“التيس المستعار”.. تعرف إلى وظيفة مجلس العسكر لحقوق الإنسان

- ‎فيتقارير

بدلا من قيام المجلس القومي لحقوق الإنسان بعمل كافة الاستعدادات والترتيبات اللازمة للحد من جريمة التعذيب والاختفاء القسري في مصر، سخّر تلك الإمكانيات التقنية والفنية والإدارية لعقد مؤتمر لتجميل صورة عصابة الإجرام العسكري، وغسل أيديهم من جريمة التعذيب والاختفاء القسري.

وتدرس عصابة الانقلاب الاستمرار في تنظيم مؤتمر إقليمي حول مناهضة التعذيب في الدول العربية، والذي كان مقررًا في سبتمبر المقبل، رغم قرار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إرجاءه، إثر انتقادات حقوقية واسعة لعقده في مصر.

وقال حافظ أبو سعدة، عضو مجلس حقوق الإنسان في مصر: إن “اجتماعا قريبا للمجلس سيناقش مقترح استمرار عقد المؤتمر في موعده، بعيدا عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أو التفاوض معها على موعد آخر ليعقد في القاهرة أيضا”.

ويزول العجب بالعلم أن المجلس القومي لحقوق الإنسان هو في الأساس جهة حكومية خاضعة للانقلاب، وأن فكرة أن تستضيف عصابة العسكر مثل هذا الحدث مزحة، وأن السخرية الأكثر أن هذا يتم عن طريق مجلس يقوم دائما بتلميع صورة العصابة الإجرامية التي قامت بالانقلاب، ومن مهامه حاليا التواطؤ على حالة حقوق الإنسان.

القومي العسكري!

من جهته يقول الدكتور سيف الدين عبد الفتاح، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية: إن “المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي سمّيناه يوما “المجلس القومي العسكري لحقوق الإنسان”، بما يقوم به من دور المحلل “التيس المستعار” الذي يحاول أن يُمرر جريمة أو يحتال على موقف”.

وفيما يزيد عدد المعتقلين إلى ما فوق الستين ألف معتقل في سجون مصر المختلفة، شيدت عصابة الانقلاب من السجون بحيث تضاعف عددها، حتى أقامت سجنًا أخيرا أُطلق عليه سخرية من المصريين “سجن المستقبل”.

وزاد مؤخرًا الحديث عن انتهاكات عصابة الانقلاب بعد قتل 56 مواطنا تعرضوا للاختفاء القسري، وثّق مركز الشهاب لحقوق الإنسان قيام وزارة الداخلية في حكومة الانقلاب بقتل وتصفية 56 مواطنا، كانوا رهن الاختفاء القسري، بعد إلقاء أجهزة الأمن القبض عليهم.

وقال: “خلال العامين السابقين، دأبت وزارة الداخلية على إصدار بيانات، تزعم فيها أنها قد هاجمت- كما تقول- وكرا للإرهابيين، ومن ثم تبادلت معهم إطلاق النار وقتلهم، ثم يفاجأ أهالي بعض المختفين قسريًّا بأن أسماء ذويهم ضمن من قامت وزارة الداخلية بقتلهم”.

جريمة الإخفاء القسري

وأشار مركز الشهاب، في بيان له، الأربعاء، بعنوان “مختفون قسريا تم قتلهم”، إلى أنه في حالات قتل المختفين قسريا يوجد شهود على أنه تم القبض عليهم من منازلهم، ومن كمائن أمنية، قبل الوقائع المذكورة في بيانات وزارة الداخلية، التي تفيد بقتلهم بزعم تبادل إطلاق النار”.

وأكد أن “بعض هذه الحالات حررت أسرهم محاضر شرطية باختفائهم قسريا قبل صدور بيان وزارة الداخلية، وبعض هذه الحالات أرسل ذووهم مناشدات وتلغرافات للنائب العام ووزير الداخلية تفيد باختفائهم قبل صدور بيان وزارة الداخلية”.

وطالب بتسيير لجنة تقصي حقائق من قبل الأمم المتحدة، بخصوص حالات الإخفاء القسري التي تم قتلها في مصر، وبناء على تقرير لجنة تقصي الحقائق يتم فتح تحقيقات موسعة حول ما تم خلال جريمة الإخفاء القسري، وما تم بعدها من ممارسات مخالفة للقانون أدت للقتل”.

