دراسة: عبد الناصر أحكم قبضته على انقلاب ٢٣ يوليو وعزَل نجيب بمعاونة أمريكا

- ‎فيتقارير

قالت ورقة بحثية لموقع “الشارع السياسي”: إن جمال عبدالناصر رئيس جمهورية ما بعد 23 يوليو مارس الوصاية على العقل الجمعي للشعب، في أكبر عملية تزييف للتاريخ، بعدما أعدم شرائط خطب الرئيس محمد نجيب  بعد ساعة من اعتقاله، بمشاركة صلاح سالم وحسني الحديدي.

كما رفض الاعتراف بأبوة نجيب للثورة في ثوبها الأبيض وقيادته لها، وفعل الشيء ذاته مع خطب وتصريحات زعماء ما قبل الثورة، وفي مقدمتهم مصطفي النحاس، كما أمر مدير مكتبه بتشريد 90 موظفًا بالبرلمان ووصفهم بأنهم حثالة الأحزاب، وعندما دخل البهو الفرعوني بمجلس النواب أمر بنقل تماثيل زعماء مصر إلي المخازن ومازالت باقية فيها حتي الآن.

تزييف الوعي

وكتب حازم عبدالرحمن للموقع ورقة بعنوان “ذكرى 23 يوليو 1952.. العسكر وتزييف التاريخ”، خلص فيها إلى أن حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 كان هدفها المعلن تحقيق الإصلاح، وقد بقي الحكم ملكيا عاما تقريبا بعد الحركة حيث تم إعلان الجمهورية وسقوط الملكية في 17 يونيو 1953، لكن العسكر انقلبوا على الرئيس محمد نجيب وعلى ما تعهدوا به، ليغادروا الثكنات إلى سدة الحكم، متربصين بحركة الشعب، حريصين على قمعه وإرهابه، وتجويعه وتجهيله، ويبقى الدور على الكتاب والمؤرخين ليكشفوا عن خيانات العسكر عهودهم بالأمس كما خانوها اليوم، وأنه ليس أمام هذا الشعب إلا أن يسترد حريته وكرامته.

عهد عبدالناصر

وقال إنه في عهد جمال عبد الناصر عمد الانتهازيون والمنافقون ممن يكتبون مقررات التاريخ إلى تشويه اللواء محمد نجيب، أول رئيس للجمهورية، وتجاهلوا دوره العظيم في نجاح حركة الضباط، وإسقاط الملكية، وإعلان الجمهورية، فضلاً عن مكانته عند الفلاحين؛ حيث كان أول من وزع عليهم الأراضي الزراعية، على عكس ما روجت دعاية عبد الناصر.

وكشف أن الدعاية الناصرية روجت أن ناصر أول رئيس مصري، وأضفت عليه هالة من الانتصارات الوهمية، وبرأته من مسئوليته عن هزيمة 5 يونيو 1967، بل أسمتها نكسة بدلاً من “هزيمة” وتم تسويق هذا المفهوم في كتب التاريخ حتى الآن، بالرغم من أن الهزيمة كانت كارثة كبرى على فلسطين ومصر، ومهانة وإذلالا لكل العرب، وقللت أجهزة الدعاية الناصرية من أهمية سيناء التي احتلها الصهاينة، بزعم أنها مجرد حبات من الرمال ضاعت، لكن المهم أن الزعيم باق!

منهاج وإعلام

وأشار “عبدالرحمن” إلى ان عملية تزييف لذاكرة المصريين بأدوات الدعاية التي يتحكم فيها العسكر، ومن أهمها المقررات الدراسية، ووسائل الإعلام؛ فإذا كان يجري الأن الترويج ضد ثورة 25 يناير، بأنها كانت مؤامرة خارجية ضد البلاد؛ وبالطبع يعمل العسكر جادين لإضفاء صفة الثورة على الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013؛ فماذا سيكون الوضع عند الحديث عن حركة الجيش في 23 يوليو 1952؟.

انقلاب 52

وقالت الشارع السياسي إن وصف حركة ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 بالانقلاب قد بدأ في الاستخدام أكثر من ذي قبل؛ مع أن الوصف الشائع هو أنها كانت ثورة، والسبب في ذلك المغالاة والمبالغات الشديدة التي انطوت عليها الكتابات السلطوية عن هذه الحقبة؛ فالتلاميذ من الابتدائي وحتى الجامعة يدرسون هذه الحقبة على أنها ثورة، ثم بعد اكتمال وعيهم وامتلاكهم أدوات النقد يتشككون فيما تعلموه في مقرراتهم، وقد بلغ هلع العسكر من نشر حقائق هذه الحقبة حد التشويه والاتهام لكل من يزيح جانبا من الأستار المظلمة التي كانت سبة في جبين مصر، لا يمحوها إلا استعادة هذا الشعب حريته الكاملة.

