بين ميدان رابعة وقيادة الجيش في ‫السودان أعياد بطعم الدم

- ‎فيتقارير

هل من المتوقع في المدى المنظور أن تتوقف الجيوش في سوريا ومصر والسودان عن سفك دماء شعوبهم؟ فمجزرة اليوم والفض المتعمّد مشهد منسوخ بأحدث طابعات الليزر، فالجراح واحدة والمجازر واحدة، وكأنك تطالع صورتين: الأولى لفض اعتصام القيادة العامة والأخرى لمجزرة رابعة، فستجد أن الدماء واحدة وأن القاتل واحد.

وللفض محاور متشابهة، بداية من توقيت الفض وأسلوبه وطبيعة المجرم والضحية والأسباب والخونة الذين يتاجرون بدماء الأبرياء، غير أن مراقبين رأوا أنه من حسن حظ السودانيين أن المواجهة ليست مع فصيل بعينه كما حدث في مصر، إنما المواجهة مع الشعب كله، بجميع فصائله وأطيافه.

فُجور في الفَجر

واقتحمت قوات الأمن السودانية موقع مقر الاعتصام فجر اليوم، الـ29 من شهر رمضان الكريم، لفض اعتصام آلاف المحتجين بالقوة من أمام مقر قيادة الجيش، وكانت الحصيلة نحو 15 قتيلا وعشرات المصابين.

تشابه التوقيت، يؤكد أن محور الثورة المضادة الذي بارك الفض، بداية من محمد بن سلمان (أبو منشار) ومحمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي، استطاع إقناع عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس العسكري، ونائبه محمد حمدان حميدتي، بأنه لا حرمة في مواجهة طلاب الحرية والتغيير لمولود يوم انشق فجره، أو حرمة لشهر رمضان والأيام الفضيلة أو حرمة للإنسان.

ورغم أن الفجور كان قويا في الحالة المصرية، حيث لم ينتظر السيسي أن ينتهي المصلون من صلاة الفجر، بل بادرت مليشيات السيسي المعتصمين أمام الحرس الجمهوري بإطلاق كافة أنواع الأسلحة عليهم بكتائب من الجيش والشرطة في الركعة الثانية لصلاة الفجر، ويوم الفض بدأ القتل مع أولى ساعات الصباح فلم يرحم شيخًا أو امرأة أو طفلًا.

لم يعطوا حرمة لعيد أقبل، أسر اعتادت أن ترى أبناءها بينها، وأم ثكلى، وامرأة نائحة تبكي زوجها، وأطفال يبحثون عن أبيهم الذي قتله العسكر ليحرموهم فرحة العيد وكل عيد.

وكان مواكبًا للتوقيت أنه لا حرمة لدى الخارجية المصرية في أن تدعو لـ”ضبط النفس”، اليوم، في السودان وكأنها حرب بين كفتين متساويتين متصارعتين، لا بين عسكر مدججين بالسلاح وشعب رغب الحرية بسلميته الأقوى من الرصاص، الشعار الذي أكده مرشد جماعة الإخوان في مصر، ومن قبله ثورة يناير، فبات التزاما عربيا.

من شدة الهراوات التي تهبط بعنف على أجساد السودانيين وطلقات الرصاص أكثر إزعاجا وجلجلة في ميدان الفض، وصراخ ونحيب والحسبنة (حسبنا الله ونعم الوكيل)، والخيام المحترقة ومتاريس الحجارة التي صنعها المحتجون والمعتصمون، يبدو أن من صمم الفض واحد، كان مشهدا من رابعة بامتياز، حرائق ودخان كثيف، يبدو أن عسكر السودان قد أفطروا في رمضان على “الترامادول” كما حدث مع عسكر الفض، بشحنات جاءت لمصر كما أتت لمليشيات حفتر من طريق الطائرات الإماراتية، غيبت عقول المجندين.

محاولات سابقة

ويتشابه فض اعتصام القيادة العامة مع فض رابعة، أن سبقته أحداث فض أقل مثل أحداث الحرس الجمهوري 1 و2 وأحداث المنصة، وكذلك حدث في السودان، في 29 أبريل الماضي، محاولة فض الاعتصام بالقوة، حيث أعلن تجمع المهنيين السودانيين، عن وجود محاولات من جانب المجلس العسكري في السودان بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، مطالبًا جموع السودانيين بالنزول لمقر الاعتصام.

