تضع أزمة وكارثة انتشار فيروس كورونا بمصر، الرهائن المصريين من أحرار السجون والمعتقلات أمام مصير كارثي، في ظل إصرار نظام العسكر على صم أذنيه عن المطالب الدولية بالإفراج عن أكثر من 60 ألف معتقل سياسي، بجانب آلاف السجناء الآخرين، خوفا من تحول السجون إلى بؤر للإصابة بالمرض.
فبسبب انتشار فيروس كورونا؛ ارتفعت أصوات منظمات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين مناشدة أهالي السجناء باستمرار إرسال التلغرافات للنائب العام للمطالبة بخروج المحبوسين في سجون مصر البالغ عددها 68 سجنا، بالإضافة إلى 382 مقر احتجاز داخل أقسام ومراكز الشرطة وفي المعسكرات، وذلك وفقا لتقرير صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان؛ حيث يشغل هذه السجون ما يزيد على المائة ألف سجين ومعتقل ومختف قسريا بخلاف الروايات الرسمية.
وأوصت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بأن تفرج الحكومات في البلدان المتضررة من انتشار الفيروس عن المحتجزين من دون وجه حق؛ يحذو النظام المصري حذو إيطاليا وفرنسا قبل انفجار الأزمة في عدم الإفراج ومنع الزيارة، معتبرًا أن كل السجناء لديه جنائيون، فهو ينفي وجود معتقل رأي خلف القضبان، بعد أن لفق لهم نظامه القضائي تهما بالإرهاب ليفلت من المحاسبة الدولية.
كما أشارت منظمات حقوق دولية نحو النظام المصري بأصابع الاتهام لتنكيله بنزلاء سجونه، ويسارع لإنتاج فيلم هابط عنها ويظهرها وكأنها أحد الفنادق العالمية ذات الخمس نجوم؛ في حين أن الرسائل الكثيرة المسربة لمعتقلي الرأي من داخل السجون وشهادات من أخلي سبيلهم تصف حالتهم البائسة وحرمانهم من أبسط حقوقهم الآدمية، كالإضاءة، ومياه الشرب النقية، والنظافة، واستخدام المراحيض، والماء الدافئ للاستحمام شتاء، والفوط الصحية للنساء، والعلاج، والتريض، والزيارة، واللبس، والأغطية، والفراش، والسماح بالزيارات، وتخفيض التكدس في العنابر، والتهوية صيفا، والتدفئة شتاء، والحماية من الحشرات والفئران والثعابين، والتفاعل الايجابي مع الاضرابات المتكررة التي ينتج عنها دائما الإمعان في تعذيب من يقدم على هذا النوع من الاعتراض. تحرم إدارة السجون النزيل حقوقه ليضطر لدفع مال مقابل الحصول على أي منها.
ويستخدم النظام الانقلابي الإهمال الطبي كوسيلة قتل وتصفية مأمونة العواقب، فهو يمرض السجين ثم يعلن وفاته إثر سرطان أو فشل كلوي أو غيبوبة سكر، أو أزمة قلبية كما حدث مع الرئيس محمد مرسي.
ومنذ عام زادت أعداد ضحايا الإهمال الطبي داخل السجون، منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، إلى 826 قتيلاً. وفي بيان مشترك، عبرت تسع منظمات حقوقية عن قلقها البالغ من تصاعد أعداد الوفيات داخل السجون منذ مطلع العام الجاري نتيجة استمرار سياسة الحرمان من الرعاية الصحية، وتفاقم الإهمال الطبي. يزيد عدد المقتولين إهمالا عن عشر حالات منذ يناير 2020.
وجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من القتلى كانوا بصحة جيدة قبل احتجازهم؛ فإذا كان هذا حال السجون قبل ظهور فيرس كورونا، فكيف سيكون الحال بعد رصد أول حالة إصابة داخل سجن وادي النطرون، تم وضعها في الحجر الصحي وسط حراسة أمنية مشددة، وأصدرت أوامر لإدارة المستشفى بعدم الكشف عن وجودها.
وقالت دراسة أجراها مختصون في الأمراض المعدية من جامعة تورنتو الكندية، إن عدد المصابين بفيروس كورونا في مصر هو أعلى بكثير مما أعلنته السلطات الرسمية، وقدرت الأعداد بحوالي 19 ألفا وفقاً لبيانات رسمية عن حركة السفر ومعدل المصابين الذين غادروا مصر في الأيام الأخيرة؛ وهذا ما كذبته وزارة الصحة، وأعلنت أن عدد المصابين لا يتجاوز 1500 حتى الآن، معتبرة أن تداول هذه الأرقام هو مؤامرة تستهدف الإضرار بسمعة البلاد وإثارة الذعر بين المواطنين.
استغاثات لا تتوقف
ومؤخرا، نشر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي رسالة مسربة من سعد الحسيني- النائب البرلماني ومحافظ كفر الشيخ سابقا- من داخل سجن طرة، أكد فيها أن المعتقلين السياسيين في سجن العقرب يواجهون الموت مُكبلي الأيدي، بلا هواء، بلا شمس، بلا دواء، بلا طبيب، بلا أهل، بلا طعام، بلا رحمة.
وأضاف في الرسالة- التي كتبها على مناديل ورقية- “منذ نحو أسبوع بدأت الأعراض في الظهور على كثير منا، سعال وارتفاع درجات الحرارة ورشح والتهاب بالرئتين، ودبّت حالة من الفزع والرعب بين الجميع، واهتم الجميع بكتابة وصيته، ونحن كما كنّا منذ ستة أشهر لم نخرج من غرفنا بعد حرماننا من التريض لنبقى في هذه الغرف الضيقة بلا تهوية، لا نرى الشمس منذ ستة أشهر، ولا يُفتح علينا باب، ولا يدخل علينا هواء، بلا أدوات نظافة أو مطهرات”.
ومضى قائلا: “استغاثاتنا بإدارة السجن والمسئولين كي يدركونا قبل فوات الأوان، قُوبلت بتجاهل رهيب مُتعمد، فلم يحركوا ساكنا؛ ولم يعرض أحد منا على مستشفى، ولا جاء طبيب للاطلاع علينا أو فُحص أحد منا، وسادت حالة من الخوف والرعب بين الضباط والمخبرين حتى الأطباء، الجميع يخشى دخول العنابر أو حتى الحديث معنا”.
وشدد الحسيني على أن مفتش المباحث في سجن العقرب أحمد أبو الوفا، ورئيس المباحث محمد شاهين؛ رفضا مقابلة المعتقلين، كما رفضا السماح لهم بشراء الأدوية، مما زاد سرعة انتشار الوباء بينهم، وسط تجاهل وتكتيم من مصلحة السجون ووسائل الإعلام.
وختم رسالته قائلا “بعد أن ألغى النظام الكثير من جلسات المحاكم حتى لا يخرج المعتقلون من مقبرة العقرب ويسمع بهم أحد؛ لم نجد أمامنا إلا أن نوجه صرختنا واستغاثتنا إلى كل منظمات العالم الحقوقية والطبية، وكل من يؤمن بحقنا في الحياة؛ فقد تكون هذه صرختنا الأخيرة: أنقذونا، نظام السيسي يقتلنا بكورونا”.
بدورها، نشرت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات رسالة مسربة لأحد المعتقلين، تحذر من انتشار أعراض البرد الشديد بين عدد من المعتقلين في سجن تحقيق طرة، وسط غياب تام لأطباء السجن الذين يخشون الاقتراب من المعتقلين، خوفا من تعرضهم للإصابة بفيروس كورونا المستجد.
وقالت التنسيقية، في منشور على صفحتها الرسمية بموقع فيسوك، إن “الضابط محمد يحيى رئيس مباحث السجن، وقع الكشف على المعتقلين المشتبه في إصابتهم من خلال قياس حرارة الجسم بجهاز إلكتروني يوضع على الرأس”.
ونقلت التنسيقية عن أحد المعتقلين أن الجهاز يصدر رقما ثابتا للجميع، وهو 35 درجة مئوية، وهذا يعني أن المعتقل المصاب بهذه الحرارة “متوفى”، في ظل الإهمال الشديد في تقديم الرعاية الصحية للمعتقلين؛ مما أثار الذعر بينهم، وسط تجاهل إعلامي وتكتم من قبل وزارة الداخلية أو الصحة لتوضيح وجود حالات بينهم أم لا.
وكانت منظمات حقوقية مصرية قد دعت السلطات مؤخرا إلى ضرورة الإفراج الفوري والسريع عن المحتجزين في السجون المصرية خوفا من تفشي فيروس كورونا بين المساجين.
وفي بيان مشترك، تحت عنوان “أنقذوهم”، طالبت المنظمات السلطات المصرية بالانتباه إلى التكدس داخل السجون، فضلا عن ضعف التهوية، وانخفاض مستوى النظافة، مع وجود الكثير من الحالات المرضية المزمنة، مؤكدة أن كل هذه الأمور قد تؤدي إلى كارثة إنسانية يصعب تداركها في ظل هذه المعايير إذا ظهرت حالة واحدة مصابة بهذا الفيروس داخل السجون وأقسام الشرطة.
والمنظمات الموقعة على البيان هي: مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان، ومنظمة هيومن رايتس مونيتور.
وأعلنت المنظمات المشاركة في الحملة عزمها على إرسال مجموعة من المخاطبات الرسمية لحث الحكومة المصرية على الإفراج عن السجناء، على أن تكون موجهة لكل من النائب العام، والمجلس الأعلى للقضاء، ورئاسة الجمهورية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومنظمة الصحة العالمية، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، والاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، فضلا عن الاتحاد الإفريقي.