التصعيد الروسي السوري بإدلب انتقام من تركيا يدفع ثمنه المدنيون

- ‎فيأخبار

قامت قوات النظامين السوري والروسي بـ5200 ضربة جوية وبرية مؤخرًا على أرياف إدلب وحماة، وتسببت مع المعارك البرية فى مقتل نحو 150 شخصًا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 300 ألف من مناطقهم، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وقال المرصد، إن التصعيد على أرياف إدلب وحماة تم عبر مشاركة «الضامن الروسي» بطائراته الحربية والمروحية فى عمليات القصف المكثف والعنيف، في الوقت الذي وثقت فيه اللجنة السورية لحقوق الإنسان مقتل (292) شخصًا في سوريا خلال شهر أبريل 2019، بينهم (64) طفلاً و(34) سيدة و(30) شخصًا تحت التعذيب.

وسيطرت قوات النظام السوري، الأربعاء 15 مايو، على قرية الحويز في سهل الغاب غربي محافظة حماة بعد مواجهات مع الفصائل المسلحة، بينما تواصل القصف على مناطق مختلفة من ريفي إدلب واللاذقية.

إلى ذلك، يتواصل القصف الجوي والمدفعي على مناطق مختلفة في الشمال السوري، حيث ألقى الطيران المروحي التابع للنظام الأربعاء الماضي عشرات البراميل المتفجرة على مناطق كبانة في جبل الأكراد بريف اللاذقية الشمالي، والهبيط جنوب إدلب، والحويز بسهل الغاب، وأم نير وقرة جرن والحويجة وميدان غزال، فيما شنت الطائرات الحربية عشرات الغارات الجوية تركزت على محور كبانة وخان شيخون وأطرافها في ريف إدلب الجنوبي.

في غضون ذلك، ارتفعت يوم الأربعاء الماضي حصيلة قصف طائرات النظام الحربية على مدينة جسر الشغور غرب مدينة إدلب إلى 17 قتيلا وجريحا. وقال الدفاع المدني إن عدد القتلى ارتفع إلى سبعة مدنيين والجرحى إلى عشرة، مشيرا إلى وفاة مدنيين اثنين متأثرين بجراحهما في مشافي مدينة إدلب.

التصعيد الروسي السوري

وبحسب مراقبين، يرجع سبب التصعيد الروسي في محافظة إدلب، إلى استشعار موسكو ملامح تفاهمات حول القضية السورية، يتم وضع لمساتها بين الولايات المتحدة وتركيا، وهذا قد يدفع روسيا إلى شن عملية واسعة في المحافظة، كما صرح بذلك الرئيس الروسي بوتين، لإعادة خلط الأوراق، رغم وجود تحذيرات دولية من مغبة اتخاذ هذه الخطوة، في ظل احتضان إدلب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

ولعل أبرز دوافع التصعيد العسكري من قبل النظام السوري وروسيا، هو تواتر الاجتماعات وعمليات التنسيق بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وشخصيات من العشائر العربية في دير الزور شرق سورية، كانت زارت أنقرة في الأيام الماضية.

بجانب ذلك، ترافقت زيارة قيادات بعض العشائر السورية لتركيا، مع مظاهرات اندلعت خلال الأيام الماضية ضد وجود ميليشيات سورية الديمقراطية “قسد” في شرق البلاد، وعمليات بيعها نفط المنطقة إلى نظام الرئيس بشار الأسد الذي يعاني من أزمة وقود خانقة جرّاء الحصار الأميركي والعقوبات على إيران.

كما أن حضور شخصيات من العشائر العربية ضمن وفد المعارضة السورية في اجتماعات أستانا “نور سلطان” الأخيرة، لا بد وأنه أعطى رسائل في أكثر من اتجاه.

أيضًا زيارة المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، لأنقرة في توقيت لافت، ولقاؤه ومباحثاته مع المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، التي تركزت على الملف السوري، لم يتم الإفصاح عن مخرجاتها. بل اقتصرت المعلومات التي قدمها المسئولون الأتراك على أن كالن وجيفري ترأسا اجتماعا لوفدي البلدين، وتناولا التطورات الأخيرة في الملف السوري.

المنطقة الآمنة

ولعل ما يؤرق المسئولين الروس، تصريحات الطرف الأمريكي بأنه سيتم إنهاء المخاوف الأمنية لتركيا عبر المنطقة الآمنة المزمع إقامتها في سورية، وسيتم تطهير تلك المنطقة من كافة التنظيمات الإرهابية. طبعا يقصد بذلك الميليشيات الكردية، لأن تنظيم داعش لم يبق له وجود هناك، سوى خلايا نائمة مبعثرة في بعض المناطق.

وسبق اللقاءات بين الوفدين التركي والأمريكي، وجود اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والأميركي دونالد ترامب، شدد خلاله الطرفان على وجوب تعزيز التنسيق في الملف السوري.

فيما لا يريد الطرف الروسي خسارة تركيا كشريك اقتصادي مهم في المنطقة، لكن في الوقت ذاته موسكو أمام تحد كبير، بخصوص قطف ثمار النصر العسكري المزعوم على المعارضة السورية وتحويلها إلى مكاسب سياسية واقتصادية.

وتخشى موسكو في حال الوصول إلى اتفاق كامل الجوانب بين أنقرة وواشنطن، أن تخسر جميع مكتسباتها في سورية، خصوصا مع الحصار الخانق الذي يفرضه الأمريكان على إيران، والضربات الموجعة التي تتلقاها الأخيرة في سوريا عبر الضربات الإسرائيلية.