وقال التجمع، عبر حسابه على تويتر: “نداء عاجل.. يحاول المجلس العسكري، النسخة الجديدة للنظام البائد، فض الاعتصام أمام القيادة العامة لقوات شعبنا المسلحة، نرجو من الثوار داخل ساحة الاعتصام ترتيب الصفوف وإقامة المتاريس وحمايتها”.

وكان تجمع “المهنيين السودانيين” قد أعلن، فى وقت سابق من اليوم ذاته، عن عدم التوصل لاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي على فتح بعض الجسور، ورفع الحواجز من الطرق في أماكن الاعتصامات بالخرطوم ومدن البلاد.

كذلك كانت هناك محاولة أخرى في 13 مايو الماضي، حيث افتعل عسكر السودان مناوشات وأزمات لفض الاعتصام.

حيث اعتدت قوات تابعة للاستخبارات العسكرية، وبعض فلول النظام السابق، على بعض أفراد اللجان الميدانية المسئولة عن تأمين مياه الشرب والثلج والطعام للمعتصمين بميدان القيادة العامة للقوات المسلحة.

وتصاعدت الأوضاع في محيط مقر الاعتصام، في ذلك اليوم، وأغلق المعتصمون شارع النيل، أحد الشوارع الرئيسية وسط الخرطوم، لزيادة الضغط على المجلس العسكري لتسليم السلطة لمدنيين، بحسب شهود عيان.

عسكر كاذبون

وعلى طريقة السيسي تملص المجلس العسكري في السودان، في بيانات وتصريحات للبرهان، من أن البشير حاول فض الاعتصام وأنه لن يكون قد دفع نحو تلك المحاولة للفض أو التمهيد له، مكررا أنه “لا نية للفض”، ومعللا إجراءاته بأن “مجموعات قفلت جزءا كبيرا من شارع النيل وبعض الطرق الأخرى، وهذا الأمر مرفوض تماما ويخلق نوعا من الفوضى والمضايقات، ما يستدعي من الجهات المختصة الحسم اللازم تطبيعا لحياة المواطنين وحفاظا على أمنهم وسلامتهم”.

وعلى غرار تصريحات “إحنا أحسن من سوريا والعراق” و”الجيش حمى الثورة” عرف السودانيون نفس الطريق الذي سارت فيه مصر، بعد الانتفاضة التي أطاحت بحسني مبارك في 2011، وكان من بين هتافاتهم «النصر أو مصر».

وكانت خشية السودانيين مع تصريحات نائب رئيس المجلس العسكري في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، خلال كلمة له أمام قيادات قبلية وعشائرية بالخرطوم، حيث اعتبر أنه لولا الجيش لبقي البشير في السلطة حتى الآن، قائلا: “الجيش وقوات الدعم السريع التابعة له جزء من الثورة، ولولاهما لكان الرئيس المعزول عمر البشير موجودا في السلطة”!.

أما تصريحه الثاني الأكثر وضوحًا لتشابهه مع تصريحات السيسي وأذرعه الإعلامية، فهو قوله: “هناك دول تسعى إلى أن نصبح مثل سوريا وليبيا”!.

كما تشابهت تصريحاته مع أعضاء المجلس بقيادة طنطاوي، فحاول نائب رئيس المجلس العسكري السوداني، العائد من لقاء مع محمد بن سلمان، وصديقه رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان العائد من لقاء محمد بن زايد، اتهام آخرين بـ”التخابر مع دول أجنبية”، و”تلقي أموال من أجل تفتيت السودان”.

وبحسب مراقبين فإن هذه التصريحات، تأتي في سياق عمليات التهدئة والتسكين، ومحاولة لتجميل صورة المجلس العسكري؛ لأن عدد الشهداء في يوم واحد بعد استيلاء الجيش والفريق أول عوض ابن عوف وزير الدفاع على السلطة كان أكثر ممن قتل خلال شهور الثورة الأربعة.