تزوير انتخابات إسطنبول.. هل كان محاولة انقلاب ثانية على أردوغان؟

- ‎فيعربي ودولي

حين وقعت محاولة الانقلاب العسكرية الأولى ضد أردوغان عام 2016، جاء رد الفعل الفوري من دول الثورة المضادة مهللا، حتى إن قناة سكاي نيوز الإماراتية تورطت في خبر كاذب يزعم أن أردوغان هرب من تركيا، ليتكشف لاحقا دور للإمارات في دعم الانقلاب، ومعها مصر السيسي، وتآمر دولي.

هذه المرة، بدأ تيار الثورة المضادة يمهد النيران أكثر ضد أردوغان إعلاميا، عبر تشييد موقع يسمى “عثمانلي” مدعوم إماراتيا من أجل مهاجمة أردوغان والتحريض والتمييز العرقي ضد الأتراك بدعاوى أنهم يريدون السيطرة على العالم العربي، بينما الهدف الأوضح هو مهاجمة تيار “العثمانيون الجدد” الذي يمثل حزب أردوغان كتيار يجمع ما بين الأصالة والمعاصرة لإعادة إحياء الحضارة الإسلامية.

وجاء إعلان فوز مرشح حزب الشعب العلماني المعارض (إمام أغلو) ببلدية إسطنبول (قبل أن تقرر اللجنة العليا للانتخابات في تركيا إلغاء الانتخابات بعد ثبوت تزويرها)؛ ليكشف عن حجم أكبر من التخطيط لاعتبار ما جرى انقلابا ثانيا على أردوغان، بعدما هللت له نفس دول الثورة المضادة، وتحالفت مع العلمانيين الأتراك لتشوية صورة أردوغان وحزبه برغم أن من أصدر القرار هي لجنة الانتخابات المستقلة، كما أن هزيمة حزب أردوغان في بلديات أخرى مثل أنقرة دليل على حرية الانتخابات.

فقد ثبت أنه جرى تزوير فرز صناديق الانتخابات لصالح الحزب العلماني (الشعب) بغرض اتخاذها خطوة لبدء حملة هجوم سياسي على أردوغان وادعاء أفول عهده هو وحزب العدالة والتنمية، وأن أصوات مرشح حزب العدالة أعطيت لمرشح الحزب العلماني، وهو أمر غريب في الانتخابات.

وبدأ معسكر الثورة المضادة يرفع من شأن إمام أوغلو ويصوره على أنه من سيقود تركيا مستقبلا بدل أردوغان، وبدأ اعضاء حزب الشعب العلماني يتحدثون، مثل أعضاء جبهة الإنقاذ في مصر أثناء انقلاب السيسي، عن ذبح أعضاء الحزب الإسلامي وقتل أردوغان وإلقاء خصومهم في السجون حال سيطروا على الحكم!.

في 6 مايو 2019، ألغى مجلس الانتخابات في تركيا نتيجة انتخابات رئاسة البلدية التي أجريت في 31 مارس في إسطنبول والتي هزم فيها مرشح “حزب الشعب الجمهوري” المعارض أكرم إمام أوغلو، مرشح “حزب العدالة والتنمية” الحاكم بينالي يلديريم بنسبة لم تتجاوز 1% من الأصوات.

وصدر القرار بعد وقت قصير من تأكيد حزب العدالة بالمستندات أن السباق كان “مشوبا بالمخالفات” مطالبا بإعادة إجرائه.

ويواجه إمام أوغلو معركةً إعادة الانتخابات يوم 23 يونيو في وقت يتعذر عليه على ما يبدو الفوز بها في إطار مسعاه للفوز مجدداً؛ لأن أردوغان لن يألوَ جهدا سواء لضمان انتصار مرشحه (يلدريم مرة أخرى).

وفي الخطاب الذي ألقاه الرئيس التركي أمام البرلمان في 7 مايو 2019 انتقد أردوغان “الدوائر السوداء، ومخربي الاقتصاد، ومن يُطلق عليهم تسمية النخبويين” الذين تعاونوا “لتجريد البلد من إرادته”.

ويشير مثل هذا الخطاب إلى قناعة أردوغان أيضا أن ما جرى من تزوير لانتخابات إسطنبول كان انقلابا ثانيا ضده، لهذا صعد من انتقاداته للتجاوزات ودعواته لإعادة الانتخابات.

من يقف خلف الانقلاب الثاني؟

وقد نُشر مقال مهم لإبراهيم قراغول رئيس تحرير صحيفة يني شفق التركية يتحدث فيه عن محاولة الانقلاب الثانية التي تقف خلفها أمريكا ودول الغرب والدوائر التابعة من خلال تزوير الانتخابات في إسطنبول.

ووصف الكاتب “إبراهيم قراغول” انهيار مشروع إمام أوغلو، قائلا إن “القضية ليست قضية انتخابات، لقد كان مخططًا موجهًا لإسطنبول، تركيا ستكون الخطوة التالية، ودعا لفتح تحقيقات بشأن التجسس والإرهاب والأمن القومي.

وذكر أن الذين سرقوا أجوبة الاختبارات لسنوات ليأكلوا حقوق أبناء هذا الوطن سرقوا أصواتهم في الانتخابات هذه المرة ليعتدوا على الإرادة الوطنية ويدعموا تدخلا دوليا.

ولهذا يجب فتح تحقيقات حول هذا التدخل الممنهج في انتخابات 31 مارس كما حدث في دعاوى انقلاب 15 يوليو 2016، ذلك أن الماهية واحدة والهدف هو تركيا. فلنر من سيهرب هذه المرة إلى أمريكا؟ لقد ألغت اللجنة العليا للانتخابات نتيجة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول.

