صدق أو لا تصدق.. تركيا أجهضت معاهدات تفريط السيسي في غاز مصر لصالح قبرص واليونان!

- ‎فيتقارير

قد يكون الأمر مفاجأة للمصريين لكنه مفاجأة سارة، تتلخص في أن تحركًا تركيًّا للحفاظ على حقوقها من استكشافات الغاز في البحر المتوسط، نجح في أن يحافظ على حقوق مصر في الغاز أيضًا بطريق غير مباشر.

القصة بدأت بكشف خبراء مصريين، منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، أن حقلي “لفياثان” الإسرائيلي (الذي سيبدأ الاحتلال تصدير إنتاجه لمصر)، و”أفروديت” القبرصي يمتدان في عمق ما يسمى “المياه الاقتصادية المصرية”، وهي بخلاف الحدود البحرية ناحية ميناء دمياط، وأن استحواذ إسرائيل وقبرص عليهما يعني نهب واستغلال غاز يعود إلى مصر.

بل وقدمت هيئة عمليات القوات المسلحة وهيئة المساحة العسكرية خرائط حينئذ، تؤكد أن حقول أفروديت المكتشفة في قبرص وليفاثان وشمشون الإسرائيليين لا تقع ضمن الحدود المصرية الاقتصادية!.

وفي تبريره زعم أسامة كمال، وزير البترول والثروة المعدنية السابق، أن حقل ليفيثان الإسرائيلي يقع طبقا للبيانات الرسمية وخرائط الحدود على مسافة 136 كم من إسرائيل مقابل 204 كيلومترات من دمياط، وبالتالي فهو أقرب لهم منا، فيما يقع حقل أفروديت القبرصي على بعد 154 كم من شواطئ ليموسو القبرصي، و187 كم من مدينة دمياط.

بحث تصويري

لكن الدكتور نائل الشافعي، الباحث في جامعة ماساتشوستس الأمريكية، الذي أجرى عملية بحث تصويري على منطقة الحقول الثلاثة، قال إنه اكتشف أن حقلي لفياثان الإسرائيلي المكتشف عام 2010 وأفروديت القبرصي المكتشف عام 2011 يقعان داخل المياه المصرية الاقتصادية الخالصة، على بعد 190 كم فقط من دمياط، و235 كم من حيفا في الأراضي المحتلة، و180 كم من ليماسول القبرصية، كما أنهما يقعان في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس، الذي تتحدث الخرائط القديمة عن مصريته منذ 2200 عام.

كانت المفاجأة الثانية، بحسب بحوث الدكتور “نائل”، أن الجزء الجنوبي من سفح هذا الجبل الغاطس يدخل ضمن نطاق امتياز شركة شمال المتوسط المصرية، المعروفة اختصارًا باسم «نيميد»، والتي منحت مصر امتياز التنقيب فيه واستغلاله لشركة رويال دتش شل الهولندية العملاقة عام 1999.

ومع هذا تغافل نظام المخلوع مبارك عن هذه الحقائق وفرط في هذه الحقوق، وجاء السيسي بانقلابه ليوقع على اتفاقيات تفريط في حقوق مصر الغازية مع قبرص ومع إسرائيل، بعدما فرط في حقوقها المائية بتوقيع اتفاق سد النهضة وحقوقها في الأرض بتسليم تيران وصنافير للسعودية.

سرقة إسرائيل

الأكثر غرابة أن رئيس اليونان أكد سرقة إسرائيل غاز مصر في أكتوبر 2012، حيث تحدث الرئيس اليوناني كارلوس باباليوس، عن محاولات إسرائيل الاستيلاء على احتياطيات البترول والغاز داخل المنطقة الاقتصادية المصرية في البحر المتوسط، ما أثار جدلا جديدا حول حماية ثروات مصر الطبيعية.

وقال كارلوس، فى حديث للإعلامي وائل الابراشى فى برنامج «العاشرة مساء» حينئذ: إن تلك الحقول مهمة لمصر، وإنه جاء إلى مصر من أجل منع استيلاء إسرائيل عليها، خاصة أن لليونان مصلحة مباشرة فى التصدي لمحاولات إسرائيل الاستيلاء على ثروات البحر المتوسط.

وأضاف: “حقول النفط تقع فى الحدود الإقليمية المصرية، وعلى الدولة المصرية أن تهتم بها لأنها مفيدة لها”، ولكن وزارة البترول ردت حينئذ على ذلك بنفي سرقة إسرائيل الغاز المصري!.

