أكدت دراسة حديثة أن الثورات في العالم تتفق في الغايات وهي "الإطاحة بالنظم المستبدة"، وتتشابه في المحددات "الداخلية والخارجية التي تشكل وقودًا لها"، وربما تتباين في الآليات "الاستراتيجيات والوسائل"، والمآلات "نجاح أو فشل". وأوضحت دراسة " محددات نجاح الثورات: الثورة المصرية مقارنة بالثورتين الهندية والإيرانية" التي أعدها الدكتور بدر الشافعي -أستاذ العلوم السياسية- ونشرها مركز الجزيرة للدراسات أن نجاح أو فشل أي ثورة في تحقيق أهدافها، والمدى الزمني اللازم لذلك، وكذلك التكلفة البشرية والمادية اللازمة والمطلوبة يتوقف على مجموعة من المحددات الداخلية والخارجية؛ التي ربما تجعل ثورة تنجح بتكلفة أقل في مدى زمني أقل أو أكثر، والعكس صحيح أيضًا. وأشارت الدراسة إلى أنه من المفيد في حالة ثورات الربيع العربي تناول هذه المحددات؛ لاسيما أن المنطقة بحسب بعض المحللين لا تزال في مرحلة المد الثوري؛ التي لم تتوقف عند الإطاحة ببعض هذه النظم؛ كما هو في حالات مصر واليمن وليبيا، أو انتصار الثورة المضادة عقب الإطاحة بالنظم المنتخبة "الحالة المصرية". آليات نجاح الثورات وقال الدكتور بدر الشافعي إنه تناول في دراسته الإطار النظري للمحددات الداخلية والخارجية؛ التي تؤثر على الثورات بصفة عامة، ثم تطبيق ذلك على الحالة المصرية بعد انقلاب 3 يوليو 2013، وبروز حالة ثورية جديدة، من خلال عقد مقارنة بينها وبين كلٍّ من الثورتين الهندية والإيرانية؛ باعتبار التشابه فيما بينها في كلٍّ من الغاية والاستيراتيجية "السلمية"؛ مع وجود تباينات تميز كلاًّ منها وتكسبها وضعية خاصة بها.
وأوضح الشافعي، أن نجاح أو فشل أي ثورة يتوقف على مجموعة من المحددات الداخلية والخارجية، فضلاً عن المنهج الذي تتبعه في عملية التغيير، سواء كان سلمًا أو عنفًا أو الجمع بينهما؛ هذه المحددات ربما تحدد أيضًا المدى الزمني اللازم لتحقيق الثورة أهدافها، مشيراً إلى أنه بالنسبة للحالة المصرية، فقد سادت نبرة تفاؤلية منذ الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو على أن عودته إلى الحكم باتت وشيكة؛ مما جعل أنصاره يتمسكون باعتصامهم في رابعة والنهضة. ونبه إلى أنه بعد فضِّ هذين الاعتصامين بات الحديث حتى داخل أنصار التيار الثوري خاصة الإخوان عن إمكانية نجاح الثورة، وهل السبب في الفشل يرجع إلى المنهج "السلمي"، وبالتالي لا بُدَّ من إجراء مراجعات لهذه الاستراتيجية أم إلى غياب هذه المحددات؛ وحاولت الدراسة الإجابة عن هذا السؤال تحديدًا من خلال إجراء مقارنة بين الحالة المصرية والثورتين الهندية والإيرانية. وخلصت الدراسة إلى وجود تباينات كبيرة في هذه المحددات لصالح هاتين الثورتين، أو بمعنى آخر: فإن الحالة المصرية أمامها الكثير لتحقيق هذا النجاح؛ الذي لا بُدَّ أن يرتكز على خيار السلمية بشكل أساس، ولا ينجر إلى العنف أو عسكرة الثورة الذي يصب في صالح النظام الانقلابي. وأشارت إلى أنه على الرغم من أن المدى الزمني للحالة المصرية منذ الانقلاب عام 2013 "عامان" يختلف عن الحالتين الهندية "17 عامًا"، والإيرانية "16 عامًا"، كما أن العديد من المحددات ربما تتغير سلبًا أو إيجابًا خصمًا أو إضافة للحالة الثورية مع مرور الزمن؛ فإنه يمكن القول بوجود تشابه بين الحالات الثلاث في نهج السلمية، وأن محددات نجاح الثورة المصرية ربما ليست متوافرة الآن كما كان في الحالتين الهندية والإيرانية، وهو ما يطرح تساؤلاً عن السيناريوهات المتاحة للحراك الثوري في مصر في الفترة القادمة لكي تنجح الثورة في كسر الانقلاب. ورصدت الدراسة سيناريوهين: الأول: الاستمرار في الحراك الثوري، والرهان على عنصر الوقت، وهذا السيناريو يتضمن ثلاث آليات فرعية: 1-الاستمرار في السلمية بالمعنى الحرفي للكلمة، بغض النظر عن حجم التكلفة المادية والبشرية؛ التي تصيب الطرف الثوري، وفق مبدأ "سلميتنا أقوى من الرصاص". 2-الاستمرار في نهج السلمية "المبدعة"؛ التي تعتمد على استخدام أساليب العنف دون السلاح، وفق مبدأ: "ما دون الرصاص فهو سلمي"، وبالتالي لا يجوز استخدام للسلاح أو عسكرة الثورة، وعدم استخدام القوة إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس. 3-عسكرة الثورة بمعنى استخدام السلاح في المواجهة في ظل استمرار النظام في عمليات التصفية الجسدية ضد المعارضين، لاسيما وأن نهج السلمية لم يؤدِّ إلا إلى التصعيد من قبل سلطات الانقلاب. الثاني: القبول بالتفاوض السياسي لصعوبة حسم الموضوع في ظل المعادلة الصفرية ولميل العوامل الداخلية والخارجية لصالح سلطات الانقلاب. وأشارت الدراسة إلى أنه من الواضح أن خيار التفاوض ليس مطروحًا في أجندة النظام الانقلابي بل يعمل على التصعيد يومًا بعد يوم، وكان آخر ذلك أحكام الإعدام ضد الرئيس الشرعي د. محمد مرسي، وقيادات في جماعة الإخوان المسلمين ورموز من ثورة يناير وأكدت أنه من ثم لا يوجد خيار أمام الطرف الثوري سوى السيناريو الأول؛ سواء من خلال الخيار الأول "السلمية" أو الثاني "الاستخدام النوعي للعنف"؛ ولكن على مستوى محدود وسري على غرار ما حدث في التجربتين الإيرانية والهندية، مع ضرورة إسقاط خيار عسكرة الثورة لأنه يصبُّ في صالح النظام الانقلابي فقط.