تنمية المواطن بالأرقام.. نجاح بنجلاديشي وفشل مصري

- ‎فيتقارير

لعل مقارنة تجارب الدول المماثلة لمصر يكشف إلى أي مدى نجحت دول العالم التي تحترم مواطنيها، فيما فشلت مصر في تحقيق أي إنجاز سواء اقتصادي أو سياسي أو إنساني.

ووفق دراسة للدكتور أحمد ذكر الله، نجحت بنجلاديش في تحقيق ازدهار وتنمية وصلت لمواطنيها في مدة لا تتجاوز فترة انقلاب السيسي على الديمقراطية الأولى في مصر.

بنجلاديش المعجزة

لم نكن نسمع عن جمهورية بنجلاديش التي تقع في الجنوب الشرقي من القارة الآسيوية إلا أحاديث كوارث الفيضانات والمشردين، فكانت تصنف خلال القرن الماضي من بين الدول الأكثر فقرًا في العالم، خاصة مع عدد سكانها الكبير والذي يبلغ 165 مليون نسمة تقريبا، ومساحتها المحدودة البالغة 147 ألف كيلو متر مربع، كما أنها دولة لا تمتلك ثروات طبيعية كبيرة وهي فقط محظوظة بثروتها الهائلة من الموارد المائية المتنوعة في البرك، والمنخفضات الطبيعية (هاروس وبييل)، والبحيرات، والقنوات، والأنهار والمنخفضات الساحلية، أي انه يمكن القول ببساطة إنها دولة لا تمتلك إلا البشر والماء.

ورغم فقر الثروات الطبيعية فإن بنجلاديش وفي سنوات قليلة استطاعت أن تحقق تقدما اقتصاديا لافتًا، ويرى الكثير من الخبراء الاقتصاديين أنه يجب تصنيف الازدهار الاقتصادي الذي تحقق مؤخرًا باعتباره أفضل قصة نجاح اقتصادي في العالم، وأن الدولة الصغيرة الفقيرة أضحت مثالاً لقصة نجاح اقتصادي كبيرة.

شهادات دولية

وطبقًا لبيانات البنك الدولي فقد حققت بنجلاديش نموا اقتصاديا فاق دول العالم المختلفة خلال الأعوام العشرة الماضية، كما أنها حققت معدل نمو بلغ 7.86% عام 2018، وطبقا لتوقعات المؤسسات الدولية فان البلاد ستحقق نموًا حقيقيًّا سنويًا لإجمالي الناتج المحلي نسبته 7.7 % عام 2018-2019 حتى 2022-2023.

وتتوقع الحكومة البنغالية أن يتجاوز النمو السنوي 9 % خلال الأعوام الخمسة المقبلة.

وأوضح تقرير لمؤسسة الأبحاث العالمية لمصرف "إتش إس بي سي" أن الاقتصاد البنغالي سوف يقفز 16 نقطة بين عامي 2018 و2030، وهو المعدل الأعلى بين الدول. وقدّر حجم اقتصادها عام 2030 بحوالي 700 مليار دولار، مقارنةً بنحو 300 مليار دولار حاليًا، ومقارنة بحجم ناتج محلي إجمالي للبلاد بلغ 102 مليار دولار في عام 2009. أي أنه تمت مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي مقوما بالدولار مرتين كاملتين خلال عشرة أعوام فقط.

وبحسب ذكر الله، انعكس معدل النمو المرتفع والمستمر علي زيادة متوسط دخل الفرد، والذي زاد من 870 دولارًا عام 2011 إلى 1080 دولارًا عام 2014 ثم إلى 1.610 عام 2017 وأصبح 1.751 دولارًا عام 2018، أي بمعدل زيادة 201% تقريبا خلال أقل من عشر سنوات.

كما استطاعت من خلال استمرار معدل النمو المرتفع مساعدة 50 مليون شخص على انتشال نفسها من براثن الفقر خلال عقدين؛ حيث قلصت معدلات الفقر من 44.2% عام 1991 إلى24.3% عام 2016. كما انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر المدقع 1.9 دولار/ يوميا من 34.8% عام 2000 إلى 14.8% عام 2016.

وحسب تقرير الثراء العالمي لعام 2018 تصدرت بنجلاديش قائمة الدول التي شهدت أسرع زيادة في عدد الأثرياء بين عامي 2012 و2017؛ حيث ارتفع عدد الأفراد الأكثر ثراء في بنجلاديش بنسبة 17.3%  خلال تلك الفترة، ومن الجدير بالذكر ان التقرير يعرف الأفراد الأكثر ثراءً بأنهم الأشخاص الذين يمتلكون أصولاً قابلة للاستثمار تقدّر بنحو 30 مليون دولار على الأقل، مع استبعاد الأصول والعقارات الشخصية، مثل المنازل الأساسية، والمقتنيات، والسلع الاستهلاكية.

كما شهدت البلاد تدفقات قوية من النقد الأجنبي، كانت مصادرها الرئيسة من الصادرات والحوالات المالية والمساعدات الخارجية والمنح، وكذلك من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر؛ حيث نجحت في جذب استثمار أجنبي مباشر يقدّر بنحو 3 مليارات دولار خلال 2017-2018، كما أظهر تقرير بنك بنجلاديش أن حجم التحويلات المالية المرسلة من المغتربين إلى البلاد وصل إلى مستوى قياسي مرتفع جديد في عام 2019، حيث بلغ مقدار التحويلات حوالي 18 مليار دولار.

وقد زادت صادرات بنجلاديش بصورة كبيرة خلال العقدين الفائتين، فبينما كانت 6.5 مليار دولار فقط عام 2000 تزايدت إلى 11.7 مليار دولار عام 2006 ثم قفزت إلى 25.5 مليار عام 2011، ثم توالت قفزاته؛ حيث بلغت 32.8 مليار عام 2014، وأخيرا 37.5 مليار دولار عام 2018.  وبذلك فقد كان معدل النمو السنوي للصادرات البنغالية يتراوح بين 15 و17 % خلال السنوات العشر الأخيرة.

 كما تزايد اهتمام الحكومة بالقطاع الصناعي والذي أضحى يساهم بنحو 19 % من الناتج المحلي الإجمالي وبنحو 96.8 % من إجمالي الصادرات خلال 2017و2018، واستأثرت صناعة المنسوجات وحدها بنحو 80 % من إجمالي الصادرات البنجالية خلال العامين 2017 و2018، حيث صدّرت بنغلاديش ملابس تجاوزت قيمتها 28 مليار دولار، محققة المركز الثاني عالميًا بعد الصين، ويعمل في هذه الصناعة نحو 4.4 مليون شخص، 3 ملايين منهم من النساء.

وبالطبع انعكست تدفقات النقد الأجنبي السابق ذكرها على احتياطي النقد الأجنبي في البلاد والذي تزايد بأكثر من 450% على مدى الأعوام العشرة الماضية، حتى بلغ 33.3 مليار دولار في منتصف العام الماضي.

ورغم التزايد السكاني الضخم خلال العقد الماضي فإن النمو الاقتصادي استطاع أن يستوعب الأعداد المتزايدة الداخلة إلى سوق العمل، واستمر معدل البطالة المنخفض في البلاد على حاله تقريبا منذ عام 2000 والذي بلغ خلالها 3.3% بينما تراوح بين 4.3% و4.4 في الأعوام الخمسة الأخيرة. كما استمر معدل البطالة بين الذكور في حدود 3% إلى 3.3 % خلال السنوات الخمس الأخيرة، بينما انخفض معدل البطالة بين الإناث من 7.1% عام 2005 إلى 6.5% عام 2018.

ماذا عن مصر السيسي؟

وتشير تلك الارقام الكاشفة، إلى اي مدى تتقدم مصر نحو الهاوية بسبب العقلية العسكرية الخاكمة، التي تقوم بدةر غير المكلفة به، حيث تتوسع استثمارات العسكر، على حساب المدنيين اذين يزداون فقرا وجهلا ومرضا وقمعا.

بينما الفقر يأكل المصريين رجالا ونساء وتضرب البطالة أكثر من 32% من المصريين ويضرب الفقر أكثر من ثلثي الشعب الصري، وتتزايد أوجاعه الصحية والاجتماعية وتفشى فيه معدلات الطلاق الكبيرة والتسرب من التعليم والانتخحار، فيما توجه بنجلايش المسكونة بنحو 137 مليون نسمة وفي مساحة أقل من ربع مساحة مصر.

ويبقى الأساس التوجه نحو المواطن، فمعدلات النمو والصادرات المرتفعة تساقطت ثمراتها على الفقراء، في صورة تعليم وتمكين للمرأة ونشر للتكنولوجيا وخدماتها المقدمة إلى عموم الشعب، وكان ذلك في ظل إطار من دعم لحرية الرأي والديمقراطية، ودور نافذ للقطاع الخاص، ودور منظم وراع من جانب الدولة، وفي ظل حراسة الجيش وقيامه بمهامه الرئيسية المعتادة.

وهكذا فإن السلطة البنغالية تقدم الدرس الاقتصادي موجزا وبليغا لسلطات الانقلاب في مصر مفاده أنه لا يتحقق تحسن اقتصادي دونما مناخ حر يدعم المبادرة وروح الابتكار، وليس للتطور والازدهار الرقمي أهمية إلا ببلوغه الفقراء وسداده احتياجاتهم ونشر العالة الاجتماعية بين المواطنين، وأن الدور الاقتصادي للمرأة رافعة أساسية تحتاج الي الكثير من الجهد والعمل لكي تقوم بدورها النهضوي، وان لكل وظيفته، فالقطاع الخاص وظيفته سد حاجات المجتمع من السلع والخدمات، بينما تنظم الدولة العملية برمتها وتشارك بما لا يقبل عليه القطاع الخاص، كما أن للجيش دوره الرئيس في حفظ الامن القومي.

وأخيرا فإن كل ما سبق لن يتحقق إلا في ظل الاهتمام بالتعليم والذي يبدا من حتمية زيادة الإنفاق القومي عليه، ويمر بالاهتمام بالمعلمين والباحثين، وينتهي بالوصول إلى معدلات الدول المتقدمة في الإنفاق على البحث والتطوير.