حرب “اللوبيات” بين مصر وإثيوبيا.. فشل جديد للسيسي

- ‎فيتقارير

في إطار الفشل العسكري لإدارة نظام الانقلاب ملفات مصر الاستراتيجية، تتزايد المخاطر المهددة لأمن واستقرار مصر، إثر الفشل الذريع في تفريط السيسي في حقوق مصر التاريخية بمياه النيل، الذي منحه السيسي لإثيوبيا بلا أية ضمانات تنفيذية، كما يفعل أي مقاول في مثل تلك الحالات، وتظاهر بحسن النية، ولكن هدفه الأعظم كان الحصول على شرعية لانقلابه العسكري من القارة الإفريقية، التي كان يعارض اتحادها الانقلابات العسكرية، بعد أن تجرعت القارة مرارات القتل والاحتراب الأهلي عقودا وقرونا من الزمن، إلا أن السيسي القاتل أراد أن يصبح شرعيًا، فقدم لإثيوبيا النيل على طبق من فضة.

حرب اللوبيات

مؤخرا اشتعل السجال الدبلوماسي بين القاهرة وأديس أبابا، بعدما أعلنت إثيوبيا تخلفها عن حضور اجتماع التفاوض الأخير بشأن السد في واشنطن، نهاية فبراير الماضي، والذي كان مخصصا لإبرام اتفاق نهائي مع مصر والسودان، بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، وهو الاتفاق الذي وقعته مصر بمفردها بالأحرف الأولى، بينما لم توقع السودان وإثيوبيا عليه حتى الآن.

وإزاء ذلك، تحولت لغة الدبلوماسية بين الطرفين المصري والإثيوبي إلى اتهامات متبادلة، ما قدم مؤشرا على أن التفاوض بينهما وصل إلى طريق مسدود، وأن الوساطة الأمريكية لن يكتب لها النجاح على الأرجح، في وقت تواصل فيه كل من القاهرة وأديس أبابا “حرب اللوبيات” في كواليس الدبلوماسية الدولية لحماية مصالحهما في نهر النيل.

وراء الكواليس، عرضت مصر روايتها لتطورات الأزمة على السفراء الأفارقة بالقاهرة، في اجتماع مع وزير الخارجية “سامح شكري”، الأسبوع الماضي، وحرصت القاهرة على صدور بيان من الجامعة العربية، يوم 4 مارس، تضمن تأييدا للموقف المصري.

وفي السياق ذاته، أعلنت خارجية الانقلاب في مصر عن جولة عربية لوزيرها سامح شكري، شملت السعودية، والعراق، والكويت، وسلطنة عُمان، والبحرين، والإمارات، وذلك لتسليم رسالة من “السيسي” إلى قادة تلك الدول. ولاحقا، قام وزير الخارجية الانقلابي  بجولة أوروبية شملت كلا من بلجيكا وفرنسا.

لكن التطور الأهم يتمثل في دعوة الخارجية “المجتمع الدولي” للانضمام للجامعة العربية في “إدراك طبيعة سياسة إثيوبيا القائمة على العناد وفرض الأمر الواقع، وهو ما يهدد بالإضرار بالاستقرار والأمن الإقليميين”، في مضمون قرأه العديد من المراقبين بأنه رسالة غير مباشرة لواشنطن.

وتستند الدبلوماسية المصرية بالأساس، في هذا الموقف، إلى استمالة لوبي الخارجية الأمريكية بعدما التزمت القاهرة بكافة المطالبات الأمريكية لإنجاح التفاوض بشأن سد النهضة، بينما تحاول القاهرة في الوقت نفسه “استثمار” تراجع أديس أبابا عن استكمال التفاوض لتعزيز موقفها الدولي بشكل عام، ولدى الولايات المتحدة بشكل خاص.

في هذا الإطار، جاء تسليط الرئاسة الانقلابية الضوء، في 3 مارس الماضي، على تثمين الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، في اتصال هاتفي مع “السيسي”، لتوقيع مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق الذي أسفرت عنه جولات المفاوضات حول سد النهضة بواشنطن خلال الأشهر الماضية، ومطالبة الخارجية المصرية لإثيوبيا بتأكيد التزامها بعدم البدء في ملء سد النهضة دون اتفاق، والموافقة على الاتفاق الذي أعده “الوسطاء المحايدون” في إشارة إلى الولايات المتحدة والبنك الدولي.

وتحاول الدبلوماسية المصرية الاستناد إلى تعهد “ترامب” بمواصلة بلاده “الجهود الدؤوبة”، والتنسيق مع مصر والسودان وإثيوبيا؛ من أجل توصل الدول الثلاث إلى التوقيع على اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي، وإقراره بأن المشروع “يثير مخاوف دول المصب من نقص حاد في مصادر المياه”، في تكوين رأي عام دولي يحصن القاهرة من اتجاه أديس أبابا لفرض أمر واقع بشأن ملء وتشغيل السد.