وعلق الخبير البترولى الدكتور إبراهيم زهران على التصريحات اليونانية في ذلك الحين قائلا: إن «مياهنا الاقتصادية فى البحرين الأبيض والأحمر أصبحت سداحا مداحا»، مؤكدا أن المناطق البحرية المصرية تم اختراقها من قبل أطراف دولية عدة، حيث استولت إسرائيل على آبار بترولية كثيرة فى المياه البحرية أمام سيناء، كما استولت اليونان على منطقة تبعد عن مطروح بـ30 كيلو، لاستخرج البترول، فيما استولت السعودية على حقل بترول يبعد عن جزيرة شدوان بكيلومتر واحد تقريبا.

تركيا وتنازل السيسي

وأكدت وكالة بلومبرج أن تركيا تعد لمواجهة بشرق المتوسط حول حقوق استكشاف الغاز الطبيعي، وأضافت أن أنقرة أرسلت سفينة حفر في المياه العميقة، وذلك وسط سفن حربية تركية، من أجل الكشف عن الغاز الطبيعي والنفط في المياه المتنازع عليها في المتوسط، وقالت الوكالة إن ذلك التحرك سيزيد من التوترات مع اليونان.

كانت تركيا قد أرسلت قواتها البحرية، في وقت سابق من هذا العام، للمياه القبرصية لاعتراض حفار تابع لشركة إيني الإيطالية ومنعه من الاقتراب إلى منطقة لاستكشاف الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية، وجاء ذلك قبل أشهر قليلة من توقيع كل من مصر وقبرص اتفاقية تمهد الطريق لتصدير الغاز القبرصي إلى مصر.

وكشف الخبير المصري نائل الشافعي، الذي كان أول من فضح تخلي نظام مبارك عن حقوق مصر في الغاز المكتشف بـ”المياه الاقتصادية” لليونان وقبرص، عن أن تحريك تركيا سفينتي حفر ومسح في البحر المتوسط هذا الأسبوع جعل اتفاقيات السيسي التفريطية مع اليونان وقبرص كأن لم تكن.

السفينة الأولى، وهي حفار تركي يسمى “الفاتح”، بدأت العمل الثلاثاء الماضي في خليج أنطاليا، ستقوض مزاعم تلامس الحدود اليونانية-القبرصية، المبنية على أن جزيرة كاستلوريزو التي تحتلها اليونان لها مياه اقتصادية في كل الساحل التركي، وهي الجزيرة التي تحجج بها المفرطون المصريون بأن لها مياها إقليمية واقتصادية.

والسفينة الثانية: هي سفينة المسح السيزمي “بارباروس” التي تعمل منذ أسبوع شمال نقطة المنتصف لأقصر مسافة بين مصر وتركيا بين “شاويش كوي” التركية وبلطيم المصرية، وستقوض تفريط مصر في ضعف مساحة الدلتا لقبرص لتمرير الأنبوب الإسرائيلي الذي سيتحتم عليه المرور في مياه تركية، حين تسمح التكنولوجيا.

نشاط السفينة “الفاتح” يقوض نقطة الأساس اليونانية المزعومة في كاستلوريزو، ونشاط السفينة “برباروس” يلغي أول ستة من نقاط الترسيم الثمانية (بالخريطة) للحدود المصرية-القبرصية الفاسدة المتفق عليها في 2003، والمؤكد عليها باتفاق المكامن في 12-12-2013.

اتفاقيات السيسي

جاء التحرك التركي ليقوض بشكل غير مباشر اتفاقيات وقعها السيسي للتفريط في حقوق مصر من الغاز مع قبرص واليونان والتفريط في الحقوق الاقتصادية.

ويمكن رصد آثار تقويض تركيا لترسيم الحدود المصري-القبرصي على النحو التالي كما يوضحها الدكتور “الشافعي”:

1-     الأنبوب الإسرائيلي إلى كريت ثم أوروبا الذي كان الصهاينة يرغبون في مده لتصدير غازهم لن يمكن مده، لأنه عمليا سيمر في مياه تركية، وتركيا لن تسمح بمروره إلى اليونان إلا بعد ترسيم حدودها البحرية مع اليونان، بما في ذلك جزر الدوديكانيز المتنازع عليها.

