تداعيات كارثية لإقرار قانون جرائم تقنية المعلومات على الاستثمار والأمان الشخصي

- ‎فيتقارير

وافق مجلس النواب الانقلابي بشكل نهائي، الثلاثاء، على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وذلك في جلسته العامة، التي شهدت مطالبة رئيس البرلمان علي عبد العال الأعضاء لإعلان موافقتهم التي أتت بأغلبية لم يخرج عنها سوى النائب عفيفي كامل، الذي تقدم بطلب لإعادة المداولة بخصوص المادتين «2» و«24» من القانون، وهو ما تم رفضه.

ويحتوي مشروع القانون المقدم من حكومة الانقلاب، والذي تمت الموافقة عليه، على 45 مادة، تحوي 29 عقوبة تتراوح بين السجن من 3 شهور وحتى 5 سنوات، والغرامة التي تبدأ بـ 10 آلاف جنيه وحتى 20 مليون جنيه.

فيما كانت مشروعات قوانين أخرى حول تقنية المعلومات قد طرحت خلال السنوات الماضية، منها مسودة قدمتها وزارة العدل لمجلس الوزراء في مارس 2015، تطابقت مع مشروع قانون تقدم به النائب تامر الشهاوي إلى لجنة الاقتراحات والشكاوى في البرلمان في مايو 2016. وقتها، اعتبر عدد من المنظمات الحقوقية مشروع القانون «يخل بمبدأ المساواة أمام القانون ويعاقب على استخدام تقنيات المعلوماتية»، وأن «استعداء من كتب القانون للإنترنت بلغ حدوده القصوى، فلم يعد هناك الكثير الذي يمكن أن يضاف بعد تمرير قانون بهذه الدرجة من القسوة إلا المنع المباشر لاستخدام الإنترنت».

تلك المسودات تبعها مسودة أخرى في سبتمبر 2016 حملت اسم «قانون جرائم تقنية المعلومات» أعدتها لجنة الإصلاح التشريعي، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وضمت تلك المسودة 56 مادة، تطابقت غالبية موادها مع مواد مشروع القانون الجديد.

معاداة التقنية

وسبق أن أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز دعم لتقنية المعلومات ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، عدة مطالبات لوقف مشروع القانون لما يحتويه من خلل قانوني كبير، وتشدد غير مسبوق في توزيع الجرائم والتهم، واستعمال المفاهيم الفضفاضة والصياغات الملتبسة للتضييق على استخدامات الإنترنت.

وصفت المنظمات في تقريرها أن مفهوم الجريمة الإلكترونية في حد ذاته “خاطئ وضار بالمساواة أمام القانون”، قائلة إن “مشروع القانون يخلق وضعا جديدا في القانون الجنائي المصري، حيث ينشئ عقوبات جديدة تبعا لطريق ارتكاب الجرائم وليس تبعا للجرائم نفسها”.

وأوضح التقرير أن القانون سيعاقب، على سبيل المثال، على ارتكاب جرائم العنف عن طريق الإنترنت بمواد قانونية مختلفة عن تلك الموجودة في القانون، وهو كتشريع عقوبة للقتل بالسيف مختلفة عن عقوبة القتل بإطلاق الرصاص.

وأشار إلى أن “هذا ينتج مواد عقابية خاصة بالنطاق الرقمي أشد من أن تلك الموجودة بالفعل (..) ما ينفي مبدأ المساواة أمام القانون، ويحول القانون من المعاقبة على الأفعال إلى معاقبة الناس على استخدام تقنية المعلومات”.

ورصد التقرير أيضًا وجود “صياغة فضفاضة لا تناسب القانون الجنائي”، خاصة في تعريف القانون لكل من “تقنية المعلومات” و”البريد الإلكتروني” و”الموقع الإلكتروني”. ووصف ذلك بأنه “يشير إلى اختلاط المفاهيم في عقل مؤلف مشروع القانون وإلى ضعف معرفته بتقنيات المعلومات، وهو اختلاط يزيد من صعوبة تطبيق قانون، تجتهد المحاكم حول العالم في فهمه وتفسيره باعتباره مجالا جديدا في فقه الإجراءات”.

