“المختطفون قسريًّا”.. هل فتح هجوم العريش ملفاتهم بعد بيان الداخلية الأخير؟

- ‎فيتقارير
An artists interpretation of detainees. Illustration taken from campaign video.

يظل ملف الاختفاء القسري في مصر مسار غضب بين الحقوقيين والنشطاء وأهالي المحتجزين، خصوصًا ممن لا يزالون يبحثون عن معلومة حقيقية تؤكد لهم أماكن احتجاز ذويهم أو استمرار بقائهم على قيد الحياة، لتضاف هذه القضية إلى عشرات القضايا المتعلّقة بملف انتهاك حقوق الإنسان تحت بيادات العسكر.

وبعد تسريب مقاطع صوتية للجنود المصريين وهم يُذبحون في جريمة استهداف كمين العريش صباح أمس الأربعاء، أول أيام عيد الفطر، وجد العسكر أنفسهم في ورطة، فكيف يبررون ذبح الجنود ومعهم أحد الضباط بكل هذه السهولة، وعدم قدرة قوات التدخل السريع على إنقاذهم، بل كانت المقاطع الصوتية تؤكد تباطؤ تلك القوة “عن عمد”، وكأن غرضها أن ينهي الإرهابيون مجزرتهم ويرحلوا بسلام؟.

والسؤال: هل كان قتل الجنود في كمين العريش مجرد فاصل في مخطط يهدف إلى استكمال التهجير القسري، وإفراغ سيناء من أهلها خدمة لصفقة القرن التي تأجل الإعلان عنها إلى عام 2020؟ وإلا كيف ترد داخلية الانقلاب التي تفاخرت اليوم بالإعلان عن قتلها 14 شخصاً، أغلب الظن وبالوقائع السابقة هم من المختطفين قسريًّا، المودعين في أقبية وسجون الأمن السرية منذ شهور وربما سنوات، ولا يعرف أهاليهم عنهم شيئًا!.

“الحقونا الكمين كله مات”

بيان داخلية الانقلاب جاء بعد 24 ساعة من انسحاب القتلة الحقيقيين، مخلفين ورائهم قتلى من الجنود ومعهم الضابط “عمر القاضي” برتبة نقيب، هو من ظهر صوته في المقاطع المسربة، وكعادة الخونة اختارت داخلية الانقلاب توقيت فجر اليوم الخميس، لتعلن عن قتل 14 شخصا أو بالأصح تصفيتهم، وزعمت أنهم كانوا مسلحين، واتهمتهم بأنهم “من العناصر المتورطين” في هجوم العريش أمس الأربعاء.

من جهته يقول الشاعر والإعلامي الساخر عبد الله الشريف في تغريدة رصدتها (الحرية والعدالة): “في الوقت اللي السيسي بيكرم فيه أُسر اللي ماتوا من ضباطه بهدايا ثمينة عالهوا قدام شعب مش لاقي، اتهاجم كمين تاني في العريش وماتوا كل اللي فيه، ١٣ لحد دلوقت، منهم ١٢ مجندا حسب رويترز وممكن يزيد، كل دول مصريين بيدفعوا ثمن بقائه هو وسياساته الأمنية الغبية، والله يا ابني ماعشان الوطن والله”.

وسارعت خارجية الإمارات إلى استنكار الحادث، في بيان أصدرته، لسكب الزيت على النار، وتشجيع السفيه السيسي على المضي قدما في قتل وتهجير المزيد من المدنيين الأبرياء في سيناء، بينما حمل الدكتور شوقى علام، مفتى الانقلاب، طبلته وسارع قبل الآخرين إلى إعلان الولاء للعسكر وشرعنة جرائمهم، وقال إن “جماعات الغدر والإرهاب تأبى إلا أن تُخضّب عيد الفطر بالدماء، وأن تُحوّل الفرحة إلى حزن، فدأبهم نشر الدماء والإفساد في الأرض”، وتابع: “دماء شهدائنا الأبرار ستكون لعنة تحل على هؤلاء المجرمين المفسدين”، على حد قوله.