حيث يرى “قراغول” أن تركيا تعرضت في الانتخابات المحلية يوم 31 مارس لانقلاب وتدخل دولي، فالذين فشلوا ليلة 15 يوليو 2016، وعجزوا عن الوصول لمرادهم من خلال سوريا وبي كا كا نفذوا عملية من خلال الانتخابات هذه المرة.

وأوضح أن “عناصر تنظيمي غولن وبي كا كا الإرهابيين، نفذت عملية ممنهجة شاملة تهدف للنيل من إرادة شعبنا؛ إذ بدأوا في ذلك قبل أشهر من الانتخابات، والذين يدعمون بي كا كا وغولن هم أنفسهم الذين يدعمون هذا المخطط”.

ويوضح أن القضية لم تكن قضية انتخابات أو تحديد من سيكون رئيس بلدية إسطنبول أو أي حزب سينتمي له رئيس البلدية، بل كانت أخطر من ذلك بكثير، كان مخططا يستهدف إسطنبول.

وإن الذين وضعوا ليلة 15 يوليو 2016 مخططا لفصل إسطنبول عن الأناضول نفذوا هذه المرة كذلك مخططا من خلال إسطنبول.

ولو كانوا قد نجحوا لكانوا قد بدأوا بتنفيذ الخطوة الثانية من المخطط الذي يشمل الأناضول كذلك.

وقال إنهم اختاروا إمام أوغلو مسبقا لهذا المخطط، فهو لا ينتمي حتى لحزب الشعب الجمهوري، بل إنه أداة لتنفيذ العمليات بيد إرادة دولية نفذت عمليتها ليس ضد تركيا وحسب، بل ضد حزب الشعب الجمهوري وناخبيه.

وقال إن الأحزاب السياسية التي أعمت أعينها كراهية أردوغان قد مهدت الطريق وفتحت الباب أمام هذا المخطط الذي يستهدف ضرب تركيا، ووقع ناخبو الحزب الجيد وحزب السعادة من “الوطنيين” في الفخ، وسقطوا بيد إرادة عناصر غولن وبي كا كا وساداتهم الغربيين.

لماذا الانقلاب الآن؟

يرى الكاتب “إبراهيم قراغول” أن انقلاب يوليه 2016 العسكري وانقلاب مارس 2019 الانتخابي جاءا لأن تركيا تخوض كفاحا تاريخيا عظيما للتصدي لمحاولة وضعها تحت الوصاية من جديد بعد كسر شوكة إرادة شعبها الذي نهض ليقاوم بعد مائة عام من الغفلة.

وأن هناك من أطلق إمام أوغلو على الساحة ووضع الكثير من المخططات الخبيثة لأشهر وتدخل في صناديق الاقتراع وقوائم رؤساء اللجان الانتخابية كي يربح الانتخابات، للتدخل في تركيا والسيادة الوطنية.

وأكد أن “هذا التدخل الممنهج هو تدخل في الديمقراطية والإرادة الوطنية وإرادة الناخبين، تدخل في السيادة الوطنية لتركيا ووحدتها ومستقبلها ومهاجمة مستقبلها”.

وقال إنه يجب فتح تحقيقات بشأن التجسس والإرهاب والأمن القومي، وتحقيق شامل بشأن التجسس والإرهاب والأمن القومي حول العملية الممنهجة التي بدأت قبل الانتخابات واستمرت حتى إعلان نتائجها، بل واستمرت كذلك بعد انتهاء الانتخابات.

وشدد على أن “إمام أوغلو هو المؤامرة الثانية الموجهة لحزب الشعب الجمهوري بعد مؤامرة بايكال”، ويجب فتح تحقيقات مثلما حدث مع أحداث 15 يوليو 2016 “لإن قضيتنا ليست بسيطة وبريئة بقدر براءة الانتخابات المحلية، كما أنها ليست قاصرة على الأحزاب السياسية أو مرشحيها”.

لماذا لن يدع أردوغان إسطنبول تفلت من يديه؟

ويقول معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط الموالي للوبي الصهيوني إنه لا يمكن لأردوغان أن يخسر إسطنبول، ما يعني أنه سيلقي بثقله مرة أخرى وراء مرشحه.

فارتقاؤه (أردوغان) على مرّ السنوات من مكتب رئيس بلدية المدينة وصولاً إلى الرئاسة يُظهر لأي مدى تُعتبر إسطنبول ماكينة صنع العلامة السياسية في تركيا. وإذا حافظ إمام أوغلو على فوزه، يمكن في النهاية لقائد “حزب الشعب الجمهوري” أن يشكّل تهديدا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المزمعة في عام 2023.

وتجربة يلديريم السابقة كرئيس للوزراء ووزير للنقل، والتي اشتهر من خلالها بأنه “باني الجسور والأنفاق وخطوط المترو”، قد تفيده لأن إسطنبول بحاجة ماسة إلى بنية تحتية أفضل، وبدا يلديريم المرشح الأفضل لمواجهة هذا التحدي.

علاوةً على ذلك، تشكّل إسطنبول نحو ثلث اقتصاد تركيا البالغ 2.3 تريليون دولار منذ عام 2018، لذلك فهي تؤدي دورا مهما في تسهيل سير ماكينة أردوغان السياسية، بحيث تخلق شبكات دعم موالية في مجتمع الأعمال.

وبالتالي، سيلعب أردوغان خلال الفترة التي تسبق انتخابات 23 يونيو علي المزيد من الدعاية والتواصل مع الشعب والسعي لتصحيح أخطاء ارتكبها حزبه كي يفوز هذه المرة بالبلدية الأكثر رمزية للتيار الإسلامي في تركيا والتي يعد سيطرة حزب أردوغان عليها مؤشرا على قوة أو ضعف شعبية أردوغان نفسه.