الثغرة السودانية

لكن الجهود المصرية لحشد لوبي دبلوماسي دولي لصالح موقف القاهرة يعاني ثغرة واضحة تتمثل في ضعف التنسيق وتناقض المصالح بين مصر والسودان في قضية سد النهضة، وهو ما بدا واضحا منذ رفض الخرطوم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق قواعد ملء وتشغيل السد الذي وقعت عليه مصر، ثم تأكيد عدد من الدبلوماسيين السودانيين تأييد بلادهم الموقف الإثيوبي، بينهم السفير السوداني في أديس أبابا، وانتهاء بتحفظ السودان على قرار الجامعة العربية بالتضامن مع مصر ضد إثيوبيا في القضية.

وتلعب الدبلوماسية الإثيوبية بشكل واضح على هذه الثغرة في الرواية المصرية؛ وهي تسعى لحشد لوبي دبلوماسي داعم، يرتكز على الخلافات الواضحة بين القاهرة والخرطوم، ورغبة السودان في التموقع في مساحة وسط بين انتماءيها العربي والإفريقي.

ويشارك في خطة أديس أبابا الدبلوماسية عدد من كبار الدبلوماسيين والخبراء الدوليين؛ لقطع الطريق أمام محاولات مصر إظهار إثيوبيا بوصفها “دولة مارقة” ترفض الانصياع للقرارات والاتفاقيات الدولية.

وتتحرك الدبلوماسية الإثيوبية بنشاط في دول الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، وبعض العواصم العربية المهمة، وقد بدأت أديس أبابا حملتها باستدعاء سفرائها من 8 دول، هي: مصر، والسودان، وبريطانيا، وبلجيكا، والمغرب، والجزائر، وأستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية، تزامنا مع صدور قرار مجلس وزراء الخارجية العرب بـ”دعم حقوق مصر التاريخية في مياه النيل”.

الدبلوماسية الإثيوبية

وإذا كان استدعاء سفيري إثيوبيا في كل من مصر والسودان بحكم ارتباطهما المباشر بأزمة السد، فإن استدعاء باقي السفراء جاء بحكم خبراتهم الدبلوماسية الكبيرة وتأثيرهم الدولي، في وقت رفعت فيه أديس أبابا درجة الاستعداد لمواجهة التحركات المصرية بشأن الأزمة.

وفي هذا الإطار، جاءت صيغة بيان الخارجية الإثيوبية، الذي هاجم قرار مجلس جامعة الدول العربية بدعم موقف مصر إزاء تطورات سد النهضة، واصفا الجامعة بأنها تقدم “دعماً أعمى” للمصريين.

أما ساحة الدبلوماسية الأمريكية، فيبدو أن استراتيجية إثيوبيا الحالية تعمد إلى التشكيك في نزاهة الوسيط الأمريكي وتوجيه اتهامات مبطنة لواشنطن بالانحياز إلى القاهرة، وهو ما ظهر في تصريحات نائب رئيس الوزراء الإثيوبي “ديميك ميكونين” الذي اتهم الدبلوماسية الأمريكية بالانحياز، ودعا واشنطن إلى عدم التسريع في عملية التفاوض أو محاولة التأثير على نتيجتها، وأن تمارس ضغوطها “على كل الأطراف وليس على إثيوبيا فقط”.

وفي الإطار ذاته، شكك وزير الري والمياه والطاقة الإثيوبي “سيلشي بيكيلي” في حياد الدبلوماسية الأمريكية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة “دعت إلى المفاوضات بصفتها مراقبا، لكنها تصرفت لاحقا كوسيط، ثم صاغت اتفاقاً، وهو أمر لم يكن مقبولا من جانب إثيوبيا”.

وبدا من سجال الدبلوماسية المصري- الإثيوبي، أن القاهرة عجزت عن اقتناص انحياز دولي صريح، أو حتى إجماع عربي، لدعم موقفها، ورغم أنها اكتسبت دعما نظريا من واشنطن، فإن الأخيرة لم تمارس أي ضغوط فعالة لإجبار أديس أبابا على التعهد بعدم ملء السد دون اتفاق.

عجز مصري

ولذا يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير “عبد الله الأشعل” الموقف المصري بأنه “سيئ، ولا يرقى إلى مستوى المسئولية” مشيرا إلى “وجود تفاهمات إثيوبية إسرائيلية لحرمان مصر من حصتها في مياه النيل”، وبالتالي فإن التعويل على واشنطن في الضغط على أديس أبابا لا محل له من الإعراب، وفقا لما أورده “الجزيرة نت”.

ويدلل “الأشعل” على تقديره بأن إثيوبيا تسير في خطة سد النهضة على خط تصادمي مستقيم، دون اكتراث بأية مواقف دولية أو عربية، بما يشي بحصولها على ضمانات لعدم تعرضها لعقوبات دولية في هذا الصدد.

وتبقى مصر الخاسر الأكبر في ملف سد النهضة؛ بسبب مواقف السيسي العنجهية وغير المدروسة وعديمة الجدوى، وليس أدل على ذلك من حديث نظامه مؤخرا عن أنه تعامل مع إثيوبيا بمنطق حسن النية، إذ إنه يعد بمثابة الخيانة العظمى أن تتعامل مع عدوك بهذه الطريقة.