2-     الغاز الإسرائيلي لن يجد سوقا له إلا السوق المصرية، لذلك ستزيد إسرائيل من مبيعاتها إلى مصر، ويتصادف ذلك مع إما تراجع إنتاج مصر من الغاز، أو اضطرار مصر لبيع غازها لمحطتي الإسالة (البريطانية في إدكو والاسبانية الإيطالية في دمياط) بسعر أقل مما تشتري به الغاز الإسرائيلي، وقد تبيع إسرائيل جزءا من غازها إلى السوق السعودية، كما أُعلِن ضمن خطة نيوم وصفقة القرن.

3-     قد تتمسك قبرص (وإسرائيل) بشريط بحري يصل قبرص باليونان، مقتطع من المياه المصرية، وفيه سيمر الأنبوب الإسرائيلي إلى كريت، إلا أن هذا الحل بالغ الصعوبة لمروره في عمق 4200 متر، كما أن شكل الشريط البحري سيكون إهانة لمصر وغالباً لن تسمح تركيا ببقائه.

شركة مملوكة للمخابرات

كان موقع “مدى مصر” قد نشر تقريرًا عن شراء شركة مملوكة للمخابرات المصرية العامة غاز إسرائيل، خلاصته أن الغاز المستورد من الكيان الصهيوني سوف تستهلكه مصر ولن تصدره، بسبب غلاء سعره مقارنة بالسعر الذي تشتري به أوروبا، وهو ما يعني استفادة تل أبيب.

وهذا ما يفسر قول رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو لشعبه: «هذه الاتفاقية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة (الصهيونية) وستصرف هذه الأموال لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين الصهاينة». وقوله: «هذا هو يوم عيد»، واضطر السيسي للرد عليه بطريقة عبيطة بقوله “احنا جبنا جون يا مصريين”!.

ترسيم الحدود

في عام 2004، وقعت مصر اتفاقية مع قبرص بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ترتب عليها اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي، بما سمح لقبرص وإسرائيل باستغلال حقول غاز طبيعي عملاقة داخل المياه الاقتصادية المصرية، المحددة بمعايير اتفاقية الأمم المتحدة، لقانون البحار لسنة 1982.

وكان من الممكن أن تظل هذه الاتفاقية عادية وتسري بدون مشاكل، حتى أعلن الرئيس القبرصي في يناير 2011 عن اكتشاف بلاده أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتقدر مبدئيًا بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار، فيما يسمى البلوك-12 من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي، وقرر تسميته حقل أفروديت.

لذلك أقام السفير إبراهيم يسري، صاحب قضية إيقاف تصدير الغاز المصري الى إسرائيل، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، قال فيها: “يقع البلوك للحقل 12 في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس المغمور في البحر، والذي يدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من 2000 سنة”، حسبما جاء في الدعوى والتقريرين العلميين المرافقين.

وبعدما أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات غاز طبيعي تعدت احتياطاتها نحو 1.22 تريليون متر مكعب، تقدر قيمتها الحالية بنحو 220 مليار دولار، قال خبراء جيولوجيون وقانونيون إن إسرائيل وقبرص قامتا بالاستيلاء عليها لأنها تقع في مناطق متداخلة مع الحدود الشمالية للمنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة لمصر، ومنها حقل غاز داخل المنطقة البحرية الاقتصادية شمال دمياط.

وخلال زيارة السيسي لقبرص عام 2015، وقع اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع قبرص، وخطورة هذا الاتفاق هو التنازل عن حقوق مصر في غاز “المتوسط”.

ومع أن خبراء في العلاقات الدولية، قالوا إن ترسيم الحدود البحرية هدفه التعاون بين كل من مصر وقبرص واليونان في مجال الاستفادة غاز المتوسط في ظل تعاظم تنقيب تركيا وإسرائيل عن الغاز هناك، وتشكيل تحالف قوي يضم الدول الثلاث في مقابل مساعي تركيا وإسرائيل واليونان للسيطرة على الغاز في البحر المتوسط، إلا أن الخبراء الجيولوجيين قالوا إن الاتفاق مع قبرص ضار لمصر.

حيث يرى هؤلاء الخبراء أن حقلي لفياثان الاسرائيلي وأفروديت القبرصي يمتدان في عمق (المياه الاقتصادية المصرية) ناحية ميناء دمياط المصري، وأن استحواذ إسرائيل وقبرص عليهما، يعني نهب واستغلال غاز يعود إلى مصر.