غلق مصانع الإسمنت الحكومية وتشريد آلاف العمال.. فتش عن المستفيد

- ‎فيتقارير

تضع دولة الانقلاب في مصر يدها على كل ما ربح ولمع من منتجات وقطاعات، من بينها قطاع “الأسمنت” والذي يسعى العسكر في ظل حكم المنقلب عبد الفتاح السيسي لتمكين كبار الضباط من بسط سيطرتهم عليه باعتباره مصدر دخل مهما.

وافتتح السيسي في 15 أغسطس 2018 مجمع الأسمنت الضخم الذي تبلغ قدرته الإنتاجية 12.8 مليون طن سنويا، والذي قلب الأوضاع في سوق الإسمنت بالبلاد التي احتلت المرتبة السادسة عالميا عام 2017 وإنتاج 69 مليون طن في السنة بمساهمة 29 مصنعا.

في المقابل، تقترب دولة الانقلاب من إنهاء خدمة أقدم شركة إسمنت بالبلاد عملت بالسوق الصناعية مدة 90 عاما، في خسارة جديدة لأحد أهم صروح مصر الصناعية، في ظل قرارات حكومية أخرى متتابعة ببيع كبرى الشركات والمصانع العملاقة.

وابتداءً من 2015 رفع الجيش كمية الإنتاج بمقدار أربعة ملايين طن سنويا ما جعل إنتاجه الإجمالي يصل 22 مليونا ملحقا بذلك الضرر الكبير بمنافسيه من القطاعين الخاص والعام -كما يقول التقرير- مما أدى إلى اختفاء مؤسسة صناعية كبرى تابعة للدولة.

وقرر مجلس إدارة شركة “السويس للإسمنت” وقف العمل بشركة “إسمنت بورتلاند طرة”، جنوب القاهرة، التي تمتلك نحو ثلثي حصصها، عقب تدهور النتائج المالية والخسائر المتوالية للشركة التي أنشئت عام 1927.

هذا القرار هو الثاني بتصفية شركات إسمنت مصرية في عام ونصف، بعدما أنهت الحكومة عمل شركة “القومية للإسمنت”، وخرجت من السوق بشكل نهائي في نوفمبر 2017، بعد 62 عاما من إنشائها.

ولم يتحدث أحد بعد عن موقف ومصير آلاف العاملين بالشركة، خاصة أن مجموعة السويس للإسمنت تتبع سياسة تقليل النفقات قبل 3 سنوات بجميع شركاتها، وطبقت برامج لتقليل العمالة عبر برامج “ترضية للعاملين”.

في غير صالح المصريين

وفي تعليقه على ذلك القرار، تعجب الناشط السياسى محمد محمود رفعت، من التفريط في الصناعة الوطنية، مؤكدا أنها قرارات في غير صالح المصريين، وتصب في صالح أعدائهم.

“رفعت” أكد أنه “لا توجد دولة على وجه الأرض تفرط في أدوات إنتاجها؛ فتبيع مصانعها وشركاتها”.
ويعتقد أن “الأمر يتعلق بإنهاء دور الدولة المصرية، وإغراقها في الديون، ليسهل بعد ذلك قيادها لمن يريد”، مؤكدا أن “المستفيد هو الاستعمار الاقتصادي والصهيونية العالمية”.

مصير العمال

ويوجد أكثر من 26 ألف تاجر إسمنت على مستوى مصر من المسجلين فقط، ولكن هناك 45 ألف تاجر فعليًا، 30% منهم تركوا المهنة بسبب الخسارة والتهرب الضريبي، خاصة في 2018، والخسارة كل تاجر يتحملها بنفسه، خسارة أقل نقلة 400 جنيه.

في حين يبلغ عدد شركات الأسمنت في مصر 25 شركة على مستوى الجمهورية، بإنتاجية 65 مليون طن سنويًا، وذلك على الرغم من أن المصانع اليوم لا تعمل بكامل طاقتها، وذلك بسبب حالة الركود التي يعاني منها سوق البناء والحديد، ومنذ أكثر من 8 أشهر بلغت حالة الركود حوالي 80% وذلك بسبب توقف المشاريع، باستثناء تلك التي تقوم بها القوات المسلحة، فحركة البيع في مواد البناء ضعيفة.

إغلاق شركات

أغلقت الشركة القومية للإسمنت أبوابها في 17 مايو الماضي بسبب تحقيقها خسائر جسيمة تقدر 971,3 مليون جنيه عام 2017، وتم تسريح أكثر من 2300 من العاملين فيها.

