تفجرت أزمة باحث الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني مجددًا؛ إثر توجيه جهات التحقيق الإيطالية يوم الخميس الماضي 29 نوفمبر 2018م اتهامات بحق 7 ضباط في جهاز الشرطة التابع لحكومة الانقلاب، منهم ضابطان في الأمن الوطني بالتورط في جريمة قتل ريجيني، ثم أعقبه قرار تجميد البرلمان الإيطالي علاقته بنظيره التابع لحكومة الانقلاب.
وعثر على جثة ريجيني في الثاني من فبراير 2016م وعليها آثار تعذيب وحشي وحرائق بأعقاب السجائر بعد أن تم اختطافه في 25 يناير قبلها بأسبوع واحد، واتهمت وسائل إعلام إيطالية وأمريكية أجهزة الأمن التابعة للسيسي بالتورط في هذه الجريمة الوحشية وكانت سلطات الانقلاب تقابل ذلك بنفي تام، لكن التطور الجديد أن الاتهامات هذه المرة باتت رسمية وصادرة من جهات التحقيق الإيطالية.

هذه التطورات الجديدة التي كشفت عنها الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية وتناولتها صحيفة “الجارديان البريطانية في تقرير لها أصابت حكومة العسكر بصدمة ودفعتها أولا إلى الصمت وعدم القدرة على الرد في اليوم الأول، ثم الانفجار في اليوم التالي عن طريق ما يسمى بالبرلمان الذي جاء رده عصبيا ومرتبكا وتجاهلت وسائل إعلام السلطة تماما أي ذكر عن اتهام جهاز الشرطة رسميا بقتل ريجيني بالتعذيب الوحشي واكتفى بوصف ذلك بتسييس للقضية وقفزا على نتائج التحقيقات القانونية الجارية منذ أكثر من سنتين ونصف السنة رغم أنها لم تحقق تقدما يذكر!. كما وصفت ذلك بالتدخل والتأثير في التحقيقات الجارية.
سفير السيسي
في المقابل لجأت ايطاليا الى إجراء ثالث باستدعاء سفير السيسي في روما وعبرت عن عدم ارتياحها للتحقيقات التي تجريها القاهرة وهو تعبير مخفف ينطوي على اتهامات واضحة لنظام العسكر بالتستر على القتلة وعدم الجدية في تسليمهم للعدالة.
لكن هل اكتشفت إيطاليا هذه الحقيقة فجأة رغم الأدلة والمؤشرات الكثيرة على سيطرة نهج التستر على القتلة منذ سنوات ومحاولة تضليل العدالة من جانب الشرطة وجهات التحقيق المصرية؟ فقد ناورت أجهزة السيسي عدة مرات ثبت كذبها جميعا، منها إتلاف تسجيلات الكاميرات في محطتي قطارات الدقي والبحوث، بحجة إعادة التسجيل عليها بالخطأ وعدم توفرها، إضافة إلى ضحايا سيارة الميكروباص الذين قتلتهم الداخلية في مارسي 2016بدم بارد بزعم أنهم قتلة ريجيني وأنه تم العثور على متعلقات الباحث الإيطالي في شقة أحدهم ولكن اتضح فيما بعد أنهم لا علاقة لهم بالجريمة وأن الهدف هو تضليل العدالة وغلق ملف القضية بارتكاب جريمة أخرى أكثر بشاعة راح ضحيتها 4 أبرياء.
ابتزاز العسكر
على وجه اليقين فإن إيطاليا تعلم أن نظام السيسي وأجهزته الأمنية غير معنيين بالكشف عن القتلة؛ فهم معروفون بالاسم لكن نظام السيسي تعهد بحماية رجال عصابته مهما ارتكبوا من جرائم وتورطوا في مذابح، فلماذا فجرت روما القضية من جديد في هذا التوقيت؟ وما الجديد الذي طرأ لكي تقوم بتصعيد الموقف فجاة وهي التي سمحت بالقضية أن تبرد على وقع صفقات الطاقة لشركة إيني الإيطالية والتي حصلت على امتيازات واسعة من حكومة الانقلاب خلال السنوات الماضية خصوصا بعد جريمة ريجيني.

بناء على مجريات وتطورات القضية خلال السنتين الماضيتين؛ هل روما جادة حقًّا في تقديم القتلة للعدالة؟ هناك شكوك حول ذلك والأرجح أن إيطاليا تستخدم ورقة ريجيني لابتزاز نظام العسكر كلما احتاج الأمر ؛ والدليل على ذلك أن روما سحبت سفيرها بعد شهرين من مقتل ريجيني ثم تراجعت وأرسلت سفيرا جديدا بعد 17 شهرا!
من جانب آخر يبدو أن نتائج مؤتمر “باليرمو” حول ليبيا الذي عقد مؤخرا في إيطاليا، لم يرض طموحات روما ورأت أن السيسي لم يكن متجاوبا مع المطالب الإيطالية بما فيه الكفاية؛ لذلك حركت ورقة ريجيني للضغط على السيسي من أجل تقديم تنازلات في الملف الليبي والضط على حليفه حفتر من أجل التجاوب مع مخططات روما في ليبيا.
إذا كانت صفقات الطاقة لحساب “إيني” التي تحظى منذ مقتل “ريجيني” بامتيازات واسعة كبديل عن تحقيقات جادة في القضية التي ستبقى معلقة؛ لأن روما وجدت فيها فرصة ذهبية توظفها سياسيا، وتبتز بها نظام العسكر كلما احتاجت لذلك لخدمة مصالحها السياسية والاقتصادية والإقليمية.
ستبقى قضية ريجيني معلقة كما ستبقى قضية خاشقجي معلقة مع بقاء بن سلمان لأن مصالح الغرب هي في استمرار هذه المعادلة في ظل وجود حكام مستبدين لا يحظون بأي شرعية شعبية ويمكن مساومتهم وابتزازهم بسهولة.