المتحدث العسكري بقيادة “الوفد”.. أحزاب مصر بين الدمج والعسكرة والتجميد

- ‎فيتقارير

في ظل المسرحية العبثية التي تعيشها مصر منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، باتت ممارسة السياسة مثارًا للجدل وطريقًا للسجون والمعتقلات ودربًا من السخرية والعبث.

فمن أراد ممارسة السياسة باستقلال عن سلطات الانقلاب كان طريقه السجن والقتل وقوائم الإرهاب والتجميد، أو ساحات المحاكم بدعاوى قضائية واهية كحزب الحرية والعدالة وحزب البناء والتنمية والفضيلة والوسط، وغيرها من الأحزاب التي مارست السياسة بطريقة وطنية، أما من ارتمى في حضن العسكر فبات مثارًا للجدل كحزب النور السلفي.

ومن الأحزاب العريقة الأخرى التي يراد لها الانضواء تحت عباءة السلطة، حزب الوفد الذي يتبنى دعوات إدماج الأحزاب، وفق خطط الانقلاب العسكري لخلق حياة سياسية وهمية، على طريقة “مرجان أحمد مرجان” لخلق حزب قوي وكبير يكون بديلا للحزب الوطني وآخر يكون معارضًا يتم السيطرة عليه، بل وإدارته بنفس العقلية الحاكمة، ليكون ديكورًا للحياة السياسية الوهمية، والانتقال من حالة العسكرة للعمل السياسي.

وفي خطوة مفاجئة اليوم، وقع العميد محمد سمير، المتحدث العسكرى السابق، على استمارة انضمامه لحزب  “الوفد”، وقال سمير إن سبب انضمامه لحزب الوفد وتعيينه مساعدًا لشئون الشباب، لأنه أعرق الأحزاب ولأن تاريخه مشرف، مضيفًا أن الحياة الحزبية في مصر ضعيفة للغاية، ولا يوجد شخص يرضى عنها في مصر، متناسيًا أن ما أضعفها هو الانقلاب العسكري وممارساته القمعية.

وجاءت خطوة سمير في إطار هندسة الحياة السياسية في مصر، كما ظهرت دعوات كثيرة الأيام الماضية تطالب بوجود حزب سياسي للسيسي، بعد الفشل الذريع فى الدعوة للانتخابات ومقاطعة المعارضة.

وأشارت تقارير إعلامية، عن مصادر بالسلطة، أن النظام الحالي يسعى لتأسيس “حزبين كبيرين”، أولهما تحت رعاية جهاز الاستخبارات العامة، ليكون حزبا حاكما على غرار الحزب الوطني “المنحل”، والثاني تحت رعاية جهاز الاستخبارات الحربية، ليكون كيانا للمعارضة “الشكلية” من داخل النظام ذاته، على أن يكون ائتلاف “دعم مصر” الحزب الحاكم، وحزب “مستقبل وطن” المشكل من عدد من اللواءات والقيادات العسكرية الحربية والشرطية كحزب معارض.

ويرى مراقبون أن السلطة الحاكمة وراء حالة “الفراغ السياسي” في مصر، كونها حاربت الأحزاب والحركات السياسية المؤيدة والمعارضة للسيسي معا، على اعتبار أن المعارضة الرئيسية في البلاد والقوى السياسية مطاردة في الشارع، ومهددة بإجراءات أمنية عنيفة من اعتقال وقمع ومصادرة.

اتحاد اشتراكي

ومنذ استيلاء السيسي على السلطة، وهو يكرر نفس فكرة دمج الأحزاب السياسية، وهو ما بدأه خلال افتتاح تفريعة قناة السويس في أغسطس 2014، بقوله: «الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان محظوظا، لأنه كان بيتكلم والإعلام كان معاه.. والله لن نسمح لحد يهد مصر وإحنا موجودين». وأضاف: «ماتخفوش يا مصريين، بس خليكم على قلب رجل واحد»!.

وفي نوفمبر 2017، طرح المنقلب خلال فعاليات مؤتمر شباب العالم الذي أقيم بشرم الشيخ، ضرورة تبنى وسائل الإعلام الدعوة لدمج «100 حزب في 10 أو 15 حزبا لتقوية الأحزاب السياسية».

وعاد الجنرال ليكرّر دعوته، مارس 2018، خلال حواره الدعائي مع الإعلامية ساندرا نشأت، ملقيا باللائمة على الأحزاب السياسية وهشاشتها وعدم قدرتها على تقديم منافسين.

وبحسب خبراء، يستهدف السيسي الهيمنة على مفاصل ومؤسسات الدولة واحتكار الفضاء الإعلامي المحلي من صحف وفضائيات ومواقع، مع سن قوانين صارمة على مواقع السوشيال ميديا مع الملاحقات الأمنية المتواصلة للنشطاء لمنع أي انتقاد للنظام، والعمل على تشويه الإعلام المعارض، والتحرك من أجل وقف بث القنوات المناهضة للنظام العسكري.. مع تشكيل حزب يمثل السلطة ويضم تلك الأحزاب المنضوية تحت ائتلاف دعم مصر مع تسخير جميع أجهزة الدولة لخدمة تصورات المنقلب.

وقد وجد السيسي الفرصة في فوز النائب المعيّن في البرلمان، بهاء أبو شقة برئاسة حزب “الوفد” مؤخرا، والذي توافق مع مخطط الدائرة الخاصة بالسيسي، لإعادة تشكيل معارضة سياسية صورية للنظام، تقتصر على أحزاب معدودة، تقبل الأجهزة الأمنية والسيادية استمرارها في المشهد السياسي رغم ضعف أدائها وانخفاض شعبيتها، مع إلغاء أي دور للأحزاب والجماعات المعارضة التي يمكن أن تمثّل خطراً على المدى الطويل.

وتمّ وضع المخطط بناءً على تعليمات أصدرها السيسي خلال مرحلة ما قبل مسرحية الرئاسة. وبذلك يستنسخ السيسي تجربة الاتحاد الاشتراكي السابق، وهو ما يعبر عن كفران السيسي بالحياة السياسية أصلا ولا يرى في الأحزاب سوى خراب سياسي.

وعلى خطى عبد الناصر تماما، يمضى الطاغية الجديد عبد الفتاح السيسي على نفس الكتالوج بدون تغيير يذكر.

وبحسب مراقبين، يستهدف السيسي بهذه الترتيبات إلغاء الأحزاب الجادة ذات المرجعية الإسلامية أو أحزاب الثورة الرافضة للأوضاع الاستبدادية الراهنة؛ بحجة أنها تمثل خطرًا على الأمن القومي للبلاد.