ورغم ما يواجهه القطاع الصناعي من مشاكل يسعى الجنرالات لفرض وجودهم فيه بأي ثمن، وبدأت الحكاية عام 2001 بتشييد مصنع العريش شمال سيناء بقدرة إنتاجية تبلغ 4 ملايين طن سنويا، لكن شهية الجيش تضاعفت بعد ذلك حيث أصدر المنقلب السيسي عام 2014 مرسوماً يمنح الجيش الحق في إدارة المحاجر، ومنذ ذلك الحين “تضاعف سعر الجير ثلاث مرات” كما ينقل التقرير عن اتحاد الصناعات.

وفي فبراير الماضي وصلت إنتاجية مصنع العريش إلى 9.6 ملايين طن سنويا، ومع مصنع بني سويف الجديد -الذي كلف إنشاؤه 1.2 مليار دولار من تمويل الجيش وعمل على تشييده ثمانية آلاف عامل يعملون ليلاً نهاراً خلال سنتين كاملتين متبنيا تقنية صينية- ستصل الإنتاجية الكلية في البلاد سنوياً إلى 87 مليون طن.

معادلة غريبة

ويشهد سوق الإسمنت المصري زيادة في الإنتاج تتجاوز 30 مليون طن سنويا، بمقابل انخفاض الطلب المحلي للعام الثالث على التوالي، وبينما يعمل اثنان فقط من خطوط إنتاج إسمنت “بورتلاند طره” التسعة، خسرت الشركة نحو 37 مليون جنيه عام 2018، و72 مليون جنيه بالربع الأول من 2019.

ورغم تلك الخسائر، رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود والكهرباء والضرائب على الشركات والمصانع المحلية عدة مرات منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي في 2013، وفي انتظار رفع أسعار الوقود والغاز الشهر المقبل مجددا، بعد رفع أسعار الكهرباء على المصانع والأهالي الشهر الجاري.

فتش عن السبب

ويأتي قرار وقف شركة الإسمنت الأولى في مصر، في توقيت تكرس فيه الدولة المصرية جهودها بعيدا عن دعم الصناعة، وتحصرها في بناء المساكن وتشييد الطرق، ويتزامن القرار أيضا مع زيارة السيسي الأخيرة لمقر إنشاء أكبر دار أوبرا مصرية في الشرق الأوسط بالعاصمة الجديدة، وبعد أيام من افتتاح أعرض كبري في العالم.

متابعون انتقدوا القرار، وأرجعوه لكون شركة إسمنت “بورتلاند طره” تمتلك مساحة أرض بكورنيش النيل تقدر بـ392 ألف متر مربع، يقيم سعر المتر للنشاط الصناعي بها بنحو 1750 جنيها للمتر، وحال تحويل الأرض للنشاط السكني يتعدى سعر المتر 3000 جنيه.

وفي يناير 2019، وافقت الجمعية العمومية للشركة على ببيع الأصول غير المستغلة لأرض الشركة، وفي سبتمبر 2018، وافقت على إجراءات بيع الأرض المطلة على كورنيش النيل بطره، لأغراض صناعية.

فساد سياسي
‏‏‏

ويرى الباحث بمعهد إسطنبول للدراسات الاقتصادية والتعاون الدولي،‏ معاذ علوي، أن “مصر لم تفرط بمصانعها بقدر ما نقول إن تبدل الحكومات، وغياب الاستقرار السياسي، وعدم وجود منظومة سياسية مستقلة قادرة على إدارة الواقع السياسي بكل مجالاته، هو السبب”.

علوي، أضاف أن “حجم الفساد السياسي بأروقة النظام ينعكس سلبا على كل شيء، ما يجعل القائمين عليه يحاولون التفريط بأكبر قدر ممكن من الموارد؛ تلبية لمصالحهم الشخصية”.

وأشار أيضا إلى عامل “غياب أدوات الرقابة البرلمانية، التي من المفترض أن تكون أداة تنفيذية في محاسبة أي شخص يفرط بموارد الدولة”، مبينا أن “المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي، ليس معنية بإصلاحات جذرية للنظام الاقتصادي، ولو كانت كذلك لاستطاعت أن تجفف منابع التمويل، لكنها معنية ببقاء النظام السياسي؛ حفاظا على مصالحها بالمنطقة”.