اجتماع أستانة

كذلك تسبب فشل اجتماع أستانة الأخير، خصوصًا فيما يتعلق باللجنة الدستورية في استياء الروس، من الأتراك، لعدم ممارستهم الضغوط الكافية على المعارضة السورية، فيما تبدو موسكو حريصةً على إحداث اختراق في جدار هذا الملف، مع قرب ترتيب المبعوث الأممي إلى سورية “غير بيدرسون”، أوراقه التفاوضية لبدء جولة جديدة في جنيف، بعدما تبين له عجز الروس في الإمساك بهذا الملف.

واتهمت تركيا على لسان الرئيس أردوغان النظام السوري بمحاولة تخريب التعاون التركي الروسي في إدلب، والإضرار بروح مسار أستانة، مشيرا إلى أنّ التوتر في إدلب يهدّد تأسيس لجنة لصياغة دستور جديد لسورية، ومن شأنه إفشال العملية السياسية.

من جهة أخرى، تسعى واشنطن لممارسة ضغوط أمريكية على الحكومة اللبنانية، لدفعها لرفع غطائها الرسمي عن حزب الله اللبناني الذي يشكل ذراع إيران في الشرق الأوسط. مما اضطر كلا من القوات الايرانية، وميليشيات حزب الله اللبناني لإجراء عملية إعادة تموضع، والانسحاب من مناطق ذات قيمة استراتيجية حساسة بالنسبة لهما في دمشق وضواحيها والجنوب السوري.

كذلك، يستهدف التصعيد الروسي السوري أيضا إبعاد الفصائل العسكرية عن مناطق التماس الحالية، أو لإجبارها على القبول بتسيير دوريات روسية تركية مشتركة، اتفق عليها في اجتماع أستانا أخيرًا.

مستقبل غامض

ويشير المراقبون إلى تقدير استراتيجي يتنبأ بتهدئة قد تكون هشة، مرتبطة بطبيعة التفاهمات التي قد تحدث بين روسيا وتركيا، أو تركيا وواشنطن. إلا أن حدة التصعيد العسكري الميداني مرتبط بمدى التوصل لاتفاق روسي تركي، خاصة مع اقتراب الأتراك والأمريكان من الاتفاق على شكل المنطقة الأمنية في شمال شرقي سورية، بعد محادثاتٍ أجراها المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، مع الأتراك والأكراد.

ومن شأن أي تفاهم تركي ـ أميركي في شرق سوريا أن ينعكس سلبًا على الدور الروسي الذي يعمل جاهدًا من أجل أن يكون له دور في هذه المنطقة، فضلًا عن أن حصول تركيا على بقعة جغرافية جديدة في سورية من خارج البوابة الروسية يسمح لأنقرة بدور أكبر في عموم المنطقة الشمالية، الأمر الذي يمنحها قدرةً أكبر على الموازنة بين القوتين الروسية والأميركية، وهو في الوقت نفسه ما يدفع روسيا لتخفيض مستوى التصعيد العسكري في إدلب.

وستبقى الاحتمالات في منطقة إدلب مفتوحة، طالما بقيت المباحثات التركية ـ الأميركية ـ الكردية، هي الأخرى، مفتوحة على الاحتمالات كافة، حيث يتكهن معارضون للنظام السوري بعجز الضامن التركي عن تحقيق أي انفراجة في أزمة إدلب، أو إحداث تحويل يتماشى مع آمال السورين هناك بما يتقاطع مع مخاوف تركيا الأمنية.

وفي هذا الصدد قال الباحث السوري فراس فحام لـ«القدس العربي»، إن الخيارات التركية في سوريا من الأصل ضيقة بسبب الصراع الدولي الكبير والنزاع بين الدول المسماة (أصدقاء الشعب السوري) وهي عندما تدخلت عسكريًا في درع الفرات وغصن الزيتون، فكان هذا لإنقاذ ما يمكن انقاذه وعمليات دفاعية عن أمنها القومي أكثر من كونها مبادرات هجومية، وذات الشيء ينطبق على نشر نقاط المراقبة في إدلب.

مظلة دولية

وحسب محللين، لا بد من إدراك أن أنقرة تسعى لاستغلال هامش الصراع الروسي والأمريكي في سوريا، وهي تحتاج للطرفين معًا لضمان مصالحها، وبالتالي لا يمكن تصور تصعيد عسكري مباشر من طرفها. والأمر الأهم أن التدخل التركي كان قرارًا خاصًا بأنقرة بدون مظلة دولية كقرار من مجلس الأمن أو غطاء التحالف الدولي، وإنما بموجب تفاهمات هشة لا توفر لها مساحة الحركة المناسبة، وبالتالي الخيارات المتاحة لها للرد هي عبر تحريك الفصائل السورية المتحالفة معها وإطلاق يدها بشن العمليات العسكرية.

مضيفين أن روسيا وإيران تتصرفان كدول مارقة، وروسيا لديها من الأوراق العسكرية والسياسية سواء من سلاح أو حق نقض الفيتو في مجلس الأمن ما يسمح لها بالتحرك دون حساب للعواقب، والأمر مختلف عند تركيا التي تعمل على تجنب التصرف بشكل غير شرعي، خاصة أنه حتى جامعة الدول العربية أدانت مؤخرًا دورها في سوريا وساوتها بإيران.