امتيازات شركات الجيش تطيح بقواعد المنافسة العادلة وتدمر الاستثمار

- ‎فيتقارير

خلال مرحلة ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013م، توسعت إمبراطورية الجيش المصري اقتصاديًا، بخلاف هيمنة الجيش فعليًا على مفاصل الدولة السياسية والأمنية والإعلامية، وتُبين أرقام وزارة الإنتاج الحربي، إحدى الجهات الرئيسية الثلاث المنوط بها الإشراف على مشروعات القوات المسلحة، أن إيرادات شركاتها ترتفع ارتفاعًا حادًا.

وتتيح أرقام الوزارة والمقابلات مع رؤساء الشركات فرصة نادرة للاطلاع على الطريقة التي يعمل بها الجيش على زيادة نفوذه الاقتصادي. ويقول بعض رجال الأعمال المصريين والمستثمرين الأجانب إنهم يشعرون بالانزعاج لدخول الجيش في أنشطة مدنية، ويشكون من امتيازات ضريبية وغيرها ممنوحة لشركات القوات المسلحة.

وتخضع المشروعات التجارية التابعة للجيش لأربع جهات رئيسية، هي: وزارة الإنتاج الحربي التي تشرف على 20 شركة، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة المصرية والمسئولة عن 12 شركة على الأقل.

وتتباين التقديرات حول حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد، ففي ديسمبر كانون الأول 2016 قال السيسي: إن الجيش يمثل ما يصل إلى اثنين في المئة من الناتج، لكن تقديرات تقارير دولية تذهب بالنسبة إلى حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ما يعني أن الجيش يهمين على قرابة نصف الاقتصاد المصري.

وطبقًا لبيانات وزارة التخطيط المصرية، بلغ الناتج المحلي اﻹجمالي لمصر في العام المالي 2015/2016 حوالي 2,5 تريليون جنيه، وطبقا للنسبة التي أعلنها السيسي، فإن نصيب النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة ما بين 20-30 مليار جنيه خلال نفس الفترة، لكن طبقا للنسبة التي حددها الخبراء، فإن حجم اقتصاد الجيش يتراوح ما بين تريليون ومائة وخمسة وعشرين مليار جنيه، وتريليون وخمسمائة مليار جنيه مصري.

وكان اللواء أركان حرب محمد نصر، نائب وزير الدفاع للشئون المالية سابقا، كشف عام 2012 عن أن العائدات السنوية للأنشطة الاقتصادية للجيش تبلغ (198 مليون دولار)، وأن نسبتها في ميزانية الدولة (4.2%)، ولم يقدم “نصر” حينها أي أدلة تشير إلى صحة هذه الأرقام. كما صرح رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة والتجارة في عهد مبارك، بأن الجيش يسيطر على 10% من الاقتصاد المصري في حوار سابق له مع جريدة نيويورك تايمز.

أهم امتيازات شركات الجيش

1)  جميع مصانع وشركات الجيش تحصل على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما فيها إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت، بما يعني أن شركات الجيش لن يكون عليها حمل عبء تسديد ضرائب على أرباحها، الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها، وذلك وفقا للمادة 47 من قانون ضريبة الدخل لعام 2005م.

2)  نسبة كبيرة من العاملين في المشروعات الاقتصادية التي تديرها القوات المسلحة هم من المجندين الإلزاميين في الجيش، بمعنى أنهم لا يتقاضون أي أجر، بالمناظرة بالارتفاع المستمر في أجور العمالة في معظم القطاعات الصناعية.

3)  أصدر المؤقت عدلي منصور مرسومين، في أوائل 2014، تم بمقتضاهما استغناء الدولة عن إجراء المناقصات وإسناد المشروعات إلى أي شركة أو هيئة أو كيان بشكل مباشر، وهو ما تستفيد منه شركات الجيش دون سواها، كما تم وفق القرار منع أي مواطن أو طرف برفع قضايا للطعن على هذه العقود، وقصر حق التقاضي على الطرفين المتعاقدين فقط.

4) تحصل القوات المسلحة بوصفها مالكًا لأراضي الدولة على الأراضي اللازمة لإنشاء مشروعاتها الاقتصادية دون أن تتحمل تسديد تكلفة هذه الأراضي في الخزانة العامة للدولة.

5) تستطيع القوات المسلحة توفير التأمين الجيد لمشروعاتها بالمقارنة بأية جهة أخرى، بما يعني أن لها قدرة أكبر على جذب الشركاء الأجانب.

6) يمكن للشركات التي تسيطر عليها القوات المسلحة أن تستفيد من الإعانات التي تبقى خارج السجلات، فضلًا عن التمتع بمزيد من حرية المناورة في ظل انعدام الرقابة، أحد الأمثلة على ذلك هو قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بخفض دعم الوقود لأصحاب المصانع، ومع بقاء ميزانية الجيش (وبالتالي تكاليف الطاقة) خارج السجلات، فإن ارتفاع أسعار الطاقة يؤثر بشكل غير متناسب على منافسي القوات المسلحة، ولكنه لا يؤثر على مشروعات القوات المسلحة نفسها.

7)  في مايو 2011، عدّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يتولّى حكم البلاد آنذاك، قانون القضاء العسكري. أضاف المجلس العسكري مادّة تعطي النيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط، وبالتالي تجعل هذه المادة الضباط المتقاعدين بمنأى عن أي محاكمة أمام القضاء المدني، وهو ما يعني التستر على مخالفاتهم المالية وفسادهم وإخفاء تلك المخالفات ايا كان حجمها عن وسائل الإعلام، واختفاء أي فساد أو إضرار بأموال الدولة، حتى لمن ارتكبوا مخالفات مالية أثناء توليهم مناصب مدنية بعد خروجهم على المعاش وانتهاء عملهم في القوات المسلحة.

هروب المستثمرين

هذه الامتيازات التي تحظى بها شركات الجيش دون سواها، دفعت صندوق النقد الدولي إلى التحذير، في سبتمبر 2017، من أن تطوير القطاع الخاص وخلق الوظائف ”قد تعوقهما مشاركة كيانات تخضع لوزارة الدفاع“. وترد حكومة الانقلاب على ذلك، زاعمة أن الشركات الخاصة تعمل في ساحة الجميع فيها على قدم المساواة، وأن الجيش يسد ثغرات في السوق مثلما فعل خلال أزمة نقص حليب الأطفال في عام 2016.

وترتب على هذه المزايا التي تتمتع بها شركات الجيش هروب المستثمرين الأجانب، حيث باتوا- بحسب رويترز- يتجنبون مصر باستثناء من يركزون على قطاع الطاقة الأكثر رسوخا. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية إلى حوالي ثلاثة مليارات دولار في 2017 من 4.7 مليار دولار في 2016، وفقا لحسابات رويترز، بناء على إحصاءات البنك المركزي.

وقال مسئول تجاري بإحدى السفارات الغربية إن المستثمرين الأجانب يرفضون الاستثمار في القطاعات التي تتوسع فيها القوات المسلحة أو التي قد تدخلها، خشية الدخول في منافسة مع الجيش وما يتمتع به من مزايا خاصة قد تعرض استثماراتهم للخطر. وأضاف أنه إذا خاض مستثمر نزاعًا تجاريًا مع القوات المسلحة فلا معنى لرفع الأمر لهيئة تحكيم. وأضاف ”لا يمكنك سوى مغادرة البلاد“.