كما أشار التقرير إلى أن القانون يشمل عقوبات شديدة القسوة، وقال: “تعتمد مسودة مشروع القانون بشكلها الحالى عقوبات كثيرة تتنوع بين الحبس والسجن لمدد طويلة قد تصل إلى السجن المشدد والمؤبد، بل وحتى الإعدام (..) حيث ارتفعت مدد الحبس وزادت قيم الغرامات في حالات إلى 20 مليون جنيه، وظهرت عقوبة الإعدام في حالة من حالات الامتناع عن تنفيذ قرار المحكمة بحجب بعض المحتوى على الإنترنت”.

كما أن القانون يكرس لـ“حماية الأقوياء أكثر من الضعفاء” حيث “تزيد العقوبة في مسودة القانون إن ارتكبت الجريمة ذاتها في حق الأشخاص الاعتبارية العامة (مثل الحكومة أو الهيئات العامة) عن تلك التي ترتكب في حق الأشخاص الاعتبارية الخاصة عن تلك التي ترتكب في حق الأشخاص الطبيعيين. كما أن القانون يتيح، لأول مرة في تاريخ القانون المصري، “حجب محتوى الإنترنت في غير الحالات الاستثنائية التي ينظمها قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وهو في هذا يحذو في إضفاء صفة الاعتيادية على حالات قانونية استثنائية حذو قوانين أخرى سيئة السمعة نالها الانتقاد مثل قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015″، فبحسب التقرير، تذكر المادة 14 من المشروع “تهديد الأمن القومي” باعتباره السبب الوحيد لحجب المحتوى، في حين أن القانون لا يورد في التعريفات ما المقصود بالأمن القومي.

وبحسب مراقبين فإن خطورة القانون ستصعب من مناخ الأعمال والاستثمار المتراجع أساسا في مصر.

تدمير الاستثمارات

وشهدت الفترة الاخيرة تصعيدًا ملحوظًا في جهود الحكومة لتعزيز قدرتها على اعتراض ومراقبة الرسائل والاتصالات المتبادلة عبر الإنترنت بشكل جماعي وشامل، وإعاقة عمل أدوات الأمان
الرقمي المستعملة في مصر على نطاق واسع من قبل الأفراد وشركات القطاع الخاص بغرض تأمين تلك الاتصالات والمراسلات.

وكشف خبراء تقنيون ومسؤولون تنفيذيون في شركات متخصصة في توفير خدمات الأمن المعلوماتي وناشطون في مجال الحريات الرقمية،عن اضطرابات متكررة في نشاط الإنترنت في مصر بدأت منذ منتصف العام الماضي، وأدت في أحيان إلى إعاقة كاملة أو جزئية لعمل أدوات تعمية الاتصالات التي تعتمد عليها قطاعات تجارية وخدمية وأهلية عدة في مصر- فضلًا عن المستخدمين الأفراد- بغرض تأمين تداول المعلومات.

بدأ المختصون في ملاحظة وتسجيل تلك الاضطرابات في شهر أغسطس 2016، والتي ظهرت في البداية في صورة أخطاء تقنية حدثت أثناء قيام جهة رسمية بتثبيت وتجهيز إعدادات نظام تقني جديد يسمح باعتراض اتصالات الإنترنت بشكل جماعي، وذلك طبقًا لمسؤول حكومي وثيق الصلة بملف إدارة الإنترنت والاتصالات في مصر.

وفيما اختفت أغلب تلك الاضطرابات والأخطاء في غضون بضعة أسابيع، إلا أن الأدلة استمرت في التواتر عبر الأشهر التالية على تواصل إجراءات الأجهزة الحكومية الرامية إلى اعتراض وإعاقة الاتصالات المعمّاة عبر الإنترنت على نطاق واسع وجماعي.

وتشير عبارة «تعمية الاتصالات encryption» إلى عملية تحويل البيانات المتداولة عبر الإنترنت إلى صيغة غير مقروءة إلا بواسطة مفاتيح سريّة، لمنع أي طرف من الاطلاع على فحوى الاتصال باستثناء طرفي الاتصال اللذين يملكان هذه المفاتيح السرية. وتستخدم أدوات التعمية تلك في طيف واسع من اﻷعمال التي تعتمد على تأمين بيانات عملائها، كقطاعات البنوك والبترول والاتصالات والتأمين وغيرها، إلى جانب الناشطين المدنيين والمعارضين السياسيين الراغبين في تفادي التجسس الأمني على محتويات اتصالاتهم، وهو ما دفع بعض الشركات العاملة في الأمن المعلوماتي إلى التوقف عن تحصيل أتعابها الشهرية من عملائها لحين التغلب على تلك المشكلات.

ويشير خبراء تقنيون إلى أن التدخلات الحكومية، تتسبب في خسائر بملايين الدولارات، وإغلاق الشركات المصرية العاملة في مجال تأمين البيانات، وتصفية اﻷعمال الأخرى المعتمدة عليها
، فعندما يفكر مستثمرون في القدوم إلى مصر، فإن مشكلات كهذه سوف تؤخذ في الاعتبار.

ويعد قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هو الأعلى من حيث معدلات النمو من بين قطاعات الاقتصاد، بنسبة 11.2% خلال الربع الأول من السنة المالية 2016-2017، وفقًا لبيانات وزارة الاتصالات، بينما وصلت مساهمة قطاع الاتصالات في الناتج القومي المصري إلى نحو 3.2%، بحسب وزير الاتصالات ياسر القاضي.

من المراقبة الموجهة إلى التنصت الشامل

كانت وثائق عدّة قد كشفت في السابق عن سعي الحكومة المصرية لامتلاك تقنيات تتيح لها أشكالًا شتّى من مراقبة الاتصالات، لعل أهمها تسريبات شركة هاكينج تيم Hacking Team الإيطالية العاملة في مجال تكنولوجيا المراقبة والاختراق. وتعرضت الشركة لاختراق واسع النطاق في 2015 نتج عنه تسريب عدد ضخم من المستندات، بلغ حجمها حوالي 400 جيجابايت، تتضمن مراسلات إلكترونية وعقود صفقات وفواتير وميزانيات مالية، من بينها مراسلات مع أجهزة أمنية مصرية مختلفة.

لكن تلك الوثائق وغيرها كانت تشير إلى رغبة الأجهزة المصرية في الحصول على تقنيات تتيح في معظمها المراقبة الموجهة لمستخدمين محددين. «ما نتحدث عنه الآن أمر مختلف: نظام يراقب ماسورة اﻹنترنت نفسها»، يقول أحمد مكاوي، الباحث التقني ومؤسس ومدير شركة سبيرولا للأنظمة، والذي أجرى تحقيقًا تقنيًا لمحاولة فهم أسباب ما حدث للشبكة خلال العام الماضي.

أولى المشكلات التي واجهتها الشركات والمتخصصون في أغسطس الماضي -والتي أشارت إلى استهداف أمني للبنية التحتية للشبكة بأكملها في مصر- كانت في استخدام تقنية تعرف بـ «اتصالات القشرة اﻵمنة Secure Shell» أو ما يعرف اختصارًا بـ SSH، وهو بروتوكول لتوفير قنوات اتصال آمنة عبر الشبكات يوفره مقدمون مختلفون للخدمة في مصر والعالم، ويُستخدم في إجراء الملايين من عمليات الاتصال التي تحدث عبر اﻹنترنت كل يوم.

الحرب على الإنترنت

ويمثل استعمال اﻹنترنت هاجسًا كبيرًا للحكومة الانقلابية، حيث يتزايد اعتقال عدد من مسؤولي صفحات فيسبوك وإخضاعهم للمحاكمة، بجانب القانون الجديد لمكافحة الجريمة اﻹلكترونية، وهو قانون لا يحارب جرائم الإنترنت وإنما «يعاقب على استخدام تقنيات المعلوماتية».