لماذا أبلغ الإخوان؟

وقالت الورقة إن تحرك الضباط ليلة 23 يوليو 1952 كانت لديهم خطة كاملة لكنهم لم يعلنوها، وأرادوا إخفاءها في أضابير التاريخ؛ لأنها تدين عددا منهم، خاصة جمال عبد الناصر، وبسبب مشاركة ضباط من الإخوان المسلمين؛ كان ضروريا أن يبلغ عبد الناصر الإخوان بحركة الجيش، ولنفس السبب أيضا وهو مشاركة ضباط شيوعيين، كان لا بد من إبلاغ التنظيم الشيوعي، لكن ما أخفاه عبد الناصر كان أخطر بكثير، فلم يعرف إلا عدد قليل من الضباط باتصالاته مع السفير الأمريكي في القاهرة جيفرسون كافري، وكذلك مؤامرة إقصاء الرئيس محمد نجيب أول رئيس للجمهورية، والتي كان من السهل إفشالها لولا مكر الثعالب، وأساليب ميكيافيللي التي اتبعها عبد الناصر مع الجميع، حيث حاز على موافقة أغلب قيادات الضباط في بقاء العسكر في الحكم، وعدم العودة إلى الثكنات، وهو ما كان يرفضه محمد نجيب وخالد محيي الدين، ثم جرى الانقلاب على نجيب وشن حملة اعتقالات وإعدامات، وحل الأحزاب السياسية، وفرض الإقامة الجبرية، والتخلص من الضباط الذين اختلف معهم، وإشاعة الخوف والرعب، مما كشفت عنه كثير من شهادات المعاصرين، وروايات الضحايا.

لم نتفق على شيء

وأشارت الورقة إلى المساندة والتأييد الشعبي لحركة الضباط كان لأنها أطلقت على نفسها في البداية “الحركة المباركة”، وكان هدفها إصلاحيا وليس ثوريا، وهذا ما جرى الاتفاق عليه، لكن عبد الناصر تنصل من ذلك وقال للإخوان المسلمين : لم نتفق على شيء، وشرع في تنفيذ خطته؛ ليتخلص من كل الذين شاركوا في المشهد، إلا من قبلوا العمل تحت وصايته، طمعا في السلطة.

إذن لم تكن المساندة الشعبية ليقوم الضباط بانقلاب عسكري يزيح الملك، ويعلن الجمهورية ليحكم العسكر البلاد بالحديد والنار، بل كان هناك اتفاق على الإصلاح بشكل عام، وقد كانت البداية ناجحة بتولي محمد نجيب الرئاسة لولا الانقلاب عليه؛ فقد كانت الخيانة والمراوغة والمؤامرات متأصلة لدى عبد الناصر ودائرته الضيقة؛ وكان نقض العهود والتنكيل بالشرفاء من كل الأطياف السياسية، فقد شمل الإخوان المسلمين والشيوعيين والوفديين؛ ليخلو الجو لعبد الناصر وزمرة من العسكر أغرتهم السلطة بالسطو على مقدرات الوطن، ونهب ممتلكات الموسرين من أبنائه، دون مسوغ شرعي، وهذه عائلاتهم التي تملك المليارات اليوم، داخل مصر وخارجها تشهد على فسادهم وسرقاتهم.

خيانة عبدالناصر

وقال حازم عبدالرحمن إنه كان الاتفاق على دعم حركة ضباط الجيش عاما، دون تفاصيل محددة، أو توقع للخيانة؛ فكان الانقلاب سهلا؛ برغم المعارضة الشديدة التي أبداها الإخوان والمظاهرة الحاشدة بميدان عابدين؛ وهي التي دفعت عبد الناصر إلى التراجع التكتيكي ليعود وينتقم.

وبعد سنوات من حركة الضباط تذكروا أن لها مبادئ وأهدافا؛ فأعلنوا ستة أهداف هي : القضاء على الاستعمار، والقضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم، والقضاء على الإقطاع، وإقامة جيش وطني، وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وكعادة العسكر يصنعون الضجيج ولا ترى طحنا؛ فهذه الأهداف كان مصيرها اللت والعجن في وسائل الإعلام؛ دون أثر ملموس في حياة الجماهير.

لا شرعية

وأشارت الورقة إلى أن عبد الناصر ظل يشعر في قرارة نفسه بفقدانه الشرعية؛ فكان يطلب من الأجهزة الأمنية أن تعرض على معتقلي الإخوان تأييد السلطة الحاكمة والاعتراف بشرعيتها مقابل الإفراج، وقد فعل ذلك أيضا مع زعيم الوفد مصطفى النحاس؛ إذ أرسل إليه الدكتور طه حسين؛ ليعرض عليه إعلان تأييد عبد الناصر لكن النحاس لم يرد عليه، وخرج طه حسين من عنده خجلا.

وقد كان التخلي عن السودان ـ وهو الجزء الأكبر من دولة واحدة كانت تسمى مملكة مصر والسودان ـ فاتورة باهظة دفعها العسكر من اللحم الحي مقابل إطلاق يدهم في مصر، وقد انقسم السودان إلى دولتين، ويجري الآن تنفيذ باقي المؤامرات ليتشظى هذا الوطن الكبير الغني بموارده وشعبه إلى أكثر من ذلك.