وشدّد على ضرورة “محاسبة المسئولين عن ممارسة الإخفاء القسري من قيادات وزارة الداخلية، والمخابرات والمسئولين عن احتجاز أشخاص دون وجه حق، داخل أماكن احتجاز غير قانونية أو سرية”.

وأكد أهمية “تفعيل دور الرقابة الدورية من قبل النيابة والقضاء على المقرات السرية التابعة لجهاز الشرطة، والسجون، ومعسكرات الأمن المركزي، والسجون العسكرية غير المعلومة، وتقديم المسئولين عن الإخفاء دون سند قانوني للمحاسبة”.

وأوصى بالنظر في “الإجراءات التي اتخذها ذوو المفقودين، من بلاغات وشكاوى تثبت إخفاء ذويهم من قبل الأجهزة الأمنية، والبت فيها على وجه السرعة، والرد على أسر المختفين قسريا بخطاب رسمي يتضمن نتيجة البحث والتحقيق”.

سجون الموت

وأودت سجون الانقلاب بحياة أكثر من 300 شخص منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وحاز سجن العقرب على أضواء خاصة بعد نشر تفاصيل مروعة لمعاملة المعتقلين بداخله، وظلّ هناك سجال بين المعتقلين الذين تقدموا بمئات الشكاوى والبلاغات عن الانتهاكات الممارسة بحقهم من خلال أسرهم ومحاميهم، وبين عصابة العسكر  عامةً وإدارات السجون المختلفة التي تجاهلت أو أنكرت صحة تلك الشكاوى من الأساس.

وظل هذا السجال حتى تفاجأ الجميع بزيارة من المجلس القومي لحقوق الإنسان لهذا السجن بالتحديد، والذي يعتبر أشد السجون تنكيلًا، وذلك صباح الأربعاء 26 أغسطس 2015، ليخرج المجلس برواية مؤكدة ومجملة لروايات عصابة العسكر الكاذبة.

المجلس المدعوم ماديًّا من عصابة العسكر والداعم لها في كثيرٍ من الأحيان بإصدار تقارير منقوصة لا تنقل الواقع بأي شكل من أشكال الحيادية فقط للوقوف في صف عصابة العسكر، أكد أن زيارته لسجن العقرب كانت مفاجئة بالنسبة لوزارة الداخلية.

حيث زعم ضابط المخابرات السابق ورئيس المجلس حاليًا محمد فائق، أن البعثة التي انتدبها المجلس كانت فى طريقها لزيارة سجن أبو زعبل، وقررت تغيير وجهتها إلى سجن العقرب بعد وصول الموافقة الأمنية، وإن هذا الأمر لم تعترض عليه وزارة الداخلية قط، وبالتأكيد لم يلق الأمر اعتراضًا لأن السجن قد تأهب لزيارة وفد حقوقي.

وبعد تلك الزيارة، زعم المسئول عن الملف الإفريقي بالحقبة الناصرية والرئيس الحالي للمجلس القومي، أنه من خلال جولات المجلس في السجون، تأكد عدم وجود سياسات للتعذيب المنهجي في السجون، وأن هذا لا يمنع وجود تصرفات شخصية من بعض المنتمين للداخلية، مبررًا ذلك بأن “كلنا بشر وكلنا نخطئ”.

وهذا التصريح يُدلل بشكلٍ أو بآخر على تستر المجلس على ممارسات الداخلية بل وتبريرها، ويؤكد أيضًا نظرية “الاستعداد للاستقبال” التي اتخذتها سجون مصر شعارًا لها مؤخرًا، ومن ضمنها سجن طرة شديد الحراسة “ب”، (سجن 992)، المعروف بـ”العقرب”.

الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس واحد ممن كانوا بتلك الزيارة، فتحدث في بيان نشره أن مطبخ السجن كان يحوي الكثير من أصناف الطعام الفاخر الذي لا يُعقل أن يكون إلا في الفنادق الكبرى وليس السجون، فالرجل اعتقل سابقًا لأسباب سياسية، وأكد أنه على دراية كاملة بمثل تلك الاستعدادات.

وكان “عبد القدوس” قد اعتذر عن حضور المؤتمر الصحفي الذي دعا إليه المجلس القومي لحقوق الإنسان لتقديم التقرير الخاص بزيارة سجن العقرب، مؤكدًا أن له وجهة نظر مغايرة لما عرضه تقرير المجلس.