وفي وقت سابق، سلط موقع “المونيتور” الأمريكي الضوء على حالات الاختفاء القسري المتزايدة للشباب والناشطين من قبل قوات الأمن في الآونة الأخيرة، ومعاناة أسر المعتقلين في الحصول على أي معلومات تتعلق بمكان اختفائهم، ما يمثل مخالفة صريحة لدستور الانقلاب ذاته الصادر في 2014، وانتهاكًا صريحًا وفاضحًا لحقوق الإنسان في مصر.

وقال الناشطون: إن ممارسات الاعتقال تهدف إلى منع وقوع الاحتجاجات، مدللين على ذلك بأنها غالبا ما تقع قبل الأحداث المهمة التي تشهدها البلاد مثل ذكرى انقلاب 30 من يونيو 2013، أو مواسم الأعياد المسيحية والإسلامية على حد سواء، وكأن جنرال إسرائيل السفيه السيسي، يريد من الشعب أن يظل تحت سيف الإرهاب والخوف ويقبل بالقمع والانتهاكات والغلاء والتنازل عن السيادة ونهب الثروات والخيانة مع العدو الصهيوني، كل ذلك مقابل الوهم بأن السفيه يقف حائط صد أمام مسرحية الإرهاب، التي تصنعها مخابراته مع حلفائه في الشر الإمارات وواشنطن والرياض وتل أبيب في سيناء.

مخازن للدم

وللمثال وليس الحصر، كان “إسلام عطيتو”، الطالب في كلية الهندسة بجامعة عين شمس، قد تعرض في الـ19 من مايو 2015 للاختطاف بعد تأديته الامتحان، واختفى لمدة يوم لتظهر جثته مقتولا بالرصاص الحي في منطقة صحراوية شرق القاهرة، بعدما أكدت أسرته وجود آثار تعذيب واضحة على جسده، لتكون حالة التصفية والقتل الأولى بعد الاختفاء القسري.

وسبق أن قُتل شرطيون على حاجز أمني في سيناء شمال شرق البلاد، على أيدي مسلحين، في حين أعلن تنظيم ولاية سيناء، ذيل ما يسمى بـ”داعش” الذي ترعاه المخابرات الأمريكية والعربية في المنطقة، عن تبني الهجوم في وقت لاحق، وجاء ذلك في بيان لداخلية الانقلاب عقب ساعات من الإعلان عن مقتل ثمانية شرطيين بينهم ضابط، بالإضافة إلى خمسة مسلحين، إثر تبادل لإطلاق النار عقب هجوم استهدف حاجزا أمنيا في شمال سيناء.

ورصدت مبادرة “الحرية للجدعان” التي أسسها نشطاء سياسيون بعد أحداث الذكرى الثالثة لثورة يناير، وارتفاع عدد المقبوض عليهم من الطلبة والنشطاء السياسيين من دون ارتكاب أي جرائم، قاعدة بيانات توثق 163 حالة اختفاء قسري من محافظات مختلفة منذ أبريل 2015 وحتى الـ7 من يونيو من دون إجراء التحقيقات، من بينها 66 حالة لم يستدل على مكان احتجازها، و31 حالة لم تتمكن الحملة من معرفة مصيرها، و64 حالة تم معرفة أماكنها بعد 24 ساعة من الاحتجاز من دون تحقيق بالمخالفة للدستور، وحالتان تم قتلهما بعد اختفائهما.

وعلى الرغم من صمت سلطات الانقلاب وعدم تعليقه على هذه الحوادث، أطلق عدد من المؤسسات الحقوقية العديد من الحملات لمناهضة الاختفاء القسري للتواصل مع أهالي المختطفين والضغط على الدولة للإفصاح عن أماكنهم، بينما سلطات الانقلاب ترفض التوقيع على معاهدة الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء والتوعية القانونية، بينما دشن نشطاء حملات لتوعية المواطنين للتعامل مع حالات الاختفاء القسري، وكيفية اللجوء إلى النائب العام ولو لمجرد تسجيل الحالة واقامة الحجة والدليل على أنهم تحولوا إلى بنوك للدم وكبش فداء لمخططات السفيه السيسي.

وما تزال الدماء تسيل بغزارة في سيناء، والسجون تمتلئ بالمعتقلين الرافضين للانقلاب وأصحاب الرأي، والديون تتراكم على مصر بمعدلات غير مسبوقة في تاريخها، والأغلبية الساحقة من شعبها تئن من غلاء المعيشة، وسوء الخدمات.