؤل عن مستقبل علاقة الكويت المتوازنة مع إسلامييها، وحيادها العربي السابق".
ويقول الناشط ماهر عبد الله: "تستطيع في مصر وفي ظل قضائها الشامخ في عهد الجنرال أن تقدم بلاغا عند النائب العام ضد غريمك المالي أو شريكك التجاري أو قريبك الذي اختلفت معه في الميراث بأنه متعاطف مع الإخوان.. فيُلقى به في السجن لأشهر أو لسنين وقد يحالفك الحظ فيأخذ إعدام".
أخطر من النووي!
ويرى مراقبون أنَّ الإمارات باتت تتحكم في مؤسسات الدولة بالكويت، ويثير السلوك السياسي العدائي من قبل الإمارات لجماعة الإخوان المسلمين، العديد من التساؤلات حول الأسباب الرئيسية المحركة لهذه الهالة الكبيرة من العداء المغطى سياسيًّا وماليًّا وإعلاميًّا، وتزداد الحيرة أكثر للمهتمين بهذا الملف عند العلم أن تصنيف خطر الإخوان لدى الإمارات يفوق خطر النووي الإيراني، وفقًا لمراكز دراسات أمريكية صنفت المخاطر المحدقة بدولة الإمارات بناء على معلومات داخلية.
الباحث والمحلل السياسي ساري عرابي، قال إنه من الصعب جدا الحديث في تفسيرات ملائمة لسلوك دولة الإمارات الموغلة كثيرا في العداء لجماعة الإخوان، التي لا تمتلك القدرة لتشكيل ذلك الخطر على الإمارات أو غيرها من الدول، ويوضح أنه بالرغم من أن الفرصة الوحيدة التي سنحت للإخوان في الحكم كانت في مصر وليدة ثورة "يناير" لعام 2011، "حيث شاركوا إلى جانب قوى أخرى ثورية، أي أن الإخوان لم يفجروا تلك الثورة وحدهم، إلا أنه لا يمكن لهذا التيار أن يشكل خطرا على الإمارات".
ووصف الكاتب الإخوان بأنهم أقل قدرة من أن يشكلوا خطرا على أي دولة أخرى، ولذلك "فإن منشأ الغرابة يبدأ من هذه النقطة ويظهر التساؤل الكبير: لماذا تنشغل الإمارات كل هذا الانشغال، ولماذا تجعل الإخوان مرتكزا لسياستها الداخلية ولعلاقاتها الدولية؟".
ويصف عرابي الإمارات بأنها "تتمتع بدور وظيفي مهم في المنطقة، من خلال التمتع بعلاقات مميزة مع أمريكا إضافة لعلاقات مع الكيان الإسرائيلي، كما أنها مهتمة بالقضية الفلسطينية من خلال الشخصية الأمنية للقيادي محمد دحلان المرتبط بعلاقات أمنية إقليمية ودولية كبيرة".
وضرب الكاتب مثالا على التأثير الإماراتي على دول المنطقة بالقول: "إن اعتقال نائب المراقب العام السابق زكي بن رشيد في الأردن بسبب انتقاده الإمارات في منشور على فيسبوك، كان بسبب تحريض إماراتي ضده"، وذكر أن من أهم الأسباب التحليلية لعداء الإمارات للإخوان بأن الأولى تخشى من أي تحولات سياسية مستقبلية فيها بحيث تكون هذه الجماعة مهيأة للحكم وبديلا عنها، ولذلك تم استهداف جمعية الإصلاح الإماراتية بالاعتقال والاستئصال.
وقال الكاتب أيضا: "هذه الأنظمة تخشى من وجود أي بديل مهيأ للتعامل مع الحالة السياسية القادمة، لذلك هي تعتقد أن القضاء على أي بديل سلفا من شأنه أن يطيل في عمرها".