كما أوقفت سلطات الانقلاب العسكري خدمة اﻹنترنت المجاني المقدمة من فيسبوك بعد رفض الشركة تمكين الحكومة من مراقبة عملائها.

وفي مارس 2015 أعلنت شركة جوجل في بيان لها أن شركة مصرية تدعى MCS Holdings أحدثت اختراقًا أمنيًا استشعره مهندسوها، عبر محاولة النفاذ إلى حزم البيانات أثناء تمريرها عبر الشبكة بين المرسل والمستقبل، بما يتضمن إمكانية الاطلاع على المحتوى الذي يقرأه المستخدمون، وكذلك مراسلاتهم الخاصة، وبياناتهم الشخصية، وانتحال هويّات المواقع والأفراد، والاستحواذ على بيانات سريّة.

كما كشف معمل «Citizen Lab» للبحوث التقنية، والتابع لجامعة تورنتو الكندية، في أغسطس 2013 أن الحكومة المصرية تستخدم نظامًا يدعى ProxySG، تنتجه شركة «Blue Coat» الأمريكية، يتيح إمكانية مراقبة وترشيح محتويات الإنترنت بشكل جماعي غير موجه

ووفقًا لأحدث إحصاءات وزارة الاتصالات، فإن عدد مستخدمي الإنترنت في مصر قد وصل بنهاية العام الماضي إلى أكثر من 30 مليون مستخدم.

وبحسب قانونيين فإن التنصت الجماعي على الاتصالات والمراسلات يفتقر إلى أسس دستورية وقانونية. فالمادة 57 من الدستور تنص على أن «للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون».

كما يضمن قانون الاتصالات الصادر عام 2003 حق المستخدمين في سرية اتصالاتهم في أكثر من موضع، مع إضافة «بما لا يمس بالأمن القومي والمصالح العليا للدولة».

غير أن القانون ذاته يتضمن نصًا إشكاليًا في مادته رقم 46 التي تنص على أنه «ومع مراعاة حرمة الحياة الخاصة للمواطنين التي يحميها القانون يلتزم كل مشغل أو مقدم خدمة أو يوفر على نفقته داخل شبكة الاتصالات المرخص له بها كافة الإمكانيات الفنية من معدات ونظم وبرامج واتصالات داخل شبكة الاتصالات والتي تتيح للقوات المسلحة وأجهزة الأمن القومي ممارسة اختصاصها في حدود القانون».

القانون المقصود هنا هو قانون الإجراءات الجنائية، الذي يفرض بدوره شروطًا تقيد من سلطة أجهزة الأمن في استعمال التنصت القانوني: تنص المادة 95 من القانون على أنه «لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللا سلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر».

كما اشترطت المادة «أن يكون الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل بناءً على أمر مسبب ولمدة لا تزيد على ثلاثين يومًا قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة».

ويرى عمرو غربية، مسؤول ملف التقنية والحريات في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تصريحات صحفية، أن الشروط التي يفرضها القانون على التنصت على الاتصالات الهاتفية يجب أن ينطبق أيضًا على النطاق اﻹلكتروني. «التنصت بالاستهداف يكون لأفراد بعينهم، والمفترض أن يكون لقضية بعينها ولمدة محددة مسبقًا و بحثًا عن أشياء بعينها»، ويستكمل: «لكن التنصت الواسع أمر مختلف: التنصت الواسع يسمع كلام كل الناس طول الوقت بدون تحقيق في قضية”!!!.

وبذلك تتحول مصر لبلد بلا حريات ولا امان في سبيل بقاء نظا عسكري فاشل في النهوض بحياة المواطنين، محولا حياتهم لجحيم اقتصادي وظلم اجتماعي وانتهاكات جقوقية وتخلف علمي بدعاوى واهية من الامن والحماية.