الدعم في مصر لا يصل لمستحقيه

- ‎فيمقالات

يشير الخطاب للنظام المصري، عند استعراض أرقام الموازنة العامة للحكومة أو عند الحديث عن الرعاية الاجتماعية، إلى توجيه 328 مليار جنيه للدعم، وبما يمثل نسبة 19 في المئة من مجمل الاستخدامات في الموازنة للعام المالي الحالي (2018/2019)، محتلا المركز الثاني بعد فوائد الديون البالغة 541 مليار جنيه.

وعندما يتم ذكر الدعم الحكومي، تتجه الأذهان إلى الدعم السلعي للبطاقات التموينية المستمر منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، والذي يستفيد منه نحو 69 مليون مواطن، حسب بيانات وزارة المالية المصرية، رغم تناقص العدد في الشهور الأخيرة نتيجة حذف الكثيرين، وذلك بواقع خمسين جنيها للفرد شهريا حتى أربعة أفراد للأسرة، وما يزيد عن ذلك من أفراد في الأسرة بنحو 25 جنيها للفرد.

إلا أن مخصصات دعم تلك البطاقات التموينية في العام المالي الحالي قد بلغت 37 مليار جنيه فقط، أي بنسبة 11 في المئة من مجمل الدعم الوارد في الموازنة، وهو رقم مرشح للانخفاض في ضوء استعداد لجنة وزارية للإعلان عن ضوابط لاستحقاق الدعم التمويني، سينجم عنها استبعاد ملايين الأفراد.

كما تقوم وزارة التموين بتقليص عدد الأفراد في البطاقات التموينية منذ شهور، من خلال تنفيذ ضوابط سبق إصدارها تحصر المستحقين فيمن لا تتجاوز أجورهم الشهرية 1500 جنيه من الموظفين، وحتى 1200 جنيه لأصحاب المعاشات، وحتى 800 جنيه كدخل شهري للحرفيين، حيث يتم تطبيق تلك القواعد على كل من يطلب نقل بطاقته من مكان لآخر، وكذلك على من يرغبون في قيد مواليد جدد، استجابة لمطلب صندوق النقد الدولي بتقليص الدعم.

11 في المئة من الدعم للبطاقات التموينية

ويظل السؤال: إذا كان الدعم التمويني يمثل نسبة 11 في المئة من مخصصات الدعم، فأين تذهب النسبة الأكبر منه؟ تشير خريطة توزيع الدعم في العام المالي الحالي إلى توزعه بين العديد من الوزارات والجهات، بما يبعد كثيرا عن الأغراض التي تم تخصيص الدعم من أجلها؛ للتخفيف عن الطبقات الكادحة من آثار برنامج الإصلاح الذي حدده صندوق النقد الدولي، والذي تسبب في حالة من الغلاء والمعاناة لعموم المصريين، حيث تم تخصيص ما بين مليارين و600 مليون جنيه إلى أربعة مليارات جنيه لدعم المصدرين، بدعوى أن ذلك يساعدهم في المنافسة بالتصدير، وبالتالي في الحفاظ على العمالة الموجودة لديهم. أيضا هناك 89 مليارا لدعم المشتقات البترولية يستفيد منه الأغنياء أيضا، حيث يتم بيع البنزين والسولار والمازوت والكيروسين بسعر موحد للجميع، ليستفيد أصحاب السيارات الفارهة وشركات نقل البضائع والأشخاص من الدعم. كذلك هناك 16 مليار جنيه لدعم الكهرباء، في صورة سداد جزء من مديونية شركات إنتاج الكهرباء لوزارة البترول.

وتكثر الأمثلة لصرف الدعم في غير موضعه، حيث تتحصل مرافق وزارة المالية منه على 674 مليون جنيه، تتوزع ما بين 191 مليونا لمصلحة الضرائب العامة، و144 مليونا لمصلحة الجمارك، و123 مليونا لمصلحة الضرائب العقارية، و110 ملايين لمصلحة الضريبة على القيمة المضافة، و102 مليون لديوان عام وزارة المالية، والمفترض أن العاملين في تلك الجهات يتقاضون رواتب جيدة بالمقارنة بغيرهم من الوزارات.

33 مليون جنيه دعما للأوبرا

كما تحصل مصلحة الأمن والشرطة على 684 مليون جنيه من مخصصات الدعم؛ يذهب معظمها عادة لأندية ضباط الشرطة، كذلك تحصل وزارة العدل والمحاكم على 298 مليون جنيه من الدعم، يأخذ منها ديوان وزارة العدل 225 مليون جنيه وهيئة أبنية دور المحاكم 40 مليونا، والمحكمة الدستورية العليا 18 مليونا ونصف المليون، كما حصلت جهات النيابة العامة ومجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة على مبالغ أقل من الدعم.

وعلى الجانب الآخر، يتدنى النصيب من الدعم بجهات من المفترض أنها الأكثر احتياجا للدعم، ومنها صندوق تطوير العشوائيات الذي حصل على 900 ألف جنيه فقط من الدعم أى أقل من المليون جنيه، كما حصل المجلس القومى لرعاية المعاقين على 300 ألف جنيه فقط من الدعم أى أقل من نصف المليون جنيه.

وتبدو المفارقة صارخة حينما نجد دار الأوبرا وصندوق تطوير الأوبرا يحصلان معا على 33 مليون جنيه من أموال الدعم، كما حصل البيت الفني للمسرح على عشرة ملايين وقطاع الفنون الشعبية على أربعة ملايين؛ من إجمالي 113 مليون جنيه حصلت عليها جهات تقدم خدمات ثقافية.

ومن الغريب أن يحصل صندوق تطوير الطيران على مليار و226 مليون جنيه من أموال الدعم، وكذلك حصول ديوان عام وزارة الخارجية على 535 مليون جنيه بخلاف 30 مليون كدعم لمباني وزار الخارجية في الخارج، أيضا حصول قطاع التمثيل التجاري في الخارج على 40 مليون جنيه من الدعم رغم المرتبات العالية للعاملين فيه.

مليار جنيه للترفيه والرياضة

ومن الطرائف أيضا حصول الهيئة الوطنية للصحافة، والتي حلت مكان المجلس الأعلى للصحافة، على 384 مليون جنيه من أموال الدعم، لتنفقها على أجور ومكافآت الصحفيين في الصحف الحكومية والخاصة، كما حصل المجلس الأعلى للإعلام على تسعة ملايين جنيه من أموال الدعم، في ظل غياب برلمان حقيقي يراقب أداء الحكومة ويقومه، وفي ظل الهيمنة على وسائل الإعلام وترصد مضمون مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلى الجانب الآخر، نجد مخصصات أقل كثيرا لخدمات صحية حيوية، حيث بلغ نصيب بنوك الدم ثلاثة ملايين فقط من الدعم، ومراكز علاج الأورام في المحافظات تسعة ملايين، وحصول صندوق تطوير التعليم على مليون فقط، ومديريات الإسكان في المحافظات على مليون جنيه لها جميعا، وهيئة نظافة القاهرة على نصف مليون جنيه فقط من الدعم، في حين حصل المجلس القومي للشباب على 487 مليونا من الدعم، والمجلس الأعلى للرياضة على 377 مليونا أخرى، بخلاف 131 مليونا لمديريات الشباب والرياضة في المحافظات، ليصل مجمل نصيب الخدمات الترفيهية والرياضية من الدعم لأكثر من مليار جنيه.

==============

نقلا عن “عربي 21”

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها