لم تتوقف الظروف التي يحيا فيها أطفال مصر على الفقر، بل امتدت إلى التعذيب بجانب اعتقالهم وترويعهم لمجرد حمل لافتات مناوئة للظلم الذي تعرض له ذووهم، ليساوي نظام عبد الفتاح السيسي بين الصغير والكبير، وشمل سجنه الأطفال كما امتلأ بالنساء والرجال، وأصبحت مشاهد اعتقال الأطفال ومحاكمتهم في محاكم الانقلاب مألوفة للمصريين، في الوقت الذي تم اعتقال آباء وأمهات أطفالٍ آخرين، وقتلهم أمام أعينهم، لينضموا إلى آلاف الأيتام في مصر، الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم في سنوات الانقلاب العجاف.
وبموازاة هذه المشاهد، ظهرت مشاهد أخرى في دور الأيتام، من حقوقٌ مهدرة وانتهاكات تصدر بحقهم في دور الرعاية المختلفة، تجعل من الاحتفالات ستارًا تختبئ خلفه الكثير من الأوضاع المزرية.
وتحول يوم اليتيم في مصر إلى احتفالية، يحضرها رعاة وقيادات الانقلاب للظهور أمام الكاميرات في مثل هذا اليوم، الموافق الجمعة الأولى من شهر أبريل، للاحتفال بيوم اليتيم، من أجل جمع التبرعات باسمهم، والتقاط الصور أمام الكاميرات، ولا عزاء لظروفهم القاسية التي لا يشعر بها أحد.
وبين الحين والآخر، نقرأ عن تعذيب وقهر أطفال في دور رعاية الأيتام في دولة الانقلاب، وانتشرت عبر شبكات التواصل الاجتماعي العديد من المقاطع المصورة التي ترصد بعضًا من الانتهاكات تتم في تلك الدور، وهو ما ساعد على إعادة فتح ملف حقوق الطفل اليتيم مرة أخرى.

دور رعاية الأيتام
فما بين قيام مشرف بدار أيتام بالشرقية باغتصاب ثلاثة أطفال والتحرش بخمسة آخرين، ومشرفات اتخذن من الأحذية وسيلة لإجبار الأطفال على السكوت بوضعها في فمهم، كما حدث في دار أيتام بالنزهة، وضرب وتعذيب في دار مكة للأيتام بحي الهرم، تتجسد الصورة وتكتمل باعتقال النظام لأطفال يتم تقديمهم للمحاكمة بزعم انضمامهم لجماعات محظورة وإرهابية.
وشهدت السنوات الأخيرة زيادة في المخالفات داخل دور رعاية الأيتام، من انتهاكات جسدية ونفسية واستغلال مادي وجنسي. إذ يوجد على مستوى الجمهورية قرابة 472 دارًا للأيتام، إلا أن أكثر من 75% منها يستحق الإغلاق؛ نظرًا لافتقارها لأبسط قواعد الحياة الكريمة بدعوى قلة الموارد والرواتب وعدد المشرفين، رغم ملايين التبرعات التي يتم جمعها من خلال المتاجرة بآلام الأيتام.
وبالرغم من الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدني كأداة مُكملة لوظائف الدولة، ووسيلة رقابية تقف إلى جانب الدولة لتعينها على تصحيح المسارات في المؤسسات الحكومية في رعاية الأيتام، إلا أن منظمات المجتمع المدني بعيدة عن القيام بدورها تجاه الأيتام؛ نتيجة التضييق عليها، وسيطرة الدولة على العمل الأهلي، ومنع التمويل وتعطيل المبادرات مما يؤدي إلى تقليص دورها خاصة الخدمي منها.

أموال التبرعات
وتعيش دور رعاية الأيتام على التبرعات التي يمنحها المواطنون على سبيل مساعدتهم في تحسين الأوضاع بداخلها، وخلق جو آدمي يتنفس فيه اليتيم ويحصل على أبسط حقوقه في العيش دون أي قهر أو إذلال. بيد أن هذا لا يحدث وأن هناك من يشكك في وصول تلك التبرعات بالأساس لمستحقيها.
كما أن وزارة التضامن الاجتماعي ذاتها خلال سنوات طوال لم تبذل جهدًا يُذكر في تمويل تلك الدور، إذ تقول «زينب عفيفى»، رئيس الاتحاد النوعى لأيتام مصر في تصريحات سابقة، إن وزارة التضامن تلقت 114 مليون جنيه لتحسين أوضاع دور الأيتام. ورغم ذلك لم يحدث أي تقدم في هذا الملف، مشيرة إلى نية وزارة التضامن غلق جميع دور الرعاية بحلول عام 2025 والتوسع في نظام الأسر البديلة.
أطفال معذبون
ويعاني في مصر ٣ من كل ١٠ أطفال من فقر متعدد الأبعاد، بحسب ما أظهره تقرير صندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف”، حيث حدد التقرير ٨ أبعاد تقيس شدة الفقر، وهي التعليم، والحماية، وإمكانية الحصول على المياه، وإمكانية الحصول على خدمات الصرف الصحي، وظروف المسكن، والصحة، والتغذية، وإمكانية الحصول على المعلومات.
وقال صندوق الأمم المتحدة، إن ١٠ ملايين طفل في مصر محرومون بشدة من اثنين أو أكثر من الأبعاد التي حددها التقرير.
وأوضح التقرير أن هؤلاء الأطفال يتواجد ٣١.٢٪ منهم في محافظات الوجه البحري، فيما يتواجد ٣١.٨٪ منهم في محافظات الوجه القبلي، بينما يتواجد ٢٨.٦٪ في المحافظات الحدودية.
وأضاف أن الأطفال دون الخامسة هم الأكثر حرمانا بين جميع الأطفال، حيث يعاني ٣٧٪ من الفئة العمرية من صفر – ٤ سنوات من فقر متعدد الأبعاد.
وهذه الفئة العمرية ليست الأكثر حرمانا فقط، ولكنها الأعلى بين من يعانون من الفقر متعدد الأبعاد بنسبة ٤١.٢٪.
ووضع التقرير الأسباب الرئيسية لفقر الأطفال دون الخامسة، وهي التعرض للعنف الجسدي، وسوء التغذية، وعدم الحصول الخدمات الصحية. وبحسب التقرير، فإن ٤ من ١٠ أطفال تعرضوا لعقاب بدني عنيف من ناحية أسرهم.
5 ملايين يتيم في مصر
ووفقا لأحدث التقارير غير الرسمية، فإن عدد الأيتام بمصر يتجاوز 5 ملايين طفل، حيث يتم التقاط ما يقرب من 43 ألف طفل سنويا من مختلف أرجاء مصر، يتوفى ثلث هذا العدد قبل الوصول إلى دور الرعاية لعدة أسباب، أغلبها الحالة الصحية للطفل، إلى جانب تباطؤ أقسام الشرطة في القيام بالإجراءات المتبعة، والاتصال بالجمعيات المعنية في المنطقة لتسلُّم الطفل.
يضاف إلى ذلك تقاعس الجمعيات المعنية عن الحضور لتسلم الطفل قبل عرضه على الطبيب المختص للكشف عليه وتحديد عمره، بالإضافة إلى حرص هذه الأطراف على تطبيق الإجراءات المعقدة، أكبر من حرصهم على سلامة الطفل حديث الولادة.
كانت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن بحكومة الانقلاب، قد اعترفت في تصريحات سابقة بأن 75% من دور رعاية الأيتام تستحق الإغلاق، وأن معظمها تحول إلى مشروعات تجارية؛ إذ يعمل عدد كبير من هذه الدور من خلال جمعيات تعتمد على التبرعات في المقام الأول، بل إن هناك جمعيات تأسست لهذا الغرض، دون تقديم خدمة حقيقية.
وبلغت نسبة الفقر متعدد الأبعاد بين الأطفال البالغين في الفئة من ٥ إلى ١١ سنة ٢٧.٢٪، وبين الأطفال البالغين من العمر ١٢ إلى ١٧ سنة ٢٣.٨٪.